الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في بيان تعميم المالكي أحكامه على جميع الحنابلة وكذب زعمه في نفي ذلك]
فصل
في بيان تعميم المالكي أحكامه على جميع الحنابلة، وكذب زعمه في نفي ذلك قال المالكي ص (13 - 14) :(خامسا: لم أقصد التعميم عندما أذكر كلمة " الحنابلة " أو " السلف من الحنابلة ". وقد صرحت في أكثر من موضع: أنني أريد الغلاة فقط، أو مواطن الغلو، وإذا كان ما ذكرته متفرقا وغير واضح: فإنني أؤكد الأمر الآن بأنني أعرف أن الحنابلة كغيرهم من أصحاب المذاهب، فيهم المعتدلون المنصفون الذين يحرصون على تجنب الأحاديث الموضوعة والإسرائيليات وتجنب التكفير أو التبديع الظالم) اهـ ثم قال المالكي ص (14) :
(لكن الخلاصة في هذه الفقرة: أن من ظن أنني أعمم الأخطاء على كل الحنابلة أو كتبهم، فقد أخطأ) اهـ.
والجواب من أربعة وجوه: أحدها: أن المالكي لا يقصد بكلمة " الحنابلة ": الغلاة منهم، ولا غلاة فيهم أصلا، بل يقصد أهل السنة والجماعة والسلف كلهم.
ودليل ذلك - أنه يعني أهل السنة عامة والسلف الصالح -: ظاهر بين، فإنه ذكر أقوالا نسبها للحنابلة ثم انتقدها، وشنع على قائليها وذم الحنابلة لأجلها، وهي في المصادر - التي نقل عنها المالكي
وغيرها -: أقوال لأئمة السلف وكبار علماء الإسلام قبل أحمد وأصحابه! كالفضيل بن عياض ومالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وغيرهم. فدعواه هنا وزعمه: كاذب.
الثاني: أنه عد تكفير المخالفين كتكفير القائلين بخلق القرآن، غلوا ظاهرا - كما سيأتي - والحنابلة مجمعون على كفر أولئك، ولا خلاف بينهم في ذلك، فهم جميعا غلاة عنده. بل قد قدمنا إجماع السلف كذلك على ذلك، ويلحق السلف ما لحق الحنابلة!
وقد عاب المالكي على غلاة الحنابلة - بزعمه - مسائل مجمعا عليها بين الحنابلة كافة، لا خلاف فيها بينهم، بل لا خلاف بين سلف الأمة فيها.
ونحن نطالب المالكي هنا - ليظهر كذبه للناس -: أن يذكر لنا الحنابلة غير الغلاة! الذين رضي المالكي عنهم! ورضي مذهبهم وأقوالهم! وكانوا معتدلين عنده! وما كتبهم المرضية في العقيدة؟ !
الثالث: أن الحنابلة لا يحتجون إلا بالقرآن والسنة الصحيحة، أما ما في كتبهم من الموضوعات - كما يسميها المالكي، دون حجة أو دليل - أو الإسرائيليات: فأمرها مختلف، ولم يذكروها رحمهم الله احتجاجا، وإنما ذكروها لسببين:
1 -
أحدهما: لبيان جميع ما ورد في ذلك الباب الواردة تحته، وهذه طريقة الأئمة في جمع الأحاديث والآثار في باب معين، إذا لم يشترطوا الصحة.
وقد فعل ذلك كثير من الحفاظ من غير الحنابلة، كالحافظ البيهقي في كتابه " الأسماء والصفات " وهو أشعري، بل من أئمة الأشاعرة، أورد في كتابه سالف الذكر شيئا من الموضوعات، وشيئا آخر من الإسرائيليات، قاصدا بيان جميع ما في الباب مما حفظ.
قال شيخ الإسلام وعلم الأعلام، أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في " منهاج السنة " (7 / 38 - 39) فيما رواه أبو نعيم في " الحلية " وغيره من أحاديث صحيحة وضعيفة ومنكرة: (وكان رجلا عالما بالحديث فيما ينقله، لكن هو وأمثاله يروون ما في الباب ليعرف أنه روي، كالمفسر الذي ينقل أقوال الناس في التفسير، والفقيه الذي يذكر الأقوال في الفقه، والمصنف الذي يذكر حجج الناس، ليذكر ما ذكروه، وإن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته، بل يعتقد ضعفه، لأنه يقول " أنا نقلت ما ذكر غيري " فالعهدة على القائل لا على الناقل.
وهكذا كثير ممن صنف في فضائل العبادات وفضائل الأوقات، وغير ذلك: يذكرون أحاديث كثيرة وهي ضعيفة، بل موضوعة باتفاق أهل العلم) .
ثم قال رحمه الله (7 / 39) : (وهذا وأمثاله: جروا على العادة المعروفة لأمثالهم ممن يصنف في الأبواب: أنه يروي ما سمعه في هذا الباب) اهـ.
2 -
السبب الثاني: أن غالب ما يورده الأئمة من أخبار بني إسرائيل، لم يأتنا شرعنا بتكذيبه، وهو:
- إما أن يكون له من شرعنا ما يؤيده.
- أو يكون مسكوتا عنه.
وهذا من حيث الإذن بذكره والتحديث به: مأذون فيه قد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حين قال: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» .
وكثير من الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة المذكورة في كتب أهل العلم، خاصة كتب العقيدة: لها أصل صحيح قدموه قبل ذكرها، من آية أو حديث.
والخلاصة: أن مقصودهم من روايتهم لها: - إيراد ما ورد في ذلك الباب من صحيح وضعيف.
- والاستدلال - من حيث الجملة - بالقدر المشترك بين الأحاديث الصحاح وغيرها من الضعاف والإسرائيليات، لا بما انفردت به.
ثم إن رواية تلك الأحاديث الضعيفة والإسرائيليات: لا يلزم منها التشبيه حتى لو قيل بصحتها. فإن السني المهتدي: يمضي فيها اعتقاد السلف في باب الأسماء والصفات من غير تشبيه ولا تكييف، تمر كما جاءت، وليست بأعجب من بقية الصفات الثابتة.
وإنما يكون المحذور في هذا - إن أثبت صفة بحديث لم يصح -: في إثبات صفة لم تثبت، لا في التشبيه والتجسيم.
ولا يجعل مجرد إثبات الصفات تشبيها أو تجسيما، إلا مضطرب في باب الصفات.
وثبوت الحديث في الصفات وصحته: لا يزيل عن المشبه التشبيه، كما أن ضعف الحديث: لا يثبت التشبيه لأحد.
وكذلك المؤول إذا أخذ بحديث في الصفات لم يصح: فإنه يعمل فيه قانون التأويل فيؤولها، ويصرفها عن ظاهرها بمحامل اللغة، كما يفعل في بقية باب الصفات.
وبالجملة: لم يشذ هذا ولا هذا عن قواعد معتقده وأصوله برواية هذه الأحاديث، والله الموفق.
الوجه الرابع - وقد أشير إليه - وهو: أن زعم المالكي هنا: أن لغلاة الحنابلة - كما يسميهم - حرصا على الأحاديث الموضوعة والإسرائيليات، فيروونها ويحتجون بها! وعندهم - كذلك - تكفير وتبديع ظالم، فلذلك رد عليهم! : زعم باطل، ولو - سلمنا له بذلك ولا نسلم - فإن الرافضة أولى بذلك، فما رووه من الموضوعات والمكذوبات في كتابهم " الكافي " - أصح كتبهم عندهم، بل أصح عندهم من القرآن! - يفوق جميع ما رواه الحنابلة في جميع كتبهم في المعتقد. فضلا عما رووه في كتبهم الأخرى من أحاديث وآثار مكذوبة كـ " الاحتجاج " وغيره.
مع ما في تلك الروايات من طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آل بيته وصحابته وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم جميعا، وغير ذلك. فلم لم
يوجه المالكي نقده إليهم؟ !
وإن كان عمد المالكي إلى الحنابلة، لوجود التكفير والتبديع عندهم: فما - والله - كفروا مسلما قط، حاشا لله، وإثما كفروا من حكم الله ورسوله بكفره، وحكم السلف عليه بما حكما.
وأينه من الرافضة وقد كفروا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنوهم، إلا نفرا قليلا آثروهم بالغمز واللمز دون التكفير!
وممن صرحوا بتكفيره وجاهروا به: أبو بكر وعمر، وابنتاهما عائشة وحفصة، وعبد الله وعبيد الله ابنا العباس بن عبد المطلب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبوه، وأمه هند بنت عتبة، وعمرو بن العاص، وغيرهم. وكفروا كذلك بني أمية إلا عمر بن عبد العزيز، فإنهم معه على استحياء!
فمن أولى بنقد المالكي، مكفرو الجهمية والرافضة؟ أم مكفرو الصحابة وأمهات المؤمنين؟ !