الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رميه الإمام أحمد رحمه الله بأنه لم يتحكم في عواطفه لكون الدولة والعامة معه]
فصل
في رميه الإمام أحمد رحمه الله، بأنه لم يتحكم في عواطفه! لكون الدولة
والعامة معه! وبيان مراده، والرد عليه قال المالكي بعد كلامه السابق، في حاشية ص (109) : (وللأسف أن غالب المنتصرين لا يتحكمون في عواطفهم، خصوصا إذا كانت الدولة والعامة معهم. فالقلائل من عقلاء الناس، يتحكمون في خصوماتهم، حتى لا تخرج عن الشرع.
ولعل من أبرز النماذج الجميلة في تاريخنا: نموذج الإمام علي مع الخوارج، فرغم أنهم كانوا يصرحون بعداوته، ويكفرونه، ويسبونه، ورغم ورود النصوص فيهم بأنهم يمرقون من الإسلام، إلا أن الإمام علي (1) كان شريف الخصومة، فلم يستغل كل هذا في تكفيرهم، وإنما قال:" إخواننا بغوا علينا ". وكان يمنحهم حقوقهم كغيرهم من المسلمين، ولم يقاتلهم إلا بعد سفكهم الدماء) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام سلفا وخلفا: لم يكفروا أحدا لعواطفهم، أو خصومتهم معه، بل كان ضابط ذلك ومرجعه:
(1) كذا في كتاب المالكي! والصواب: "عليا".
كتاب الله سبحانه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لهذا تجد اتفاق أئمة الإسلام، بجميع مذاهبهم الفقهية، وطبقاتهم الحديثية، على كفر أولئك.
فإن كانت العاطفة أخذت أحمد - حاشاه -، فهل أخذت أئمة الإسلام جميعا؟ !
الثاني: أن قياس الجهمية بالخوارج على الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، كما فعل المالكي: قياس مع الفارق غير صحيح.
فإن الخلاف مع الجهمية أصولي، أما الخوارج: فخلافهم - عند نشوئه في أوله - لم يكن أصوليا، لهذا قال فيهم علي رضي الله عنه ما قال.
إلا أنهم - أعني الخوارج - انتحلوا بعد ذلك الاعتزال، فحكمهم كحكم بقية الجهمية والمعتزلة.
الثالث: أن الإمام أحمد رحمه الله وإن كان كفر المعتزلة - إلا أنه لم يقتل أحدا منهم، ولم يحرض الخليفة العباسي على قتل أحد منهم، بخلاف علي رضي الله عنه، فإنه مع عدم تكفيره للخوارج، إلا أنه سفك دماءهم، ونكل بهم - في مواقع مشهودة - شر تنكيل، فعلي رضي الله عنه، أشد في دين الله من أحمد رحمه الله، وفعل علي رضي الله عنه في الخوارج، حق ولا ريب. بل إن قتله لهم منقبة وفضيلة أتت في غير حديث له، فأخرج الإمام أحمد (1 / 113) والبخاري (6930) ومسلم (1066) عن علي رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج في آخر الزمان، قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فافتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» .
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد، أو مثدون اليد، أو مخدج اليد، ولولا أن تبطروا، لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلونهم على لسان نبيه» رواه الإمام أحمد في " مسنده "(1 / 59) ومسلم (1066) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تمرق مارقة في فرقة من المسلمين، يقتلهما أولى الطائفتين بالحق» رواه مسلم (1065) .
وروى الإمام أحمد في " مسنده "(3 / 33) وابنه عبد الله في " السنة "(1512) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقد روى حديثا في الخوارج وعلاماتهم - قال: (فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليا ولي قتلهم) .
الرابع: أن عليا رضي الله عنه، إن كان وسعه خروج الخوارج عليه، وقال فيهم ما قال، إلا أنه لما خرج الزنادقة في عهده، ممن يزعمون حبه وتوليه، وكانت مخالفتهم عقدية أصولية: حرقهم بالنار ونكل بهم، ولم يكتف بتكفيرهم. فلو كانت الجهمية والمعتزلة في عصر
علي، وبلغه منهم ما بلغ أحمد: لأرانا علي رضي الله عنه فيهم، ما أرانا في أشباههم.