الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في سبب تزهيد الحنابلة في القرآن]
فصل
في سبب تزهيد الحنابلة في القرآن، وأن خصومهم أكثر تعظيما منهم له
عند المالكي، وبيان كذبه، والرد عليه ثم قال المالكي ص (164) : (وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيما للقرآن، واستدلالا به منهم، فلما رأى الحنابلة ذلك، وأن القرآن الكريم تستدل به الطوائف المبتدعة لجئوا إلى التزهيد من التحاكم إلى القرآن الكريم، مع تضخيم الآثار، والأقوال المنسوبة لبعض التابعين أو العلماء.
بل بدعوا من يعود إلى القرآن الكريم، وقدموا عليه أقوال الرجال، يقول البربهاري:" إذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده، ويريد القرآن، فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم من عنده ودعه ") اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن مراد أئمة الإسلام بهذا ونحوه كقول البربهاري رحمه الله وغيره أمران:
1 -
أن يرد الخصم السنة، ولا يحتج بها، ولا يقبلها، ولا يريد إلا القرآن فحسب،
وهذا قد قدمنا بيان كفره، وأن من قبل القرآن ورد السنة الصحيحة فهو كافر، والواجب قبولها.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفئة المارقة فقال: «يوشك أن يقعد الرجل على أريكته، ويحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدناه فيه حلالا استحللناه، وما وجدناه حراما حرمنا، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله» ، رواه الإمام أحمد في " مسنده "(4 / 132) ، والدارمي (592) ، والترمذي (2664) وابن ماجه (12) ، والحاكم (1 / 109) ، وجماعة، من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه.
2 -
أن يستدل على الخصم بالقرآن، وتكون الآية ذات وجوه ومحامل، فيبين للخصم المراد منها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو آثار أصحابه وتابعيهم، فلا يقبلها، ويردها، يريد حمل القرآن على عقله وهواه.
ولا يقصد أئمة الإسلام غير هذين الأمرين، وهما ظاهران، وقد ساق الأئمة حنابلة وغيرهم كالدارمي في " السنة "، والبربهاري في " شرح السنة "، والآجري في " الشريعة "، واللالكائي في " السنة "، والبيهقي، وابن عبد البر في " جامع العلم "، والخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " وفي غيره، والسيوطي في " مفتاح الجنة " عشرات الآثار في هذا الباب عن بعض الصحابة، وجماعة من التابعين، ومن بعدهم.
والحنابلة أشد الناس احتجاجا بالقرآن، وتمسكا به، وبالسنة، وكيف يرد القرآن من يحتج بالسنة، وينتصر لها، ويذب عنها؟ وكيف يستقيم الاحتجاج بالسنة لأحد لا يحتج بالقرآن؟
وهذه " العقيدة الواسطية " لشيخ الإسلام ابن تيمية، مع أنها وريقات في المعتقد إلا أن فيها أكثر من (140) آية من القرآن محتجا بها.
ورادو السنة بزعم الاحتجاج بالقرآن ليس حرصا منهم على القرآن، وقياما بأمره، وتمسكا بأحكامه، وإلا لأخذوا بالسنة، وإيجاب الأخذ بها منصوص عليه فيه، وإنما أرادوا إسقاط السنة، وترويج ذلك على السذج ونحوهم؛ كي لا ينتصف منهم، ويبقى القرآن مجملا في كثير من أحكامه دون مبين مفصل، فيحرفوا ظاهره بأهوائهم وآرائهم.
الوجه الثاني: أن سلف الحنابلة وغيرهم من أئمة الإسلام في تقييد فهم القرآن بالسنة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد أخرج ابن سعد في " الطبقات " من طريق عكرمة عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال:(اذهب إليهم فخاصمهم، ولا تحاجهم بالقرآن، فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة) .