الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في أسباب نكسات المسلمين عند المالكي وبيان فساد طريق السلامة منها عنده]
فصل
في أسباب نكسات المسلمين عند المالكي، وبيان فساد طريق السلامة منها عنده! قال المالكي ص (25) : (لو تتبعنا أسباب نكسات المسلمين في الماضي، كسقوط بغداد، واحتلال الشام، وفلسطين من قبل الصليبيين، وسقوط الأندلس: لوجدنا أن السبب الظاهر للخاصة والعامة، هو تفرق المسلمين.
ولو نظرنا لسبب هذا التفرق: لوجدناه يكمن في الاتهامات المتبادلة، بالضلالة والبدعة والكفر، مع الاستغلال السياسي لهذه الطوائف؛ إذ أصبحت كل فرقة ترى أن اليهود والنصارى والصليبيين والمغول، أقرب لها من الطائفة الأخرى التي تلتقي معها في الأصول العامة للإسلام) اهـ.
والجواب: أن هذا قياس منطقي صحيح المقدمات، فاسد النتيجة! فإن سبب نكسات المسلمين في الماضي والحاضر، هو التفرق، وعلاج ذلك وحله، هو الاعتصام بحبل الله كما أمر سبحانه وتعالى فقال:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، وقال عز وجل:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] . فالحل والعلاج: هو الاعتصام
بحبل الله جل وعلا، واتباع ما أنزل في كتابه وأتى به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا مجرد الاجتماع والاتفاق الظاهري! وكما قال الأول:
وإذا الجرح رم على فساد
…
تبين فيه تفريط الطبيب
ولا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه.
والمسلمون ليسوا قلة كي تكون قوتهم في اجتماعهم وتجمعهم ليكونوا كثرة، وإنما علتهم القاتلة: بعدهم عن الوحي والاعتصام بدينهم، فكانت كثرتهم وحالهم هذه كالغثاء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:«تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها " قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله يومئذ؟ قال: "لا! أنتم كثير لكن غثاء كغثاء السيل» [حم (5 / 278) د (4297) من حديث ثوبان رضي الله عنه] .
ولم يسقط دول المسلمين ويسلط عليهم أعداءهم إلا فشو المعاصي فيهم، والبدع والضلالات، واللهو والمجون.
وأما سقوط بغداد: فلم يكن سببه تقريب اليهود والنصارى، وإنما كان سببه تقريب المبتدعة والضلال، حتى إذا تمكنوا من وزارة الخلافة العباسية: كشفوا أسرارها، وأظهروا لعدو المسلمين عوارها، وشجعوه على النيل منها، فقدمت جيوشهم على حين غرة، فقتلوا الخليفة والعلماء والقضاة، وكثيرا من عامة المسلمين، حتى ذكر بعض العلماء: أن القتلى من المسلمين بلغوا ألف ألف نفس، أو نحو ذلك.
وقال غيره: لم ينقص القتلى عن سبع مائة ألف، ولم يزيدوا على ألفي ألف نفس، فالمقل يقول: سبع مائة ألف نفس، والمكثر يقول: ألفي ألف نفس.
وكان ذلك بسبب استوزار آخر خلفاء بني العباس المستعصم لابن العلقمي الرافضي، الذي كان يراسل هولاكو قائد جيوش المغول، ويشجعهم على غزو دار الخلافة بغداد -مع إكرام المستعصم له، وثقته الكبيرة به، ومنزلته في دولته-: فقدمت جيوش المغول، وأسقطت الخلافة الإسلامية فيها، وأبادوا أهلها، فشفى هذا اللعين نفسه الخبيثة من المسلمين ودولتهم، وسانده في ذلك رفيق دينه وشبيهه الرافضي الآخر المسمى بالنصير الطوسي، فكان منجما مقربا عند هولاكو، وكان هولاكو يستشيره قبل همه في كثير من أموره، فأشار عليه الطوسي بقتل العلماء والقضاة وأهل الحل والعقد، ولا يبقي فيها أحدا سوى أهل الصنائع والحرف فحسب! فأخذ هولاكو بمشورته، وأنفذ وصيته، فأباد أهل بغداد، وأتلف غالب كتبهم الشرعية، بل بلغ القتل بالنساء والأطفال، فتبدلت بغداد على عارفيها، وأصبحت أثرا بعد عين، فهل يعتبر المسلمون اليوم؟!
قال الإمام أبو عبد الله ابن القيم في "نونيته " ذاكرا ذلك:
وكذا أتى الطوسي بالحرب الصري
…
ح بصارم منه وسل لسان
وأتى إلى الإسلام يهدم أصله
…
من أسه وقواعد البنيان
عمر المدارس للفلاسفة الألى
…
كفروا بدين الله والقرآن
وأراد تحويل "الإشارات " التي
…
هي لابن سينا موضع الفرقان
لكنه علم اللعين بأن هـ
…
ـذا ليس في المقدور والإمكان
إلا إذا قتل الخليفة والقضا
…
ة وسائر الفقهاء في البلدان
فسعى لذاك وساعد المقدور بالـ
…
أمر الذي هو حكمة الرحمن
فأشار أن يضع التتار سيوفهم
…
في عسكر الإيمان والقرآن
لكنهم يبقون أهل صنائع الد
…
نيا لأجل مصالح الأبدان
فغدا على سيف التتار الألف في
…
مثل لها مضروبة بوزان
وكذا ثمان مئينها في ألفها
…
مضروبة بالعد والحسبان
حتى بكى الإسلام أعداه اليهو
…
د كذا المجوس وعابد الصلبان
فشفى اللعين النفس من حزب الرسو
…
ل وعسكر الإيمان والقرآن
وقال رحمه الله في موضع آخر منها:
وكذلك الطوسي لما أن غدا
…
ذا قدرة لم يخش من سلطان
قتل الخليفة والقضاة وحاملي الـ
…
قرآن والفقهاء في البلدان
إذ هم مشبهة مجسمة وما
…
دانوا بدين أكابر اليونان
وما زال الروافض يحيكون المكائد بالمسلمين، ويسعون لما سعى إليه نصير الكفر الطوسي، كادهم الله، وجعل النار مثواهم ومثواه.
وما زالت الروافض يعدون مكائد الطوسي تلك، من محاسنه ومناقبه، قال السيد حسين الموسوي، أحد علماء النجف، وخريج الحوزة العلمية النجفية الشيعية، في كتابه "كشف الأسرار، وتبرئه الأئمة الأطهار" ص (95) : (وتحدثنا كتب التاريخ، عما جرى في بغداد عند دخول هولاكو فيها، فإنه ارتكب أكبر مجزرة عرفها التاريخ، بحيث صبغ نهر دجلة باللون الأحمر، لكثرة من قتل من أهل السنة.
فأنهار من الدماء جرت في نهر دجلة، حتى تغير لونه فصار أحمر، وصبغ مرة أخرى باللون الأزرق، لكثرة الكتب التي ألقيت فيه.
وكل هذا بسبب الوزيرين: النصير الطوسي، ومحمد بن العلقمي، فقد كانا وزيرين للخليفة العباسي، وكانا شيعيين، وكانت تجري بينهما وبين هولاكو مراسلات سرية، حيث تمكنا من إقناع هولاكو بدخول بغداد، وإسقاط الخلافة العباسية، التي كانا وزيرين فيها.
وكانت لهما اليد الطولى في الحكم، ولكنهما لم يرتضيا تلك الخلافة؛ لأنها تدين بمذهب أهل السنة.
فدخل هولاكو بغداد، وأسقط الخلافة العباسية، ثم ما لبثا حتى صارا وزيرين لهولاكو، مع أن هولاكو كان وثنيا) . ثم ذكر الموسوي
بعض من كان يترضى عن الطوسي وابن العلقمي من الرافضة، لأعمالهم تلك، ويعدونها من أعظم الخدمات الجليلة للإسلام!
ثم قال السيد الحسين الموسوي بعد ذلك: (وأختم هذا الباب، بكلمة أخيرة، وهي شاملة وجامعة في هذا الباب، قول السيد نعمة الله الجزائري في حكم النواصب، أهل السنة فقال: " إنهم كفار، أنجاس، بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى. وإن من علامات الناصبي، تقديم غير علي عليه في الإمامة " "الأنوار النعمانية" (206- 207) اهـ كلام الموسوي، وقد كان من كبار علماء شيعة العراق، ومن المرضيين عندهم.
إلا أنه لما ظهر له الحق، وظهر له فساد اعتقاد الشيعة، وأنهم صنيعة يهودية مجوسية، رجع إلى السنة، وكتب كتابه هذا -المنقول منه- مبينا مكيدة الشيعة بالإسلام وأهله، وما رآه -هو- منهم من فساد وإفساد وضلال وحقد على المسلمين جميعا، وعزا ذلك كله إلى كتبهم المشهورة المعتبرة عندهم -وهو الخبير المقدم فيها- ووعد بكتابة غيره، وفضحهم، إلا أنهم عاجلوه بالقتل -قتلهم الله- فمات شهيدا في نحو شهر رجب عام (1422 هـ) رحمه الله رحمة واسعة، وأبدل سيئاته حسنات.
وهذا الأمر -أعني حدوث البدع، وظهور المبتدعة- هو سبب كل الفتن والمحن، من أول فتنة حدثت في صدر الإسلام إلى هذا اليوم.
فبسببهم -لعنهم الله- قتل عثمان رضي الله عنه، واستحل دمه
الطاهر الشريف.
وبسببهم خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتلوه في النهروان وغيرها، وهكذا سار ركبهم، ينقض بناء الإسلام، وينخر في جوف أعمدته العظام.
فمن تولاهم، أو دافع عنهم، أو زين ما هم فيه: فقد كاد الإسلام، وسعى في هدمه، هدم الله أركانه.