الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في بيان سبيل الحق عند المالكي وهو الإيمان الجملي غير المفصل]
فصل
في بيان سبيل الحق عند المالكي، وهو الإيمان الجملي غير المفصل،
والالتزام بالواجبات الجملية المجمع عليها دون المختلف فيها،
وتجنب المحرمات المتفق على تحريمها دون المتنازع فيها! والرد عليه،
وبيان أن ما اختاره باب للزندقة لا الحق قال المالكي ص (184-185) : (فإن قال قائل: كيف أستطيع أن أعرف الحق، إذا لم ألتزم مذهب طائفة أتعلم منها الدين؟
أقول: عُد إلى كتاب الله، ستجد الأمور الإيمانية الكلية، وستجد المحرمات المتفق عليها، والواجبات المتفق عليها، وستجد ما يرفد ذلك من إجماع المسلمين على هذه الأمور، من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، وأمر بالعدل، والصدق، والأمانة، ونهي عن الجرائم المعروفة.
فدين الله واضح، لا يحتاج لكل هذه الكتب في العقائد، التي رأيت فسادها وإفسادها، وتشكيكها وانحرافها عن أبسط المبادئ الدينية. فالعودة للاعتصام بحبل الله، ومعرفة الأصول العامة، التي يلتقي عليها المسلمون، خير من التمادي في الشبهات، والشتائم التي لا تسمن ولا تزيد المرء إلا شكا) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا مخالف لإجماع أهل السنة، بل لإجماع المسلمين جميعا، الذين صنفوا المصنفات المختلفة الكثيرة في العقيدة، مختصرات تُحفظ، ومطولات تُشرح، منثورات ومنظومات، متونا، وحواش، وتعليقات، وتقييدات، وتقريرات، وهل عند المسلم، أعز وأغلى من عقيدته؟!
الثاني: أن كل ما جاء في القرآن الكريم: يجب الإيمان به: ومن كفر بحرف واحد منه: فقد كفر به كله، لا يصح له إيمان، ولا يُقبل منه عمل، وكذلك ما صح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقييد المالكي الإيمان، بالإيمان بالأمور الإيمانية الكلية، قيد لا ضابط له! فما الأمور الإيمانية الكلية؟ وما الأمور الجزئية؟
إن كان الإيمان بما في القرآن والسنة الصحيحة واجبا لازما، فكل ما فيه كلي.
وإن كان المالكي يعني أمورا إيمانية وردت في القرآن، دون أمور أخرى: فهذا تكذيب لشيء ورد في القرآن! وتكذيب حرف منه، كتكذيبه كله. ..
الثالث: تقييد المحرمات، الواجب الامتناع عنها، بالمحرمات المتفق عليها: زندقة وكفر، فإن من لم يمتنع عن المعاصي والمحرمات، إلا ما حصل إجماع محقق في حرمتها: كان زنديقا مرتدا، لرده نصوص
الكتاب والسنة الصحيحة، في محرمات كثيرة جدا.
والذي عليه المسلمون: الامتناع عما نهى الله- عز وجل عنه، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، دون اشتراط لحصول إجماع في ذلك المحرم، لذا تجد أحدهم قد يحرم أمرا اجتهاديا، لدليل يصححه، وترى آخر يحله، أو يكرهه، ونحو ذلك. وهذا أمر لا خلاف فيه.
ومن خالف منهم في أمر محرم، لتأويل، أو تعارض أدلة في نظره:
فهذا مجتهد، إن أصاب له أجران، أو أخطأ، له أجر واحد، ما كان مستقيما على الكتاب والسنة.
الرابع: كالسابق، إلا أنه في الواجبات، فلو لم نلتزم إلا بالواجبات المتفق عليها- كما يطالب به المالكي - لسقطت واجبات كثيرة، ثبتت بالقرآن أو السنة، وربما بهما.
وقد يكون المخالف فيها، لم يبلغه الدليل، أو لم يفهم المراد منه، أو ظنه منسوخا، أو لم يصح عنده، أو تأوله على غير وجهه، وغير ذلك من الأمور المسببة لاختلاف أقوال العلماء.
ولا تكاد تجد مسألة فقهية، إلا وفيها خلاف على الوجه الذي بيناه سابقا؛ لذا جمع بعض الأئمة مسائل الإجماع، وأفردها في مصنف، كالحافظ ابن المنذر، وابن حزم وغيرهما، مع أن بعض تلك الإجماعات، لم تُسَلَّمْ لهم.
بل لو قبلنا نزاع أهل البدع كالرافضة- لإدخال المالكي لهم في المسلمين-: لكان في الإيمان بصحة القرآن، وسلامته من النقص والتحريف، خلاف ونزاع!!
وكذلك الحال في نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقول طوائف منهم: إن النبوة كانت لعلي رضي الله عنه، فخانه جبريل، وأعطاها محمدا!!
وفي هذا: طعن في جبريل- عليه السلام! وكل ذلك كفر.
الخامس: أن العبادات المتفق على وجوبها، كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة: لم تسلم من الخلاف في شروطها، وأركانها، وواجباتها، ونحو ذلك، فما العمل حينئذ؟! أنتركها لنسلم من الخلاف، أم نقبل الخلاف هنا، وقد منعناه هناك؟!!
السادس: أن زعمه أن الدين واضح، فلا يحتاج إلى كل هذه الكتب المصنفة في الاعتقاد: صحيح المقدمة، فاسد النتيجة! فإن الدين واضح، وكتب العقيدة المبنية على الكتاب والسنة، على فهم السلف الصالح، مما سبَّب وضوحه.
وكلام المالكي هنا مخالف لعمل المسلمين جميعا، سنة ومبتدعة، فإنهم قد أكثروا من التصنيف فيها، نظما ونثرا ومختصرات ومطولات، على اختلاف الفرق والمذاهب، فلِم خص الحنابلة أهل السنة بهذا، وقد شاركهم في الإكثار من التصنيف فيها، الرافضة، والمعتزلة، والجهمية، والأشاعرة، والماتريدية، والإباضية، وغيرهم.
السابع: أن الاعتصام بحبل الله تعالى، لا يكون إلا باتباع الوحيين، لا باتباع أوهام الناس وأهوائهم، فما اتفقوا عليه كان حقا!! وما لم يتفقوا عليه لم يكن واجبا!!
وإنما العبرة في ذلك، بالكتاب والسنة.
والإجماع إذا انعقد صحيحا من أهل السنة: وجب الأخذ به، أما إن لم ينعقد، فالعبرة بما انعقد من أدلة الكتاب والسنة، وافقها الناس أم خالفوها.
الثامن: مطالبة المالكي، بذكر مسائل الإيمان، والاعتقاد، والفقه التي أجمع عليها المسلمون بجميع طوائفهم، والتي تكفي في صحة الإيمان، وقبول الأعمال، ويكون فاعلها مطيعا لله سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم.