الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في اضطراب معنى السلف الصالح عند المالكي]
فصل
في اضطراب معنى "السلف الصالح" عند المالكي! باختلاف المراد به عند أهل المذاهب والفرق
وبيان معناه الصحيح، والرد عليه قال المالكي ص (22) : (فسلف الحنابلة يختلف عن سلف الأحناف والشافعية والمالكية والظاهرية وسائر الأشاعرة. وسلف هؤلاء، يختلف عن سلف المعتزلة والشيعة. وسلف هؤلاء، يختلف عن سلف الإباضية والنواصب.
وهكذا أصبح المصطلح -مصطلح السلف الصالح- مصطلح عائم (1) يدور مع المذهبية أينما كانت، وليس مع الصلاح.
وأصبح هذا الصلاح يضبط بمعايير المذهبية، وليس بالقرآن الكريم، ولا بما صح من السنة النبوية.
فمن كان معنا: فهو العالم الصالح، الثقة الزاهد، الحريص على دينه إلخ.
ومن خالفنا في اجتهاد: فهو المشكوك في كلامه، وفي نيته، بل وفي دينه! وعلى هذا، فهو الكذاب المتعصب المبتدع إلخ) اهـ
(1) هكذا هي في كتاب المالكي (مصطلح عائم) ! والصواب: (مصطلحا عائما) ، خبر أصبح منصوب وصفته، ولعل المالكي استغنى عن نصبها بنصبه!
والجواب من وجوه: أحدها: أن سلف أهل السنة باختلاف مذاهبهم: متفق واحد، قد قدمنا من يدخل فيهم عندنا، ومن يخرج، وذكرنا بعض أعلامهم قبل نشوء المذاهب الفقهية وبعد نشوئها.
والمالكي لجهله، يخلط بين المذاهب الفقهية والمذاهب العقدية! فيذكر المذاهب الفقهية الأربعة، مع الأشاعرة والمعتزلة والشيعة والإباضية والناصبة!! وهذا شيء وذاك آخر.
الثاني: أن مشاركة أهل البدع لأهل السنة في تسمية أسلافهم بالسلف الصالح، لا يجعل في هذا المصطلح اضطرابا، فلا تكاد تجد مصطلحا أو لفظا إلا وجماعات متباينة تدعيه وتزعمه، والعبرة في ذلك كله بالحق لا بمجرد الدعوى. فاليهود قد زعموا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سلفهم، وكذلك زعموا في موسى عليه السلام فكذبهم الله تعالى في مزاعمهم تلك، فقال:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67] .
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالمدينة تصوم عاشوراء وتقول: إنه يوم نجى الله فيه موسى من الغرق، فنحن نصومه شكرا لله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«نحن أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه.
والثالث: أن السلف الصالح رحمهم الله، كانوا مستقيمين على الكتاب والسنة، ولهذا رضيهم أهل السنة سلفا.
وكيف يكون سلف أهل السنة، مرتبطا ومتعلقا بالمذهبية، وقد وجدوا قبل أن تخلق المذاهب وأصحابها.
والرابع: أن المخالفات الاجتهادية الفرعية: قد حصلت في الصدر الأول وما بعده، ولم توجب نزاعا بينهم ولا بين من بعدهم كما زعم المالكي.
أما الأمور الاعتقادية: فلا يسوغ فيها الاجتهاد، وإنما هو الاتباع لا الابتداع. ومن خالف: فهو مبتدع، إلا أنه لا يكون عند أهل السنة كاذبا بذلك إلا إن كَذب، خلاف زعم المالكي الكذوب.
دليل ذلك: رواية أئمة أهل السنة حنابلة وغيرهم، عن جماعة من أهل البدع لصدقهم في روايتهم مع ابتداعهم، فلو كان سبب التوثيق عندهم وقبول الرواية: المذهبية! لردوا حديث أولئك، وجعلوهم كذابين! ولما تركوا الرواية عن جماعة من أهل السنة وضعفوهم، لضعف حفظهم أو اختلاطهم ونحو ذلك.
وطعن المالكي هنا في أهل السنة، وأن ضابط التعديل والتجريح عندهم في رواة الحديث: التعصب والمذهبية، لا إتقان الراوي: لم ينفرد به المالكي، بل هو طعن طعن به أسلافه من أهل البدع زيدية وغيرهم في أهل السنة، ومن أولئك: علم أعلامهم، وأطول أقزامهم، مرجعهم في المشكلات، ومضلهم في الواضحات الجليات: علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر الصنعاني (ت 837 هـ) ، كتبه في كتاب مشهور، وأظهره إظهار مجاهر مغرور،
فرد عليه الإمام العلامة محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله، فلم يبق له من شبهاته لا قليلا ولا كثيرا، في كتابين صنفهما ردا عليه، أولهما:"العواصم والقواصم "، ومختصره "الروض الباسم، في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم "، تجدها في المختصر في (1 / 195) .