الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في زعم المالكي أن من صفات الحنابلة ذم المناظرة والحوار لعدم قدرتهم عليه]
فصل
في زعم المالكي أن من صفات الحنابلة ذم المناظرة والحوار لعدم
قدرتهم عليه، والرد عليه ثم قال المالكي ص (162) في سياقه صفات الحنابلة: - ذم المناظرة والحوار: الحوار والمناظرة كانت سائدة عند المعتزلة، وبحوارهم ومجادلتهم جلبوا لجمهورهم كثيرا من الناس، ويبدو أنه لما رأى الحنابلة هذا الأمر قد تفاقم، وأنهم لا يستطيعون مناظرة المعتزلة، قالوا بتحريم ذلك من باب ردة الفعل فقط، فقط.
مع أن الله عز وجل في القرآن الكريم يأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلب البراهين من الكفار {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64] ، وهذه البراهين التي يطلبها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الكفار ليست في أمر هين من الأمور التي يتحدث عنها البربهاري، بل إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يطلب البرهان على أن لله شريكا يستحق العبادة.
فإذا جاز طلب البرهان من المخالف على أن لله شريكا فمن باب أولى جواز طلب البراهين على أمور أقل أهمية، كالتي تختلف فيها الطوائف الإسلامية من قضايا الإيمانيات أو الأحكام.
والجدل المذموم إنما هو الجدل الذي لا يطلب صاحبه الحقيقة، وإنما يريد المغالبة والمكابرة، أما إن أعلن الطرف الآخر أنه يريد الحق، وجعل البحث العلمي هو السبيل الأمثل لحل المسائل المختلف فيها فقد أنصف، وتجب أو تستحب محاورته ومجادلته) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن المعتزلة كانت ذليلة منبوذة، لا يسمع لهم، ولا يجلس إليهم، لا من العامة، ولا من الخاصة، لا في عهد الإمام أحمد رحمه الله، ولا في عهد من قبله من التابعين وأتباعهم.
وكان الظهور والسواد والمحبة والأتباع والنصرة لأهل السنة، لذا لم يتمكن المعتزلة من نشر ضلالهم إلا بسيف المأمون، وحمل الناس عليه قسرا، فقتل العلماء - قتله الله - وأضل العامة، فأين البحث العلمي والمناظرة والحوار المراد منه الحق؟
ومع ذلك كله، وتعاقب ثلاثة خلفاء عليه، لم يتمكن المعتزلة من نشر ضلالهم، ولا ترويج بدعهم، وما إن انتهت المحنة إلا وعاد الناس لحضور مجالس علمائهم المتبعين الصادقين، ومنابذة المعتزلة المبتدعة
الملحدين، فأين ذلك الجمهور المزعوم للمعتزلة في ذلك الوقت والحين؟
الوجه الثاني: أن مناظرة أئمة السنة - حنابلة وغيرهم - للمعتزلة مشهورة، قد امتلأت بها الطروس والطباق في مجلس المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق بالله، وقبل ذلك وبعده.
وكذلك إفحام أئمة الإسلام للمعتزلة، وخروجهم حيارى مخذولين، فمتى غلبت المعتزلة أهل السنة في المناظرات؟ وأين؟
الثالث: أن الحنابلة لم ينفردوا بتحريم مناظرة أهل البدع وجدالهم، بل قد حرمه أئمة الإسلام السابقون من التابعين فمن بعدهم، قال أبو قلابة رحمه الله:(لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم) .
وقال الحسن البصري، ومحمد بن سيرين:(لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم) .
وقال البغوي (ت 510 هـ) رحمه الله في " شرح السنة "(1 / 216) : (واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه) اهـ.
وعقد جملة من الأئمة أبوابا في بعض مصنفاتهم لذمه والتحذير منه كالآجري في " الشريعة "، وابن بطة في " الإبانة الكبرى "،
واللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة "، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله "، وأبي القاسم التيمي في " الحجة في بيان المحجة "، وغيرهم.
وقد ذكرنا هذا بنوع تفصيل في فصل سابق (ص 318 - 322) ، فلم خص المالكي الحنابلة بهذا وهو أمر عام عند السلف قبلهم؟
الرابع: أن الحوار والمناظرة والجدل في حكمها تفصيل، فتحل في حال، وتحرم في أحوال، وقد قدمت ذلك أيضا، فليرجع إليه من شاء.
الخامس: أن ما كانت تجادل فيه المعتزلة والمبتدعة عامة أهل السنة أمور عظام تخرج من الإسلام، وتولج في الكفر، كقولهم بخلق القرآن، وتعطيل الصفات وغيرها، وهذا بإجماع أئمة الإسلام، كما تقدم في غير موضع، فليس نزاعنا وجدالنا معهم في أمور هينة كما زعم المالكي.