الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في إنكار المالكي عظيم ما شرف الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم]
فصل
في إنكار المالكي عظيم ما شرف الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم، من إقعاده على العرش،
وطعنه في الحنابلة لإثباتهم ذلك، والرد عليه قال المالكي ص (131) : (ورووا- يعني بهم الحنابلة - أن المقام المحمود للنبي هو قعوده صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع ربه على العرش.
واعتبروا من رد هذا الأثر الضعيف، جهميا أو زنديقا، وأنه لا يؤمن بيوم الحساب.
أقول: انظروا إلى الأحكام الجائرة، فكلما كانت القصة، أو الأثر مكذوبا، كلما زاد إنكارهم على من أنكره، وحكموا عليه بالزندقة والكفر، وكأن الشدة، تعويض لضعف الحجة) اهـ كلام المالكي.
والجواب: أن كلامه هذا، قد اشتمل على عدة كذبات:
إحداهن: أن راوي هذا الأثر ليس بحنبلي، وإنما قائله الإمام التابعي الكبير، مجاهد بن جبر (ت 102 هـ) ، تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يكن- رحمه الله حنبليا.
وقد رواه عنه الأئمة في كتبهم، منهم:
الحافظ الكبير، شيخ المفسرين وإمامهم: محمد بن جرير بن يزيد
الطبري (ت 315 هـ) في "تفسيره "، وليس حنبليا أيضا، بل قال رحمه الله بعد روايته له:(ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي، في كتابه "العلو" ص (194) :
(وقد ذكرنا احتفال الإمام أبي بكر المروذي في هذا العصر، لقول مجاهد:"إن الله تعالى يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش" وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة، التي انفرد بها سيد البشر.
ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف، فإنه قال:"قرأت القرآن من أوله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما، أقفه عند كل آية أسأله ".
فمجاهد أجل المفسرين في زمانه، وأجل المقرئين، تلا عليه ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن.
فممن قال " إن خبر مجاهد يسلم به، ولا يعارض ":. عباس بن محمد الدوري الحافظ (ت 271 هـ) .
. ويحيى بن أبي طالب المحدث (ت 275 هـ) .
. ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي الحافظ (ت 280 هـ) .
. وأبو جعفر محمد بن عبد الملك الدقيقي (ت 266 هـ) .
. وأبو داوود سليمان بن الأشعث السجستاني، صاحب "السنن "(ت 275 هـ) .
. وإمام وقته، إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285 هـ) .
والحافظ أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي (ت 276 هـ) .
. وحمدان بن علي الوراق الحافظ (ت 272هـ) .
وخلق سواهم من علماء السنة ممن أعرفهم، وممن لا أعرفهم، ولكن ثبت في الصحاح أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة، الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم اهـ كلام الذهبي.
وأثبتها أيضا أئمة كثير، غير من سمى الذهبي هنا، منهم:. محمد بن مصعب العابد شيخ بغداد.
. والإمام الحجة الحافظ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) ، إمام أهل السنة قاطبة.
. وعبد الله بن أحمد بن حنبل الحافظ (ت 290 هـ) .
. ومحمد بن جرير الطبري شيخ المفسرين (ت 310 هـ) ، وسبق ذكر قوله، بل حكايته الإجماع على ذلك.
. ومحمد بن علي السراج.
. وأبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الحافظ شيخ العراق (ت 248 هـ) .
. والحافظ يحيى بن محمد بن صاعد (ت 318 هـ) .
. وأبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، الحافظ الكبير (ت 348 هـ) ، ونظم في ذلك أبياتا مشهورة، قال فيها:
حديث الشفاعة في أحمد
…
إلى أحمد المصطفى نسنده
وأما حديث بإقعاده
…
على العرش أيضا فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه
…
ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد
…
ولا تنكروا أنه يقعده
وغيرهم كثير كما قال الذهبي، مع سعة اطلاعه على الرجال، وأحوالهم، وأقوالهم رحمهم الله. وسبق أن ذكرنا حكاية ابن جرير الطبري الإجماع على القول بذلك.
قال العلامة الإمام أبو عبد الله ابن قيم الجوزية في "نونيته ":
واذكر كلام مجاهد في قوله
…
(أقم الصلاة) وتلك في (سبحان)
في ذكر تفسيرالمقام لأحمد
…
ما قيل ذا بالرأي والحسبان
إن كان تجسيما فإن مجاهدا
…
هو شيخهم بل شيخه الفوقاني
ولقد أتى ذكر الجلوس به وفي
…
أثر رواه- جعفر الرباني
أعني ابن عم نبينا وبغيره
…
أيضا أتى والحق ذو تبيان
والدارقطني الإمام يثبت ال
…
آثار في ذا الباب غير جبان
وله قصيد ضمنت هذا وفي
…
ها لست للمروي ذا نكران
وجرت لذلك فتنة في وقته
…
من فرقة التعطيل والعدوان
وقال ابن القيم في موضع آخر منها، حاكيا قول خصمه له:
وزعمت أن محمدا يوم اللقا
…
يدنيه رب العرش بالرضوان
حتى يرى المختار حقا قاعدا
…
معه على العرش الرفيع الشان
وكان شيخنا الكبير العلامة، إسماعيل بن محمد بن ماحي الأنصاري (ت 1417 هـ) رحمه الله، يستدل بأبيات الدارقطني ويذكرها، ويحتج لها، وبها، إذا عرضت هذه المسألة.
فهذا اعتقاد أئمة الإسلام، وقولهم في هذا الأثر، الذي رواه مجاهد رحمه الله، وغالب من ذكر ليس بحنبلي.
أما كذبة المالكي الثانية: فزعمه أن هذا الأثر مكذوب!!
واحتجاج من ذكرنا به- وهم صيارفة الحديث، ونقاده وحفاظه- يغني عن غيره.