الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رد دعوى المالكي أنه لم يسلم من كتب العقائد إلا شيء قليل جدا]
فصل
في رد دعوى المالكي: أنه لم يسلم من كتب العقائد، إلا شيء قليل جدا قال المالكي ص (28) :(ولم ينج من كثير من ذلك، إلا بعض كتب المجتهدين في الماضي أو الحاضر، وهي قلة، نسبة إلى هذه الكثرة) .
ثم بين المالكي في حاشية تلك الصفحة من يعني فقال:
(كالإمام ابن الوزير في كتابه "إيثار الحق على الخلق"، والإمام المقبلي في كتابه "العلم الشامخ، في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ"، وابن الأمير الصنعاني في كتابه "إيقاظ الفكرة"، وجمال الدين القاسمي في كتاب "تاريخ الجهمية والمعتزلة"، و"الجرح والتعديل"، وغيرهم من العلماء، الذين حاولوا التخلص من المذهبية العقدية والفقهية، والعودة لأصول الإسلام الجامعة، والابتعاد عن الجزئيات المفرقة، مع إعذار من اجتهد فأخطأ من سائر الطوائف الإسلامية) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: تقدم ببيان نجاة أهل السنة جميعا، مما وصمهم به المالكي، لاعتصامهم بالوحي. وتقدم كذلك ذكر شذوذ المالكي بقوله هذا، وأنه مخالف لإجماع المسلمين كافة، باختلاف طوائفهم.
الثاني: مطالبته ببيان الفروق، التي ميزت كتب المجتهدين السابقين -كما وصفهم المالكي - عن كتب غيرهم من أهل العلم.
فإن قال -كما زعم سابقا-: محاولتهم التخلص من المذهبية العقدية والفقهية، والعودة لأصول الإسلام الجامعة، والابتعاد عن الجزئيات المفرقة، وعذر المجتهد إن أخطأ من جميع الطوائف.
قلنا: هذا غير صحيح! وكتبهم كلها تدل على خلاف ذلك، فابن الوزير -وهو إمام مجتهد بحق- لم يعذر شيخه علي بن محمد بن أبي القاسم (ت 837 هـ) عندما صنف كتابا عاب فيه على أهل السنة والحديث أمورا، وتنقص بعض الأئمة، وطعن في بعض الأحاديث، وقال بمعتقدات مخالفة. ورد عليه ابن الوزير في كتابه الكبير "العواصم والقواصم، في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" وهو في بضعة مجلدات.
ثم زاد في إيجاع خصمه باختصاره المسمى "الروض الباسم" وبين منزلة المردود عليه العلمية، وتنقصه تنقصا بالغا، وسفه ما جاء به.
أما المقبلي: "فالعلم الشامخ" دليل ظاهر على عدم إعذاره لأي مخالف له، فحمل على شيخ الإسلام ابن تيمية حملة كبيرة بغير حق، وحمل على القائلين بعلو الله سبحانه على خلقه، وتكلم في حقهم بكلام عظيم، يدل على أنه إمام لكن في الضلالة.
وكذلك حمل على الزيدية، وسفه أقوالهم وأحلامهم، حتى قال قائل الزيدية فيه (وهو الحسن الهبل ت 1079 هـ)، ضمن أبيات جائرة:
المقبلي ناصبي
…
أعمى الشقا بصره
فرق ما بين النبي
…
وأخيه حيدره
لا تعجبوا من بغضه
…
للعترة المطهرة
فأمه معرفة
…
لكن أبوه نكرة
فلم يعذر المقبلي أحدا من مخالفيه، ولم يخلع ربقة التبعية للمذاهب الضالة، بل خلع ربقة مذهب فاسد -أعني الزيدية- إلى مثله! وكتابه السابق، يدل على ذلك.
أما الصنعاني: فمثلهم، لم يعذر أحدا خالفه قي أصول الدين، وكتبه شاهدة بذلك، وحسبنا قصيدته التي بين فيها ضلال عباد القبور، وكان مطلعها في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومنها:
سلام على نجد ومن حل في نجد
…
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
لقد صدرت من سفح صنعا سقى الحيا
…
رباها وحياها بقهقهة الرعد
سرت من أسير ينشد الريح إن سرت
…
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجد وأهله
…
لقد زادني مسراك وجدا على وجدي
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
…
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي بسنة أحمد
…
فيا حبذا الهادي ، ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله
…
بلا صدر في الحق منهم ولا ورد
وما كل قول بالقبول مقابل
…
ولا كل قول واجب الرد والطرد
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
…
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل
…
ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما
…
مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله
…
يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
…
كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
…
أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل
…
ويلتمس الأركان منهن بالأيدي
وحرق عمدا للدلائل دفترا
…
أصاب ففيها ما يحل عن العد
غلو نهى عنه الرسول وفرية
…
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم ولا
…
تساوي فليسا إن رجعت إلى النقد
وصيرها الجهال للذكر ضرة
…
ترى درسها أزكى لديها من الحمد
لقد سرني ما جاءني من طريقه
…
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
فإن قال المالكي: قد تراجع الصنعاني عن هذه القصيدة، لما بلغه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، أمور تخالف ما يعتقده هو، ونظم فيه قصيدة ثانية ذمه بها.
قلنا: جواب هذا من وجهين: أحدهما: أن قصيدته التي ذكر أنه تراجع فيها: إنما تراجع فيها عن مدحه للشيخ محمد بن عبد الوهاب فحسب، ولم يتراجع عن اعتقاده في فساد معتقدات القبورين، وذم بدعهم المحدثة، مما سبق ذكر شيء منه،
ومحل الشاهد من قصيدته الأولى، هو ذمه لأهل البدع المخالفين، وعدم إعذاره لهم بمخالفاتهم، لا مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإذا تقرر هذا، فمحل الشاهد سالم من الاعتراض والانتقاض.
الثاني: إن صح تراجعه، فهو دليل لنا لا علينا، فإن الصنعاني مع موافقته الجملية، للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في توحيد العبادة، إلا أنه لما بلغه عنه شيء يخالفه، لم يعذره، ونظم قصيدة في ذمه، والتحذير منه.
وتمسك الشيخ الإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالكتاب والسنة، واشتهاره بنصرتها، وتحمله الأذى لذبه عنها: قد أغناه الله به، عن مدح الصنعاني أو ذمه.
أما جمال الدين القاسمي: فلا أظن أحدا يجعله مجتهدا! وأي علم بلغ القاسمي الاجتهاد فيه؟! كما أنه لم يسلم من تبعية المذاهب العقدية! فقد كان أشعريا صوفيا خلوتيا، كتب ذلك بخط يده عند إتمامه نسخ كتاب "الفوائد الجليلة، في مسلسلات ابن عقيلة " فقال: (تم كتابة، على يد الفقير إلى الله تعالى: محمد جمال بن الشيخ محمد سعيد بن الشيخ قاسم، الشهير بالحلاق الدمشقي موطنا، الشافعي مذهبا، والخلوتي طريقة، والأشعري معتقدا، غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين أجمعين.
وذلك في يوم الأحد، في الضحوة الكبرى، الواقع في أربعة وعشرين من شهر محرم الحرام، سنة اثنتين وثلاثمائة وألف 1302 هـ) اهـ
وصورة خطه هذا، في صفحة (48) من طبعة الكتاب، التي نشرتها "دار البشائر الإسلامية" عام (1421 هـ) .
وكتاباه اللذان ذكرهما المالكي، دليلان كافيان على عدم تحقيقه في العلم عامة، والعقيدة خاصة.
وقد ذكر بعض أهل العلم: أن القاسمي كان على ذلك أول حياته، ثم رجع عنه آخرها، وتأثر بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الحنبليين، وعكف على مطالعتها، فصلحت عقيدته، واستقامت طريقته، ودللوا على ذلك بما في "تفسيره" وبعض رسائله المتأخرة الأخرى، مما يخالف ما كان عليه أول حياته مما تقدم، والله أعلم.
الوجه الرابع: أن المالكي اختط منهجا، لم يسر عليه أحد قط غيره! ولم يستطع أن يمثل عليه هو بمثال واحد صحيح فقط. بل أعجب من ذاك وأغرب: أن يلزم الناس به، ثم يكون أول مخالفيه!
فأين التزامه بأمره بالاقتصار على الإيمانيات الكلية، وبحوثه لم تخرج قط عن باب الصحبة والصحابة، والنصب والنواصب، وأخطاء الحنابلة، ونحوها من أمور لا يراها هو داخلة في أركان الإيمان الستة؟!
بل أين إعذاره -هو- للمخالف، وهو يطعن في جمع من أئمة الإسلام، ولا يعذر أحدا منهم، كالمروذي، وعبد الله بن الإمام أحمد، والبربهاري، وابن بطة، وابن أبي يعلى، وابن تيمية، وابن القيم، والفوزان، وغيرهم ممن سلط لسانه السليط، في أعراضهم المصونة؟!