الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في ذكر فضائل بني أمية وتقريب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم واعتماده عليهم]
فصل
في ذكر فضائل بني أمية، وتقريب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، واعتماده عليهم،
وإبقاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لهم، وذكر سبب كثرة
الافتراءات على بني أمية لقد كان عهد بني أمية من خير عهود الإسلام، ففيه انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وانحسر الكفر وكبت.
وفيه انتشر العلم والفقه، ودون الحديث، ودون التفسير، وعم الرخاء أرجاء العالم الإسلامي، حتى بلغ الحال بالمسلمين في بعض عهود بني أمية، ألا يجدوا محتاجا يأخذ زكاة أموالهم، لغنى المسلمين وكفايتهم، على الرغم من اتساع الرقعة، وكثرة المسلمين.
ويشهد لفضلهم - على الجملة - قوله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» أخرجاه في " الصحيحين " وتقدم تخريجه (ص 130) .
وقوله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ - الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40 - 41] .
فالله عز وجل قد مكن لبني أمية في الأرض، وبدل خوفهم أمنا، ونصرهم في جهادهم، حتى فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، من " كاشغر" على حدود " الصين " في الشرق، إلى " الأندلس " وجنوب " فرنسا " في الغرب. ومن " بحر قزوين " في الشمال، إلى " المحيط الهندي " في الجنوب.
فهل بعد هذا النصر نصر؟ ! وهل بعد هذا التمكين تمكين؟ !
وهذه الأمور وغيرها زادت غيظ الحاقدين والمتربصين بالمسلمين، فأخذوا يلفقون الأكاذيب والأباطيل، محاولين تشويه عصر بني أمية، ونشروها بين الناس. خاصة عندما اشتد عود دعوة العباسيين في آخر عهد الدولة الأموية.
وهكذا استمرت هذه الحملة بل الحملات، حتى بعد سقوط الدولة الأموية.
وكان ممن يروج هذه الشائعات: الروافض والخوارج. فقد أقضت هذه الدولة الفتية مضاجعهم، وكسرت شوكتهم، وأبطلت شبههم. كما أقضت مضاجع الروم والفرس، وسائر الكافرين.
يعاونهم في ذلك كل طوائف الضلال، من منافقين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام، خوفا من المسلمين، ومن مبتدعة كرهوا ما كانت عليه الدولة الأموية من نشر السنة، والعقيدة الصحيحة، ومحاربة البدع.
وجهال تأثروا بهذه الدعوات، إذ أرضعوها منذ الصغر، فلم يجد معهم نصح ولا إرشاد، فعير بعضهم بني أمية، بأنهم عادوا الإسلام في بداية عهده! ! وأن إسلامهم قد تأخر إلى آخر ما قالوه!
قال العلامة الدكتور عبد الشافي بن محمد عبد اللطيف - أستاذ التاريخ الإسلامي، بجامعة الأزهر - في كتابه:" العالم الإسلامي في العصر الأموي " ص (ب - د)، رادا على أولئك الجهال وغيرهم: (فلئن كان بعض الأمويين، عادى الإسلام في البداية، وتأخر إسلامهم: إلا أنهم لما أسلموا عام الفتح، أظهروا من حسن البلاء في الفتوحات، وقاموا بأدوار بارزة في رفع راية التوحيد، وأبدوا من الحب لدين الله والجهاد في سبيله ما لفت إليهم الأنظار، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسند إلى كثير منهم أجل الأعمال وأخطرها، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون الثلاثة من بعده.
ولكن على الرغم من ذلك كله، فإن بعض الكتاب والمؤرخين، سواء ممن اندفعوا وراء رغبة العباسيين، والتقرب إليهم بالإساءة إلى الأمويين، أو ممن سيطر عليهم الهوى، وأعماهم التعصب المذهبي: لم
يستطيعوا التخلص من نظرتهم إليهم قبل إسلامهم، فراحوا يعيرونهم بأنهم " الطلقاء وأبناء الطلقاء "! ونسوا أن الإسلام يجب ما قبله. بل وصل ببعضهم إلى حد اتهامهم بالكفر) .
ثم قال الدكتور عبد الشافي كذلك، في ص (7 - 8) من كتابه المذكور: (ومع أن الجميع أسلموا بعد فتح مكة، وحسن إسلامهم، وأبلوا بلاء حسنا في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمة الله، إلا أن بعض الناس، نسي كل عداوات قريش للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر إلا عداء بني أمية! ! وكأنهم وحدهم الذين وقفوا هذا الموقف! !
ومع أن الإسلام يجب ما قبله، إلا أن بعض ذوي الأهواء، لا يريد أن يفهم ذلك، ولا يكفون عن ذكر المواقف السيئة لبني أمية التي كانت قبل إسلامهم، وكأن القوم ما أسلموا! ! وما جاهدوا في الله حق جهاده! !
حتى إن هؤلاء المدعين لتأصل العداوة بين البيتين [بني هاشم وبني أمية] قديما، نسوا أن بعض بني أمية، كانوا من السابقين إليه من بني هاشم، فقد كان عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية من السابقين إلى الإسلام. وكذلك كان أبناء سعيد بن العاص: خالد بن سعيد، وعمرو بن سعيد، من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم خالد بن سعيد بن العاص، وكان خامسا في الإسلام، كما تقول ابنته أم خالد: " كان أبي خامسا في الإسلام - أي أسلم بعد أربعة سبقوه فقط - وهاجر إلى أرض الحبشة،
وأقام بها عشر سنين، وولدت أنا بها " (1) .
وكذلك أسلم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص، وهاجر الهجرتين (2) ثم لحق بهما أخوهما أبان بن سعيد (3) .
وكان خالد وأبان ابنا سعيد بن العاص، من كتاب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم (4) .
لكن رغم إسلام هؤلاء الرجال من بني أمية، منذ البداية، وتضحياتهم، وهجرتهم إلى الحبشة، ورغم إسلام جميع بني أمية عند فتح مكة، وترحيب الرسول بهم، وفرحه بإسلامهم، والاعتماد عليهم في جلائل الأعمال - كما سنذكره بعد قليل - إلا أن كل ذلك لم يشفع عند أصحاب الأهواء، حتى الكلمة الطيبة، التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم، في معرض العفو العام عنهم، وفي اليوم الذي سماه يوم بر ووفاء، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:«اذهبوا فأنتم الطلقاء» حتى هذه الكلمات، جعل بعض الناس منها، سبة في جبين بني أمية وحدهم! وجعلوا يعيرونهم بأنهم الطلقاء، وأبناء الطلقاء!
(1) عزاه الدكتور إلى " السير " للذهبي (1/ 260) ، و" الإصابة " للحافظ ابن حجر (1/ 16) .
(2)
عزاه الدكتور إلى " السير " للذهبي (1/ 261) ، و" الإصابة " للحافظ ابن حجر (1/ 16) .
(3)
عزاه الدكتور إلى (السير) للذهبي (1/ 261) ، و" الإصابة " للحافظ ابن حجر (1/ 15) .
(4)
عزاه الدكتور إلى أبي الحسن الخزاعي في " تخريج الدلالات السمعية "(ص 159) .
ولم يفهموا أن هؤلاء الطلقاء وأبناءهم، قد أسلموا، وحسن إسلامهم، وكانت لهم مواقف مشهودة، في نصرة الإسلام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعده في الفتوحات في عهد خلفائه الراشدين. . .) .
ثم قال الدكتور عبد الشافي ص (9) : (فتعيير الأمويين بأنهم الطلقاء، وأبناء الطلقاء، يكشف عن الحقد الدفين، عند بعض الغلاة من الشيعة وغيرهم.
فبنو أمية يدخلون في جملة مسلمة الفتح، الذين وعدهم الله بالحسنى في قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10] .
الله سبحانه وتعالى يعدهم بالحسنى، جزاء قتالهم وجهادهم، حتى مع تأخر إسلامهم، رحمة منه سبحانه وتعالى.
ولكن بعض أصحاب الأهواء من المؤرخين يأبى إلا أن يرميهم بالكفر، نعيذ أنفسنا وإياهم بالله من ذلك) .
ثم ذكر الدكتور عبد الشافي في كتابه السابق، تحت عنوان " الأمويون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم " ص (10 - 11) جملة ممن ولاه النبي صلى الله عليه وسلم من بني أمية، ثم قال ص (12) : (وخلاصة القول: فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعظم رجالات بني أمية على مختلف الأعمال، من الولاية، والكتابة، وجباية الأموال، ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش، فيها عمال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منهم (1)
واستعمال النبي صلى الله عليه وسلم لأكثر رجال بني أمية: أكبر دليل على كفاءتهم وأمانتهم، فلو لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم، مطمئنا إلى كفاءتهم، وقدرتهم، وأمانتهم، لما عهد إليهم بعمل من الأعمال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحابي أحدا حاشا لله، ولم يكن يستعمل إلا أهل الكفاية والأمانة. . .) .
وقال الدكتور ص (12 - 13) تحت عنوان: " الأمويون في عهد أبي بكر رضي الله عنه ": (لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وبويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة، فسار على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم، في استعمال بني أمية، والاستعانة بهم في جلائل الأعمال.
وقد استجابوا للصديق، ولكنهم فضلوا الجهاد في سبيل الله على الأعمال الإدارية، فاشتركوا في معارك الإسلام الكبرى، في عهدي الصديق والفاروق، سواء في حروب الردة، أو في معارك الفتوح في الشام وفارس. . .) .
ثم ذكر أمثلة ذلك، وعزاها لبعض كتب التاريخ والسير، ثم قال ص (14) : (وهكذا استمر الأمويون يعملون في عهد أبي بكر، مجاهدين في سبيل الله، مفضلين ميادين القتال على الأعمال الإدارية، ولو كانوا
(1) عزاه الدكتور عبد الشافي في حاشية كتابه، إلى " منهاج السنة " لشيخ الإسلام (3/ 175) .
يبحثون عن المناصب، والجاه والمال، لقعدوا في ولاياتهم، وأعمالهم الإدارية، كما طلب منهم أبو بكر) .
ثم قال الدكتور عبد الشافي ص (15) تحت عنوان " الأمويون في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ": (عندما توفي الصديق رضي الله عنه في جمادى الآخرة سنة 13 هـ وبويع الفاروق بالخلافة: سار على نهج صاحبيه في استعمال بني أمية، والثقة فيهم، فلم يعزل أحدا منهم من عمل، ولم يجد على أحد منهم مأخذا، والكل يعرف صرامة عمر، وتحريه أمر ولاته وعماله، وتقصيه أعمالهم وأخبارهم، ومحاسبتهم بكل دقة وحزم. فاستمرارهم في عهده، يدل على أمانتهم وكفايتهم، فقد بقي يزيد بن أبي سفيان واليا على دمشق، كما زاد عمر في عمل معاوية بالشام، فقد ضم إليه ولاية حمص فوق ما كان يتولاه من أعمال مدن الساحل) .
إلى أن قال ص (16) : (وهكذا استمر الأمويون في خلافة الفاروق، وكانوا في خيرة من عماله، وعلى كثرة محاسبة عمر للولاة والعمال، وعزل بعضهم بسبب التقصير والإهمال، فقد بقي معاوية طوال خلافته في عمله، مواجها للروم، واقفا لهم بالمرصاد، ضابطا لعمله، قائما بالقسط، مرضيا عنه من الرعية، ومن الخليفة) .
أما سبب كثرة الافتراءات على الأمويين: فقد بينه الدكتور عبد الشافي في كتابه السابق ص (أ – جـ) من المقدمة، في معرض كلامه عن
سبب تأليفه كتابه ذلك حيث قال: (ولقد كان الدافع لهذا العمل، أن تلك الحقبة من تاريخ المسلمين، لا تزال في حاجة إلى دراسة واعية متأنية، يكون رائدها البحث عن الحقيقة التاريخية المجردة، مستقاة من أوثق مصادرها، وإلى كلمة حيادية منصفة، تقوم على تحليل الروايات، ومقارنة الحوادث، واستنطاق النصوص التاريخية، ذلك لأن معظم الكتابات المعاصرة - وهي كثيرة - التي تناولت هذا العصر: اتخذت موقفا معاديا للأمويين! معتمدة في ذلك على روايات خصومهم! أو آراء ذوي الهوى والميول من المؤرخين! فجاء تاريخ خلفائهم وولاتهم مشوها، يشوبه كثير من الزيف والتحريف، والبعد عن حقائق التاريخ، وقد تظافرت عدة عوامل أسهمت في ذلك التشويه، وصبغت عصر بني أمية بألوان قاتمة مظلمة، منها:
1 -
أن معظم الأمويين، وقفوا من الرسالة المحمدية موقف العداء المطلق، وحملوا لواء معارضتها، وشن الحرب ضدها أكثر من عشرين عاما، ولم يدخلوا الإسلام، إلا عند فتح مكة سنة (8 هـ) .
ومع أنهم أسلموا، وحسن إسلامهم، إلا أن بعض خصومهم، استغلوا هذا الموقف، واتخذوا منه ذريعة للنيل منهم، والتشهير بهم.
2 -
أن بني أمية، دخلوا في صراع سياسي مع آل البيت، منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، فمالت عواطف كثير من المسلمين إلى آل البيت، نظرا لمكانتهم في نفوس الناس.
وعمق هذا الشعور، ما تعرض له بعض أفراد آل البيت من المآسي، مما خلق شعورا يكاد يكون عاما بالكراهية للأمويين، حيث لم يكن من السهل على أي مسلم، مهما كان مذهبه واتجاهه السياسي: أن يرضى عن حادث مقتل الحسين رضي الله عنه، ذلك الحادث الذي شغل حيزا كبيرا في كتب المؤرخين، وأساء إلى سمعة الدولة الأموية.
3 -
ما وقع فيه بعض خلفاء وولاة بني أمية من أخطاء جسيمة، مثل غزو المدينتين المقدستين مكة والمدينة، مما هز مشاعر المسلمين، وتردد صداه في نفوسهم وكتاباتهم.
4 -
كثرة أعداء بني أمية من الشيعة والخوارج، ومن الحاقدين عليهم، والطامعين في الحكم، مثل المختار الثقفي، وابن الأشعث، وابن المهلب وغيرهم، مما اضطر الأمويين إلى الدخول معهم في معارك طاحنة، والتنكيل بهم.
وفوق ذلك: الموالي من الفرس، الذين لم ينسوا زوال دولتهم على أيدي العرب، فصبوا جام غضبهم على الأمويين، واتهموهم بالتعصب ضدهم.
تجمعت كل هذه العناصر الموتورة، وكان لكل منها، شعراء وخطباء، ونقلة للأخبار ورواة، وراحت تبث الشائعات في جوانب العالم الإسلامي، وتضخم الأخطاء الصغيرة، وتفتعل الأكاذيب، وتلفق الروايات عن العصر الأموي ورجاله.
كما شارك دعاة بني العباس - إبان المرحلة السرية لدعوتهم، والتحضير للثورة على الدولة الأموية - في هذا التيار، وأخذوا يركزون على تشويه سمعة الخلفاء والولاة، ليخلقوا رأيا عاما معاديا للدولة، وقد نجحوا في ذلك نجاحا كبيرا.
5 -
ظلت هذه الأخبار والشائعات، يتردد صداها على ألسنة الناس، حتى بدأ عصر التدوين، فدون المؤرخون كل ما وصل إلى سمعهم، وسواء أكان حقا أم باطلا.
وكان من سوء حظ الأمويين أن تاريخهم دون في عصر خصومهم العباسيين.
وقد لعبت الخصومة- التي بلغت حد استئصال شأفة الأمويين، ونبش قبورهم- دورها في تشويه هذا التاريخ، وطمس معالمه.
لقد أدت تلك العوامل مجتمعة، إلى تشويه كثير من جوانب التاريخ السياسي لعصر بني أمية، وتزييف عديد من حقائقه، وتلفيق الشائعات والأباطيل، حول خلفائه وولاته) اهـ.
وقال الدكتور محمد السيد الوكيل، في مقدمة كتابه:"الأمويون بين الشرق والغرب" ص (5- 6) : ألم تكن الدولة الأموية، نشازا في العالم الإسلامي، كما يدعي بعض المستغربين؟
ولم تكن حدا فاصلا بين نظام الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الرشيدة، وبين النظام الذي قامت على أساسه، كما يزعم بعض
المتقولين الذين يروجون لدعوة كاذبة، بأن الدولة الإسلامية لم تكن إلا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين.
وإنما كانت دولة إسلامية أصيلة، وإن حدث فيها بعض التجاوزات، التي لا تعيبها حقيقة كدولة، وإنما تؤخذ على بعض الخلفاء الذين حصل منهم هذه التجاوزات.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هؤلاء المتجاوزين، بشر يقع منهم الخطأ، كما يقع من غيرهم، لارتفع هذا اللوم العنيف الذي يوجه إليهم.
نعم، إن كذبة الأمير، بلقاء مشهورة، وخطأه ليس كخطأ العامة، ولكنه ما دام غير معصوم، فالخطأ حاصل لا محالة، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقرر تلك الحقيقة حين يقول:«كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون» [مي (2727) ت (2499) جه (4251) كلهم من طريق علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس به، وقال الترمذي:" هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة ".
على أننا ينبغي أن نعلم أن كثيرا من التهم التي ألصقت بالخلفاء، وبخاصة بني أمية لم تثبت صحتها، وإنما كانت من وضع أعدائهم من الشيعة وغيرهم، فمن المعلوم أن الشيعة هم ألد أعداء بني أمية.
وهم مع ما سببوه من المحن لآل البيت رضوان الله عليهم، فكل ما حل بآل البيت من نكبات كان بسببهم، فهم الذين خذلوا عليا كرم الله وجهه في وقت كان في أمس الحاجة إلى عونهم.
وهم الذين دعوا الحسين رضي الله عنه وألحوا في دعوته، ثم تخلوا عنه، وهو في أشد الحاجة إلى وقوفهم معه، وتركوه يتلقى مصيره وحده.
والغريب أنهم هم القتلة الحقيقيون لآل البيت، وهم الذين يبكونهم، ويلطمون خدودهم، ويخمشون وجوههم، حسرة وأسفا على ما حل لهم.
ولقد بلغ الكذب بهؤلاء الرافضة أن وضعوا الأحاديث كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزينون بها باطلهم، ويذمون بها أعداءهم، ويؤيدون أهواءهم.
ونحن لا نستبعد على هؤلاء الذين يضعون الحديث كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يلصقوا بأعدائهم كل نقيصة، ويروجوا عنهم الشائعات التي تدفعهم زورا وبهتانا. وهذه بعض أقوال أئمة الحديث فيهم:
سئل الإمام مالك رضي الله عنه عن الرافضة أيؤخذ عنهم الحديث؟ فقال: " لا تكلمهم، ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون ".
ثم قال الدكتور الوكيل في ص (6- 7) من كتابه السابق: (هؤلاء هم الشيعة، الأعداء الألداء لبني أمية، وهذه هي آراء العلماء من السنة، ومن الشيعة المعتدلين فيهم، فهل يستبعد على من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يكذب على بني أمية؟
إن الذين استباحوا لأنفسهم الكذب، لا يتورعون عن إلصاق التهم بغيرهم، ولا يكفون عن تشويه حياة أعدائهم.
ولست أريد من وراء ذلك تبرئة خلفاء بني أمية من كل ما نسب إليهم، ولكني أريد توضيح حقائق لا ينبغي أن تخفى على الباحث، وهي أن كثيرا مما وجه للخلفاء من التهم زيف لم يستطع أحد إثباته بطريق يمكن التسليم به) .
ثم قال الدكتور الوكيل في ص (8- 9) : (إن الدولة الأموية التي فتحت بلاد الهند والسند، حتى وصلت حدود الصين شرقا، وواصلت فتوحاتها في المغرب العربي، بل وجاوزته إلى أوربا، حتى فتحت الأندلس، ووصلت جنوب فرنسا.
هذه الدولة، لا يمكن أن تسلم من ألسنة المستشرقين والمستغربين على حد سواء؛ لأن هذه الفتوحات المذهلة أورثت الأعداء حقدا لم يستطيعوا إخفاءه، ولم يقدروا على تجاوزه، بل ظلوا يجترونه قرونا طويلة، حتى واتتهم الفرصة، بإصابة الدولة الإسلامية بالشيخوخة، التي تصيب الأمم دائما من غير تفريق، فانقضوا عليها وهي تحتضر، ليأخذوا منها ثأرهم، وهي على فراش الموت.
ومهما قال الحاقدون عن الأمويين، ومهما أثاروا الزوابع والعواصف من حولهم فإن تاريخهم حقبة مشرقة من أحقاب التاريخ الفذ.
وسيرى الدارس لهذه الحقبة ما نشروه من الحضارة، وما خلفوه وراءهم من النظم، وما أنجبوا من القيادات، التي ساقت جيوشهم من نصر إلى نصر، حتى دان لهم أكثر من نصف الأرض المعروفة في تلك الفترة من الزمان.
وإذا تركنا الأمويين في الشرق، لنلقي نظرة على دولتهم في الغرب نرى ما لم يخطر لأحد على بال في تلك الفترة. نرى حضارة في العمران، في القصور الرائعة، والمساجد المبهرة. نرى الحدائق في البيوت والميادين. نرى الشوارع المرصوفة، والأسواق العامرة) (1) انتهى المقصود من كلام الدكتور.
(1) بل نرى قبل ذلك انتشار العلم النبوي والسنة، وكثرة الفقهاء والمحدثين، وارتفاع راية الجهاد، وإقبال الناس على الخير، وإدبارهم عن الشر، وظهور المعروف، وانحسار المنكر.