الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّوَاتُر: لَفْظِي ومعنوي.
فاللفظي: اشتراكهم فِي لفظ بِعَيْنِه، كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم َ -: "
من كذب عَليّ مُتَعَمدا " الحَدِيث كَمَا تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ، وعَلى طرقه وعدتهم.
والمعنوي: تغاير الْأَلْفَاظ مَعَ الِاشْتِرَاك فِي معنى كلي، كَحَدِيث الْحَوْض - أَعنِي حَوْض النَّبِي
صلى الله عليه وسلم َ - كَمَا تقدم قَرِيبا -، وسخاء حَاتِم وشجاعة عَليّ رضي الله عنه، وَغَيرهَا. وَذَلِكَ إِذا كثرت الْأَخْبَار فِي الوقائع وَاخْتلف فِيهَا، لَكِن كل وَاحِد مِنْهَا يشْتَمل على معنى مُشْتَرك بَينهَا بِجِهَة التضمن أَو
…
...
…
... . .
الِالْتِزَام، حصل الْعلم بِالْقدرِ الْمُشْتَرك، وَهُوَ مثلا الشجَاعَة وَالْكَرم وَنَحْوهَا، وَيُسمى التَّوَاتُر من جِهَة الْمَعْنى، وَذَلِكَ كوقائع حَاتِم فِيمَا يحْكى من عطاياه من فرس، وإبل، وَعين، وثوب، وَنَحْوهَا؛ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن جوده فَيعلم، وَإِن لم يعلم شَيْء من تِلْكَ القضايا بِعَيْنِه.
وكقضايا عَليّ رضي الله عنه فِي حروبه من أَنه هزم فِي خَيْبَر كَذَا، وَفعل فِي أحد كَذَا، إِلَى غير ذَلِك؛ فَإِنَّهُ يدل بالإلتزام على شجاعته، وَقد تَوَاتر ذَلِك مِنْهُ، وَإِن كَانَ شَيْء من تِلْكَ الجزيئات لم يبلغ دَرَجَة الْقطع.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل " التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ كَالْعلمِ بشجاعة عَليّ وسخاء حَاتِم مَعَ اخْتِلَاف المخبرين فِي الوقائع الدَّالَّة على ذَلِك لاشتراكها فِي الْمَدْلُول، وَإِن كَانَت جِهَة دلالتها تَارَة بالتضمن وَتارَة بالإلتزام، وَكثير من الوقائع على هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: قلت: التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ تغاير الْأَلْفَاظ مَعَ الِاشْتِرَاك فِي معنى كلي، واللفظي اشتراكهم فِي اللَّفْظ. انْتهى.
وَهَذَا الْأَخير الَّذِي قَالَه حسن؛ فَلذَلِك ذَكرْنَاهُ فِي الْمَتْن بَدَلا عَن الأول فَإِنَّهُ أوضح.
قَوْله: {أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر: الْعلم الْحَاصِل بِهِ ضَرُورِيّ} ؛ إِذْ لَو كَانَ نظرياً لافتقر إِلَى توَسط المقدمتين، وَلما حصل لمن لَيْسَ من أهل النّظر كالنساء وَالصبيان؛ وَلِأَن الضَّرُورِيّ مَا اضْطر الْعقل إِلَى التَّصْدِيق بِهِ، وَهَذَا كَذَلِك، ولساغ الْخلاف فِيهِ عقلاء كَسَائِر النظريات.
{وَقَالَ أَبُو الْخطاب، وَأَبُو الْمَعَالِي، والدقاق، وَغَيرهم: نَظَرِي} .
وَقَالَهُ الكعبي، وَأَبُو الْحُسَيْن المعتزليان؛ إِذْ لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لما افْتقر إِلَى النّظر فِي المقدمتين وَهِي اتِّفَاقهم على الْإِخْبَار وَعدم تواطئهم على الْكَذِب، فصورة التَّرْتِيب مُمكنَة.
رد ذَلِك: بِأَنَّهُ مطرد فِي كل ضَرُورِيّ.
قَالُوا: لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لعلم كَونه ضَرُورِيًّا ضَرُورَة؛ لعدم حُصُول علم ضَرُورِيّ لَا يشْعر بضرورته.
رد: معَارض بِمثلِهِ فِي النظري، ثمَّ لَا يلْزم من حُصُول الْعلم الشُّعُور بِالْعلمِ ضَرُورَة، وَإِن سلم فَلَا يلْزم الشُّعُور بِصفتِهِ ضَرُورَة.
قَالُوا: كَالْعلمِ عَن خبر الله وَرَسُوله.
رد: لتوقفه على معرفتهما، وَهِي نظرية.
وللقاضي أبي يعلى من أَئِمَّة [أَصْحَابنَا] قَولَانِ، وَاخْتَارَ فِي " الْكِفَايَة " أَنه نَظَرِي، وَاخْتَارَ فِي " الْعدة " أَنه ضَرُورِيّ.
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي " الْمُسْتَصْفى ": تَحْقِيق القَوْل فِيهِ أَنه ضَرُورِيّ يَعْنِي أَنه لَا يحْتَاج فِي حُصُوله إِلَى الشُّعُور بتوسط وَاسِطَة مفضية إِلَيْهِ مَعَ أَن الْوَاسِطَة حَاضِرَة فِي الذِّهْن، وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنى أَنه حَاصِل من غير وَاسِطَة. انْتهى.
وَنقل أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ عَن الْبَلْخِي مُوَافقَة الْمَعْنى.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَحَكَاهُ أَيْضا عَن الدقاق، وَأبي الْحُسَيْن.
وَقَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره ": وَالْخلاف لَفْظِي؛ إِذْ مُرَاد الأول بالضروري مَا اضْطر الْعقل إِلَى تَصْدِيقه، وَالثَّانِي البديهي الْكَافِي فِي حُصُول الْجَزْم بِهِ
تصور طَرفَيْهِ، والضروري منقسم إِلَيْهِمَا، فدعوى كل غير دَعْوَى الآخر، والجزم حَاصِل على الْقَوْلَيْنِ. انْتهى.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: اللَّائِق ارْتِفَاع الْخلاف فَإِن حُصُول الْعلم فِيهِ بِالضَّرُورَةِ أَمر مشَاهد.
وَقَالَ الكوراني: لخص الْخلاف بعض الْمُحَقِّقين بِأَن المتواترات والمجربات وَإِن كَانَت قضايا ضَرُورِيَّة إِلَّا أَن فِيهَا قِيَاسا خفِيا؛ إِذْ السَّامع إِنَّمَا يحكم فِي الْمُتَوَاتر؛ لِأَنَّهُ يعلم أَنه صدر عَن جمع لَا يُمكن اتِّفَاقهم على الْكَذِب، فَكَأَنَّهُ يَقُول عِنْد السماع: هَذَا خبر جمع لَا يُمكن تواطؤهم على الْكَذِب، وكل خبر هَذَا شَأْنه فَهُوَ صدق قطعا، فَهَذَا الْخَبَر صدق قطعا.
وَمثل هَذَا الْقيَاس الْخَفي لَا يخرج الْعلم عَن كَونه ضَرُورِيًّا، فقد ظهر لَك أَن لَا خلاف بَين الطَّائِفَتَيْنِ. انْتهى.
{وَتوقف الْآمِدِيّ والمرتضى} من الشِّيعَة لتعارض الْأَدِلَّة، لِأَن تَسْمِيَة مثل هَذَا الْعلم بالنظري غير ظَاهر؛ إِذْ لَا اسْتِدْلَال، وَكَذَا بالضروري
لتوقفه على ذَلِك الْقيَاس الْخَفي، وَصَححهُ صَاحب المصادر.
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول رَابِع: إِنَّه يُفِيد علما بَين المكتسب والضروري، قَالَه صَاحب " الكبريت الْأَحْمَر ".
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: الأول: قَول الْفُقَهَاء والأشاعرة والمعتزلة خلافًا لقوم، وَقطع بِالْأولِ الطوفي، وَقدمه ابْن حمدَان وَغَيره.
لنا: مَا ثَبت من الْأُصُول أَن لَا موجد إِلَّا الله وَهُوَ بِمَنْزِلَة إِجْرَاء الْعَادة بِخلق الْوَلَد من الْمَنِيّ، وَهُوَ قَادر على خلقه بِدُونِ ذَلِك خلافًا لمن قَالَ بالتولد.
قَالَ الْمُخَالف: يُمكن أَن يخلفه وَيُمكن ضِدّه.
قُلْنَا: مُمكن عقلا، وواجب عَادَة.
وَاسْتدلَّ: لَو ولد الْعلم فإمَّا من الْأَخير وَحده وَهُوَ محَال إِذا كَانَ يَكْفِي مُنْفَردا، أَو مِنْهُ وَمن الْجُمْلَة قبله وَهُوَ محَال أَيْضا لعدم صُدُور الْمُسَبّب عَن شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا، أَو لِأَنَّهَا تعدم شَيْئا فَشَيْئًا، والمعدوم لَا يُؤثر.
فَقيل: يجوز تَأْثِير الْأَخير مَشْرُوطًا بِوُجُود مَا قبله وانعدامه أَيْضا فَهُوَ وَارِد فِي إفادته التولد.
ثمَّ قَالُوا من جِهَة الْإِلْزَام لِلْقَائِلين بالتولد: إِن مَاله جِهَة يجوز أَن يُولد شَيْئا فِي غير مَحَله، كالاعتمادات، والحركات، وَمَا لَيْسَ كَذَلِك
فبخلافه، وَالْخَبَر لَيْسَ لَهُ جِهَة، فَلَا يُولد فِي غير مَحَله.
فَقيل: هُوَ ضَعِيف؛ لِأَن مَذْهَب الْمُخَالف: يُولد الشَّيْء فِي غير مَحَله كالإرعاب المولد فِي غير مَحَله الوجل المولد الإصفرار بعد الإحمرار، وكالتوبيخ يُولد الخجل المولد للاحمرار.
قَوْله: {وَشَرطه: بلوغهم عددا يمْتَنع مَعَه التواطؤ على الْكَذِب لكثرتهم} .
وَعَن القَاضِي وَغَيره: {أَو دينهم، مستندين إِلَى الْحس مستوين فِي طرفِي الْخَبَر ووسطه} .
للمتواتر شُرُوط، بَعْضهَا مُتَّفق عَلَيْهِ، وَبَعضهَا مُخْتَلف فِيهِ.
فَمن الْمُتَّفق عَلَيْهِ بِحَسب المخبرين: أَن يَتَعَدَّد المخبرون تعدداً يمْنَع اتِّفَاقهم على الْكَذِب بطرِيق الِاتِّفَاق أَو بطرِيق الْمُوَاضَعَة.
وَفِي بعض كَلَام القَاضِي، وَذكره ابْن عقيل عَن أَصْحَابنَا: لكثرتهم أَو دينهم وصلاحهم وَهُوَ قوي؛ فَإِن إِخْبَار الْأَئِمَّة وَمن قارنهم لَيْسَ كأخبار غَيرهم.
وَأَن يَكُونُوا مستندين فِي إخبارهم إِلَى الْحس فِي الْأَصَح لَا إِلَى دَلِيل عَقْلِي كَمَا تقدم، ذكره فِي كَلَام الْبرمَاوِيّ وَغَيره فِي حَدِيث التَّوَاتُر فَليُرَاجع.
وَقَوْلنَا: فِي الْأَصَح القَوْل الَّذِي يُقَابل الْأَصَح للأستاذ أبي مَنْصُور،
والباقلاني، والسمعاني، والرازي، والمازري قَالُوا: الْمُعْتَبر أَن يكون ذَلِك الْعلم ضَرُورِيًّا، سَوَاء كَانَ عَن حس أَو عَن قرينَة كَمَا تقدم فِي حد التَّوَاتُر فَليُرَاجع.
وَقَوله: إِلَى الْحس يدل على أَمريْن:
أَحدهمَا: أَن يكون عَن علم لَا ظن.
الثَّانِي: أَن يكون علمهمْ مدْركا بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس. ذكره الرَّازِيّ، والآمدي، وأتباعهما، وَتقدم كَلَام الباقلاني، وَغَيره.
وَأَن يَكُونُوا مستوين فِي التَّعَدُّد، والاستناد بَالغا مَا بلغ عدد التَّوَاتُر. وَمحل هَذَا إِن وجد بِأَن يكون للْخَبَر طرفان ووسط، وَإِلَّا فقد يكون عدد التَّوَاتُر عَن أَخْبَار من عاينوه كأخبار الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -