الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رمي المالكي السلف الصالح بالتكفير الظالم والتبديع والتضليل]
فصل
في رمي المالكي السلف الصالح، بالتكفير الظالم! والتبديع! والتضليل! قال المالكي ص (21- 22) : (ويظن بعض الناس: أن هذه الأمراض التي دخلت في كتب العقائد، وفي عقول المسلمين، من التكفير الظالم أو التبديع والتضليل دون استناد على أدلة وبراهين صحيحة، مع نشر الأكاذيب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما كان في الأزمنة المتأخرة فقط.
وهذا نتيجة لعدم الاطلاع على كتب المتخاصمين في القرن الثالث والرابع، ففيها الكثير من هذا التكفير الظالم والتبديع والتفسيق. وهي الكتب التي يتحاكم إليها العقائديون المعاصرون، تاركين نصوص القرآن والسنة، ومحتجين بما لا حجة فيه، بأن السلف الصالح!! كانوا يكفرون ويفسقون ويضللون ويفحشون القول ويفتون بقتل مخالفيهم، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
ويقصدون بالسلف الصالح من كان على مذهبهم في الخصومات، فمن كان منهم، فهو من السلف الصالح، وإن كان كاذبا فاجرا! ومن كان من غيرهم، فهو من السلف الطالح!! وإن كان من أعبد الناس وأصد قهم) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا كلام كذب محض، والمالكي -كعادته- يلقي الاتهامات بلا دليل ولا تمثيل! ويرمي غيره بعدم الاستدلال مع استدلاله.
ومن هذا: زعمه هنا، فما مثال زعمه ودليله؟
الثاني: ما الأحاديث المكذوبة التي نشرها الحنابلة؟ وكيف كان نشرهم لها؟ إن كان بمجرد روايتهم لها، فهذا جائز بالإجماع، إن رووها بأسانيدها، وعلى هذا عمل المسلمين من جميع الطوائف، وإن كان غير ذلك، فليبينه.
الثالث: أن كتب أئمة الدين في العقيدة في القرون الفاضلة المفضلة الثلاثة الأولى، هي حجة علما المسلمين المتقدمين والمتأخرين، لا المعاصرين فحسب كما يزعم المالكي! وهذا من جهله بحال أئمة الإسلام، أو تلبيسه.
أما من لم يحتج بها، ويرجع إليها: فهي حجة عليه، ولا يردها إلا راد الكتاب والسنة، فليس فيها إلا آية أو حديث، أو أثر صحابي، أو تابعي، أو إمام هدى، ممن جاء بعدهم، يبين معنى الوحي.
أما سلخ المالكي آيات الكتاب، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من فهم أهل العلم -من أهل القرون الثلاثة المفضلة، أو ممن قفى أثرهم، وكان على منهاجهم-: فهي دعوى فاسدة، من جنس قول الخوارج منازعي علي رضي الله عنه في الفهم وغيره، لاضطراب هذا الباب عندهم، حين
قالوا له: "لا حكم إلا لله، وقد حكمت الرجال في دين الله "! وهكذا كان فهمهم للوحي، ولهذا أشار ابن قيم الجوزية في "نونيته" حين قال في وصف حالهم:
ولهم نصوص قصروا في فهمها
…
فأتوا من التقصير في العرفان
الرابع: أننا ننزه السلف الصالح، مما رماهم ووصفهم به المالكي، بأنهم يكفرون! ويفسقون! ويضللون! ويفحشون القول! ويفتون بقتل مخالفيهم ظلما! واستحلال دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم! نعرف لهم فضلهم، وعلمهم، وسابقتهم في الإسلام، ونشرهم لعلومه، وإظهار المندرس من رسومه، ومنافحتهم عنه، وذبهم عن حياضه، حتى بقي صافيا، فجل وعلا من أقامهم لحفظ دينه.
ولا يستقيم إسلام رجل غمطهم حقهم، أو رأى ضلالهم! فالإسلام الحق ما كانوا عليه، والإيمان الصالح ما كانوا يدعون إليه.
فمن أفتوا بكفره وضلاله: فهو كافر ضال، ومن حكموا بردته وأوجبوا قتله: فهو حكم الله فيه، فما حكموا في أحد قط بغير الوحي، ولا تحاكموا وحاكموا أحدا إلا إليه، حيا كان أو ميتا.
وخلاف هؤلاء الأئمة مع أولئك المكفرين الضالين من الأمة: من جنس خلاف النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي وقته.
فما كان تضليلهم أو تكفيرهم لأحد لهوى أو دنيا، أو نزاع شخصي ونحوه، حاشا لله أن يقال ذلك في حملة الإسلام وهداة الأنام.
ومن كفروه أو ضللوه لقول قاله، فكل من قال ذلك عندهم: ضال هالك، لا تتبدل أحكامهم بتبدل حكامهم، ولا تغير فتاواهم تغير أيامهم وأعوامهم. قولهم ثابت، وحكمهم ماض، إن جلدوا فهم عليه، وإن قتلوا فمصيرهم إلا الله تعالى ليس إليه.
أو لم يجلد أحمد، ليقول ما لا يحمد، فما تزعزع قوله، ولا خالف حكم الله وما جاء به رسوله، بل كان شامخا كالجبل، ثابتا على الحق الذي أوتيه، كالأنبياء والرسل، حتى عادت السنة، وسلمت الأمة، وارتفعت عن الإسلام وأئمته الغمة. فلله درهم، لا تفارق خشية الله قلوبهم، ولم تجف من وجلهم عيونهم، رحماء بالمؤمنين، هداة قداة للمتبعين، حتى إذا كاد المبطلون للدين، وأرادوا حماه الحصين، هبوا لنصرته أشداء قاسين، لا يعرف الضعف إليهم مسلكا، ولا الوهن منهم موضعا، وصدق الله -وهو أصدق القائلين- حين وصف محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] .
فكل من أبغض أئمة الإسلام الأبرار: كان نصيبه من هذه الآية {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] .
الخامس: أن المقصود بالسلف الصالح عندنا: الصحابة رضي الله عنهم جميعا، والتابعون لهم بإحسان، وأتباعهم على ذلك.
وهذا منضبط غير مضطرب، وهم مقبولون عند جميع المسلمين، عدا عباد الضلالة من الرافضة والجهمية ونحوهم.
فهؤلاء هم سلفنا الصالح: الصحابة والتابعون وتابعوهم، لا من زعم المالكي! وليذكر لنا -إن كان صادقا-: من الكذابون الذين أدخلناهم في السلف الصالح وليسوا منهم؟!
أما السلف الطالح: فهم من تلبس بالبدع المخالفة للشرع الحنيف، وأحدثوا في الدين ما ليس منه، كانوا من كانوا.
وعبادتهم -إن كانت- وصدقهم: لا يثبت لهم الاتباع والاستقامة على السنة، وقد كان في اليهود والنصارى عباد صادقون، إلا أن ذلك لا ينفعهم ولم ينفعهم، حتى يتابعوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به، فيسلموا، قال سبحانه:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا - الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 103 - 105] وقال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ - وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ - عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ - تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً - تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية: 1 - 5] .