الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما ألزم به المالكي الحنابلة - لما أمروا بالتحاكم إلى السنة في فهم القرآن - أنهم يزهدون في القرآن ويردونه، يلزم عليا رضي الله عنه، بل يلزمه رضي الله عنه فوق ذلك.
وروى اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " عنه رضي الله عنه قال: (سيأتي قوم يجادلونكم فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله)، وروى الدارمي (121) واللالكائي (202) وابن عبد البر في " الجامع " (2 / 132) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:(إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنة أعلم بكتاب الله) .
وهذه الآثار هنا وغيرها مما ورد في هذا الباب يبين مراد علماء الإسلام بأقوالهم تلك، كقول البربهاري رحمه الله وغيره، على الوجه الذي قدمناه في الوجه الأول.
[فصل في بيان قول البربهاري إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن]
فصل ثم قال المالكي ص (164) : (وقال - يعني البربهاري: " وإن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن ".
أقول [القائل المالكي] : السنة عظيمة المنزلة، لكن ليست أهم من القرآن، وهي أحوج إلى القرآن.
فالسنة تحاكم إلى القرآن، فيعرف ما ثبت عن رسول الله، وما لم يثبت، إذ إن من منهج المحدثين في معرفة ضعف بعض متون السنة مخالفتها للقرآن الكريم) اهـ.
والجواب من وجهين: أحدهما: أن القرآن الكريم لما كانت أحكام العبادات فيه والتشريع مجملة غالبا، وكانت السنة مفصلة، سواء كانت قولية أو فعلية أو تقريرا، كان القرآن أحوج إليها من هذا الوجه.
وخذ مثلا: أمر الله عز وجل في كتابه الكريم في آيات كثيرة بالصلاة والزكاة، ولكنه سبحانه لم يبين أركانها، وواجباتها، وشروطها، وعددها، وما يبطلها، وكم نصاب الزكاة؟ وما يزكى، وما يترك، وأجناس المزكيات، وغير ذلك مما لم تبينه إلا السنة، فالقرآن أحوج إلى السنة من السنة إليه لهذا الوجه، ولتضمن السنة أحكام القرآن مفصلة.
الثاني: أن هذا القول على هذا الوجه لم ينفرد به البربهاري، بل قاله قبله: مكحول الشامي (ت 113 هـ) أحد أئمة التابعين ومحدثيهم وفقهائهم، بل هو عند أبي حاتم الرازي، وسعيد بن عبد العزيز أفقه أهل الشام بإطلاق.
وقال يحيى بن أبي كثير (ت 231 هـ) وهو أحد كبار أئمة التابعين: (السنة قاضية على القرآن، وليس القرآن بقاض على السنة) رواه عنه
الدارمي في " سننه "(587) ، وبوب عليه (باب السنة قاضية على القرآن) .
والمالكي يعلم مراد البربهاري، إلا أنه ارتضى التلبيس، فقد بين محقق " شرح السنة " - الردادي جزاه الله خيرا - للبربهاري (في الطبعة التي اعتمدها المالكي) مراد البربهاري، وساق ما ذكرته هنا وغيره في بيان ذلك.
والسنة الصحيحة غير المنسوخة لا تخالف القرآن، بل هي موافقة له، وما يراه بعضهم مخالفا فإن ذلك في تصوره وعقله، لا في حقيقة الأمر، أما ما لم يصح من السنة فلا ينظر فيه، وافق القرآن أم خالفه.