الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{الْأَكْثَر الْخَبَر صدق وَكذب} أَعنِي: أَنه مَحْصُور فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ لَا يخرج شَيْء عَنْهُمَا، وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر؛ لِأَن الحكم الَّذِي هُوَ مَدْلُول الْخَبَر إِمَّا مُطَابق للْخَارِج الْوَاقِع، أَو غير مُطَابق، فَإِن كَانَ مطابقاً فَهُوَ الصدْق، وَسَوَاء كَانَ مَعَ اعْتِقَاد مُطَابقَة أَو لَا، وَإِن لم يكن مطابقاً فَهُوَ كذب.
قَالَ الكوراني: الْإِنْشَاء كَلَام يحصل مَدْلُوله من اللَّفْظ فِي الْخَارِج مثل: اضْرِب، وَلَا تضرب؛ إِذْ مدلولها إِنَّمَا يحصل من لَفْظهمَا، وَالْخَبَر بِخِلَافِهِ، أَي: مَاله مَدْلُول رُبمَا طابقته النِّسْبَة الذهنية، وَرُبمَا لَا تطابقه، فَإِذا تصورت قيام زيد، وحكمت على زيد بِأَنَّهُ قَائِم، فَإِن كَانَ قَائِما فقد طابق حكمك لما فِي الْخَارِج، وَهُوَ قيام زيد فكلامك صدق، وَإِن لم
يُطَابق فكذب، فَتحَرَّر أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكم الْمُتَكَلّم للْوَاقِع وَكذبه عدمهَا، هَذَا مَذْهَب أهل الْحق. انْتهى.
{وَقَالَ الجاحظ: المطابق مَعَ اعْتِقَاد الْمُطَابقَة صدق، وَغير المطابق مَعَ عدمهَا} ، أَي: مَعَ عدم الْمُطَابقَة {كذب، وَغَيرهمَا} وَاسِطَة {لَا صدق وَلَا كذب} ، فَشرط فِي الصدْق أَن يُطَابق مَا فِي نفس الْأَمر مَعَ الِاعْتِقَاد، وَالْكذب عدم مطابقته مَعَ اعْتِقَاد عدمهَا، فَإِن لم يعْتَقد أَحدهمَا سَوَاء طابق أَو لَا فَلَيْسَ بِصدق وَلَا كذب، فَيدْخل فِي الْوَاسِطَة بَينهمَا أَرْبَعَة أَقسَام.
فالأقسام عِنْده سِتَّة: صدق، وَكذب، وواسطة؛ لِأَن الْخَبَر إِمَّا مُطَابق أَو غير مُطَابق، فَإِن كَانَ مطابقاً فإمَّا أَن يكون مَعَه اعْتِقَاد الْمُطَابقَة أَو لَا، وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكون مَعَه اعْتِقَاد أَن لَا مُطَابقَة أَو
لَا، فَإِن كَانَ غير مُطَابق فإمَّا أَن يكون مَعَه اعْتِقَاد أَن لَا مُطَابقَة أَو لَا، وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكون مَعَه اعْتِقَاد الْمُطَابقَة أَو لَا.
فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام: الأول مِنْهَا وَهُوَ الْخَبَر المطابق مَعَ اعْتِقَاد الْمُطَابقَة صدق، وَالرَّابِع وَهُوَ الْخَبَر غير المطابق مَعَ اعْتِقَاد عدم الْمُطَابقَة كذب، وَالْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة لَيست بِصدق وَلَا كذب، قَالَه الْأَصْفَهَانِي، وَغَيره، وَقَالَ عَن الْأَرْبَعَة؛ لِأَن المطابق مَعَ نفي اعْتِقَاد الْمُطَابقَة انقسم إِلَى قسمَيْنِ، وَغير المطابق مَعَ نفي اعْتِقَاد اللامطابقة انقسم أَيْضا إِلَى قسمَيْنِ. انْتهى.
قَالَ الكوراني: ذهب الجاحظ إِلَى أَن الصدْق مُطَابقَة الْخَبَر الْوَاقِع مَعَ اعْتِقَاد أَنه وَاقع، وَكذبه عدم الْمُطَابقَة مَعَ اعْتِقَاد أَنه غير وَاقع، فَالْأول صَادِق، وَالثَّانِي كَاذِب، وَتبقى أَربع صور: وَاسِطَة بَين الصدْق وَالْكذب، وَهُوَ معنى مَا تقدم.
وَاسْتدلَّ لقَوْل الجاحظ بقوله تَعَالَى: {افترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} [سبأ: 8] وَالْمرَاد بالحصر فِي الافتراء وَالْجُنُون ضَرُورَة عدم اعترافهم بصدقه، فعلى تَقْدِير أَنه كَلَام مَجْنُون لَا يكون صدقا؛ لأَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ صدقه، وَلَا كذبه؛ لِأَنَّهُ قسيم الْكَذِب على مَا زعموه فثبتت الْوَاسِطَة بَين الصدْق وَالْكذب.
وَأجِيب: بِأَن الْمَعْنى افترى على الله كذبا أم لم يفتر فَيكون مَجْنُونا؛ لِأَن الْمَجْنُون لَا افتراء لَهُ لعدم قَصده.
وَاسْتَدَلُّوا - أَيْضا - بِنَحْوِ قَول عَائِشَة رضي الله عنها عَن ابْن عمر رضي الله عنهما فِي حَدِيث: " إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ، مَا كذب وَلكنه وهم ".
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد مَا كذب عمدا بل وهم.
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": المُرَاد من الْآيَة عِنْد الْجُمْهُور الْحصْر فِي كَونه