الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رميه الحنابلة بأن فيهم ضعفاء ووضاعين أحق بالتجريح من غيرهم]
فصل
في رميه الحنابلة بأن فيهم ضعفاء ووضاعين، أحق بالتجريح من غيرهم، وإبطال زعمه، والرد عليه قال المالكي ص (132-133) : (مع المضعفين لهؤلاء من الحنابلة من حيث الجملة أضعف في الرواية من خصومهم.
بل إن بعض أئمتهم كانوا يضعون الأحاديث، ويغيرون في الأسانيد والمتون لخدمة المذهب، كما كان يفعل ابن بطة الحنبلي، وهو من كبار علماء الحنابلة في العقيدة، قال ابن حجر:" وقفت لابن بطة على أمر استعظمته، واقشعر جلدي ". ثم ذكر أثرا موضوعا عن ابن مسعود وهو أثر تكليم الله لموسى، وعليه جبة صوف، وعمامة (1) صوف.
ثم ذكر ما يدل على أن ابن بطة، غير في أسماء رجال القصة، حتى يكون إسنادها صحيحا.
وكان كثير من الحنابلة يكذبون على أحمد بن حنبل، ويسيئون لمنهجه وسمعته، ولذلك قال أحد العلماء: إمامان جليلان، ابتليا بأصحاب سوء، جعفر الصادق، وأحمد بن حنبل) اهـ كلام المالكي.
(1) هكذا عند المالكي، وهو عند الحافظ ابن حجر بلفظ:"كساء" بدل "عمامة".
والجواب من وجوه أربعة: أحدها: أن الحديث الذي عابه المالكي على الإمام ابن بطة رحمه الله (ت 387 هـ) ، واتهمه بوضعه، وتغيير إسناده ليظهر صحته حديث قد رواه مع ابن بطة جماعة من الحفاظ والعلماء غيره.
فقد رواه ابن بطة: عن إسماعيل بن محمد الصفار، عن الحسن بن عرفة، عن خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلم الله تعالى موسى يوم كلمه، وعليه جبة صوف، وكساء صوف» الحديث.
وقد رواه البيهقي في " الأسماء والصفات "(ص 252) عن جماعة من شيوخه عن إسماعيل بن محمد الصفار - وهو شيخ ابن بطة - به.
وهذا الحديث كذلك، في " جزء الحسن بن عرفة العبدي (ت 257 هـ) " المشهور ص (63) بسنده الذي ذكره ابن بطة دون تغيير ولا تبديل.
وهو جزء متواتر عن الحسن بن عرفة، قبل أن يخلق ابن بطة.
كما رواه الترمذي (1734) في "سننه" عن علي بن حجر عن خلف بن خليفة به.
وهذا الحديث: حديث معل بحميد بن علي الأعرج، قال ابن حبان فيه:"منكر الحديث جدا، يروي عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود، بنسخة كأنها موضوعة، لا يحتج بخبره إذا انفرد".
ومع هذا: فقد رواه الحاكم في " مستدركه على الصحيحين "(2 / 379) من طريق خلف بن خليفة به، وظن حميد بن علي الأعرج راويه الضعيف: حميد بن قيس الأعرج الثقة، فصححه وقال:(هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) .
فإن كان أحد مستحقا للإنكار والتهمة بتغيير رجال إسناده، فالحاكم - وحاشاه- فقد جمع إلى روايته له: وهما في اسم أحد رجاله، ثم تصحيحه له.
وما فهمه المالكي من التشبيه فيه: غير صحيح، فإن الضمير في قوله:"وعليه جبة صوف " إلخ، عائد على (موسى) عليه السلام، ليس على (الله) جل وعلا.
ومن ذكر هذا الحديث، في كتب الاعتقاد، والأسماء والصفات- كما فعل الإمامان أبو عبد الله ابن بطة، وأبو بكر البيهقي - لم يرد منه إثبات لبس الجبة والصوف لله جل وعلا، وتنزه عن ذلك.
وإنما مراده إثبات صفة الكلام لله، كما هي ظاهرة في الحديث، وهذه صفة قد ثبتت بالقرآن، والسنة المتواترة، والإجماع.
الوجه الثاني: أن ابن بطة (ت 387 هـ) رحمه الله إمام كبير بريء مما اختلقه المالكي في حقه، قال مؤرخ الإسلام أبو عبد الله الذهبي في " سير أعلام النبلاء " في ترجمته (16 / 529) :(ابن بطة: الإمام، القدوة، العابد، الفقيه، المحدث، شيخ العراق، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي) .
قال الحافظ الكبير رشيد الدين العطار (ت 662 هـ) في كتابه " نزهة الناظر، في ذكر من حدث عن أبي القاسم البغوي من الحفاظ والأكابر "(ص 92) في ابن بطة بعد أن ذكره من الحفاظ والأكابر الآخذين عن البغوي: (فقيه، جليل، زاهد، مصنف، حدث بـ "معجم البغوي " عنه، لكن تكلم فيه الخطيب وغيره) اهـ.
ومع إمامة ابن بطة في الدين كان في حفظه شيء، قال الذهبي في " السير " (16 / 530) :(لابن بطة مع فضله أوهام وغلط) .
ونقل الذهبي عن الخطيب قوله: (حدثني أبو حامد الدلوي قال: "لما رجع ابن بطة من الرحلة، لازم بيته أربعين سنة لم ير في سوق، ولا رؤي مفطرا إلا في عيد، وكان أمارا بالمعروف، لم يبلغه خبر منكر إلا غيره ") اهـ.
الوجه الثالث: أن المالكي عمى مصدر نقله عن الحافظ ابن حجر - عمدا- لئلا يوقف على حقيقة كلام الحافظ ابن حجر.
وكلام الحافظ موجود في كتابه "لسان الميزان "(4 / 131 - 132) في ترجمته لابن بطة، إلا أن المالكي حرفه وبتره، وكان مما قال الحافظ ابن حجر في ابن بطة هناك، وتعمد المالكي حذفه:(إمام، لكنه ذو أوهام) .
ثم قال: (ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية، كان إماما في السنة، إماما في الفقه، صاحب أحوال، وإجابة دعوة رضي الله عنه اهـ.
ثم نقل الحافظ عن أبي الفتح القواس قوله: (ذكرت لأبي سعيد الإسماعيلي، ابن بطة، وعلمه، وزهده. فخرج إليه، فلما عاد قال لي: "هو فوق الوصف") اهـ.
الوجه الرابع: أنا لا نسلم أن أحدا من علماء الحنابلة وأئمتهم، كان يكذب على الإمام أحمد رحمهم الله جميعا.
وقد رمى المالكي، ابن بطة بالكذب، وبينا كذبه هو، وأن ابن بطة برئ من ذلك.
ونحن نطالبه هنا، بمثال واحد صادق غير مكذوب، لعالم حنبلي كذب على الإمام أحمد، وما كذبات ذلك الكاذب؟!! وأني للمالكي بذلك؟!!