الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأثبت أَيْضا دُخُول مَكْحُول على وَاثِلَة بن الْأَسْقَع ورؤيته لَهُ ومشافهته، وَأنكر سَمَاعه، وَقَالَ: لم يَصح لَهُ مِنْهُ سَماع، وَجعل رواياته عَنهُ؟ مُرْسلَة.
وَقَالَ أَحْمد: أبان بن عُثْمَان لم يسمع من أَبِيه، من أَيْن سمع مِنْهُ؟ وَمرَاده: من أَيْن صحت الرِّوَايَة بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَإِلَّا فإمكان ذَلِك واحتماله غير مستبعد.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِي أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف: لم يسمع من عمر.
هَذَا مَعَ أَن أَبَا أُمَامَة رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -،
فَدلَّ كَلَام الإِمَام أَحْمد، وَأبي زرْعَة، وَأبي حَاتِم على أَن الِاتِّصَال لَا يثبت إِلَّا بِثُبُوت التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ
،
وَهَذَا أضيق من قَول ابْن الْمَدِينِيّ، وَالْبُخَارِيّ؛ فَإِن المحكي عَنْهُمَا أَنه يعْتَبر أحد أَمريْن: إِمَّا السماع، وَإِمَّا اللِّقَاء.
وَأحمد وَمن تبعه عِنْدهم لابد من ثُبُوت السماع.
وَيدل على أَن هَذَا مُرَادهم، أَن أَحْمد قَالَ: ابْن سِيرِين لم يَجِيء عَنهُ سَماع من ابْن عَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الزُّهْرِيّ أدْرك أبان بن عُثْمَان وَمن هُوَ أكبر مِنْهُ، وَلَكِن لَا يثبت لَهُ السماع، كَمَا أَن حبيب بن أبي ثَابت لَا يثبت لَهُ السماع من عُرْوَة، وَقد سمع مِمَّن هُوَ أكبر مِنْهُ غير أَن أهل الحَدِيث قد اتَّفقُوا على ذَلِك، واتفاقهم على شَيْء يكون حجَّة، وَاعْتِبَار السماع لاتصال الحَدِيث هُوَ الَّذِي ذكره ابْن عبد الْبر، وَحَكَاهُ عَن الْعلمَاء، وَقُوَّة كَلَامه تشعر بإنه إِجْمَاع مِنْهُم.
قَالَ ابْن رَجَب: وَقد تقدم أَنه قَول الشَّافِعِي أَيْضا.
وَأطَال النَّقْل فِي ذَلِك عَن الْأَئِمَّة ثمَّ قَالَ: كَلَام أَحْمد، وَأبي زرْعَة،
وَأبي حَاتِم فِي هَذَا الْمَعْنى كثير جدا، وَكله يَدُور على أَن مُجَرّد ثُبُوت الرُّؤْيَة لَا يَكْفِي فِي ثُبُوت السماع، وَأَن السماع لَا يثبت بِدُونِ التَّصْرِيح بِهِ، وَأَن رِوَايَة من روى عَمَّن عاصره تَارَة بِوَاسِطَة، وَتارَة بِغَيْر وَاسِطَة يدل على أَنه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا أَن يثبت لَهُ السماع من وَجه.
ثمَّ قَالَ: فَإِذا كَانَ هَذَا قَول هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، وهم أعلم أهل زمانهم بِالْحَدِيثِ وَعلله، وَصَحِيحه، وسقيمه مَعَ مُوَافقَة البُخَارِيّ وَغَيره، فَكيف يَصح لمُسلم رحمه الله دَعْوَى الْإِجْمَاع على خلاف قَوْلهم، بل اتِّفَاق هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة على قَوْلهم هَذَا يَقْتَضِي حِكَايَة إِجْمَاع الْحفاظ المعتبرين على هَذَا القَوْل، وَإِن القَوْل بِخِلَاف قَوْلهم لَا يعرف عَن أحد من نظرائهم وَلَا عَمَّن قبلهم مِمَّن هُوَ فِي درجتهم وحفظهم.
وَيشْهد لصِحَّة ذَلِك حِكَايَة أبي حَاتِم اتِّفَاق أهل الحَدِيث على أَن حبيب ابْن أبي ثَابت لم يثبت لَهُ السماع من عُرْوَة مَعَ إِدْرَاكه لَهُ، وَقد ذكرنَا من قبل أَن كَلَام الشَّافِعِي إِنَّمَا يدل على مثل هَذَا لَا على خِلَافه؛ وَلذَلِك حَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن الْعلمَاء فَلَا يبعد حِينَئِذٍ أَن يُقَال: هَذَا قَول الْأَئِمَّة من الْمُحدثين، وَالْفُقَهَاء.
وَزَاد ابْن رَجَب مَا ذكره مُسلم من الرِّوَايَات وَاحِدَة وَاحِدَة وَبَين مَا يرد عَلَيْهِ فليعاود فَإِنَّهُ أَجَاد وَأفَاد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الداني: لابد مَعَ ذَلِك من الْعلم بالرواية عَنهُ مَعَ اللقي؛ إِذْ لَا يلْزم من اللقي الرِّوَايَة عَنهُ.
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: لابد من طول الصُّحْبَة فلابد من اللقي وَطول الصُّحْبَة، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ أضيق من الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة.
قَوْله: {وَظَاهر الأول أَن من روى عَمَّن [لم] يعرف بِصُحْبَتِهِ وَالرِّوَايَة عَنهُ} أَن رِوَايَته عَنهُ تقبل مُطلقًا. أَعنِي {وَلَو أجمع أَصْحَاب الشَّيْخ أَنه لَيْسَ من أَصْحَابه} ؛ لِأَنَّهُ ثِقَة.
وَقَالَ الحنيفة، وَابْن برهَان، وَلم تقبله الشَّافِعِيَّة، وَظَاهر كَلَام أَحْمد فِي ذَلِك مُخْتَلف.
قَالَ الْمجد فِي " المسودة ": إِذا روى رجل خَبرا عَن شيخ مَشْهُور لم يعرف بِصُحْبَتِهِ، وَلم يشْتَهر بالرواية عَنهُ، وَأجْمع أَصْحَاب الشَّيْخ المعروفون على جهالته بَينهم، وَأَنه لَيْسَ مِنْهُم، هَل يمْنَع ذَلِك قبُول خَبره؟ قَالَت الشَّافِعِيَّة: يمْنَع. وَقَالَت الْحَنَفِيَّة: لَا يمْنَع، وَنَصره ابْن برهَان.
وَالْأول ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي مَوَاضِع، وَأكْثر الْمُحدثين.
وَالثَّانِي يدل عَلَيْهِ كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي اعتذاره لجَابِر الْجعْفِيّ فِي قصَّة هِشَام بن عُرْوَة مَعَ زَوجته.
وَقد قَالَ ابْن عقيل: الْمُحَقِّقُونَ من الْعلمَاء يمْنَعُونَ رد الْخَبَر بالاستدلال، كرد خبر القهقهة اسْتِدْلَالا بِفضل الصَّحَابَة الْمَانِع من الضحك، وَردت عَائِشَة قَول ابْن عَبَّاس فِي الرُّؤْيَة، وَقَول بَعضهم إِن قَوْله:(لأزيدن على السّبْعين) بعيد الصِّحَّة؛ لِأَن السّنة تَأتي بالعجائب،
وَلَو شهِدت بَيِّنَة على مَعْرُوف بِالْخَيرِ بِإِتْلَاف أَو غصب لم ترد بالاستبعاد
هَذَا معنى كَلَام أَصْحَابنَا، وَغَيرهم فِي رده بِمَا يحيله الْعقل، وَالله أعلم.
قَوْله: وَلَيْسَ ترك الْإِنْكَار شرطا فِي قبُول الْخَبَر عندنَا، [وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمد خلافًا للحنفية ذكره القَاضِي فِي الْخلاف فِي خبر فَاطِمَة بنت قيس] ورد عمر لَهُ.
وَكَذَا قَالَ ابْن عقيل جَوَاب من قَالَ: رده السّلف: إِن الثِّقَة لَا يرد حَدِيثه بإنكار غَيره؛ لِأَن مَعَه زِيَادَة.