الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في زعم المالكي أن الحنابلة يكفرون أبا حنيفة وأصحابه ويذمونهم ويبدعونهم]
فصل
في زعم المالكي أن الحنابلة يكفرون أبا حنيفة وأصحابه! ويذمونهم!
ويبدعونهم! والرد عليه قال المالكي ص (106 - 107) تحت عنوان: " تكفير الإمام أبي حنيفة والحنفية وذمهم وتبديعهم في كتب الحنابلة ": (ساق عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 هـ) في كتابه " السنة " جملة من اتهامات وشتائم خصوم أبي حنيفة، تلك الاتهامات التي تصف أبا حنيفة بأنه. . .) ثم ساق نحو اثنين وأربعين وصفا أو عبارة.
والجواب من وجوه سبعة: أحدها: أن تلك الأقوال جميعها، ليست بأقوال حنابلة، بل ليس فيها من أقوال الإمام أحمد رحمه الله، إلا قولين أو ثلاثة! أما بقية تلك الأقوال: فلجماعة من الأئمة المتقدمين على أحمد! بل جملة منهم لم يدرك أحمد حياتهم، بله أن يكونوا أتباعا له؟ ! فمولده سنة (164 هـ) ، ووفاته رحمه الله سنة (241 هـ)، ومن أولئك:
. أيوب بن كيسان السختياني (ت 131 هـ) ،
. وعثمان بن مسلم البتي (ت 143 هـ) ،
. والأعمش سليمان بن مهران (ت 157 هـ) ،
. وعبد الله بن عون المزني (ت 150 هـ) ،
والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو (ت 157 هـ) ،
. وسفيان بن مسروق الثوري (ت 161 هـ) ، فهؤلاء كلهم لم يدرك أحمد حياتهم، فكيف كانوا حنابلة؟ ! ومتى؟ !
وساق عبد الله بن الإمام أحمد بأسانيده، أقوال آخرين، هم من طبقة شيوخ شيوخ أبيه، وليسوا بحنابلة أيضا، مثل:. همام بن يحيى العوذي (ت 165 هـ) ،
. وحماد بن سلمة (ت 167 هـ) ،
. والحسن بن صالح (ت 169 هـ) ،
. وأبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري (ت 176 هـ) ،
. ومالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة (ت 179 هـ) ،
. وحماد بن زيد (ت 179 هـ) ،
. وعبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) ،
. وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت 182 هـ) تلميذ أبي حنيفة وصاحبه،
. وأبي إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث (ت 185 هـ) ،
. وأبي خالد الأحمر سليمان بن حيان (ت 189 هـ) ،
. ويوسف بن أسباط (ت 195 هـ) ،
وساق بأسانيده أقوال جماعة آخرين من شيوخ أبيه، أو من طبقتهم، أو من أقرانه، مثل:
وكيع بن الجراح (ت 196 هـ) ،
. وسفيان بن عيينة (ت 198 هـ) ،
. والأصمعي عبد الملك بن قريب (ت 216 هـ) ،
. وهوذة بن خليفة (ت 216 هـ) ،
. ويحيى بن معين (ت 233 هـ) .
فهؤلاء كلهم، ليس فيهم حنبلي واحد، بله أن يكونوا كلهم حنابلة! فأين إنصاف هذا المنصف المزعوم؟ ! وما مقصده من هذا التلبيس؟
الوجه الثاني: أن عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله، ناقل لا قائل، وتابع لا متبوع، ولم يذكر هو شيئا في أبي حنيفة، وإنما روى في كتابه " السنة " ما حفظ عن أبيه وغيره من العلماء فيه. لهذا قال أول ذلك الباب (1 / 180) :(ما حفظت عن أبي وغيره من المشايخ في أبي حنيفة) . وكان أول أثر رواه في هذا الباب: ما سمعه من أبيه عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: " من حسن علم الرجل، أن ينظر في رأي أبي حنيفة "، فأين إنصاف هذا المنصف المزعوم؟ ! !
الوجه الثالث: أن أهل العلم، قد أسقطوا العهدة عمن روى الأحاديث الموضوعة والواهية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا ساقها بأسانيدها وإن كانت واهية، أو بين حالها إذا لم يروها بأسانيدها تلك. وهذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وحي وتشريع. فكيف يعاب على الإمام عبد الله بن أحمد،
روايته تلك الآثار في حق أبي حنيفة، وهو قد رواها بأسانيدها، وغالبها صحيح الإسناد؟ !
الوجه الرابع: أن عبد الله بن الإمام أحمد، لم ينفرد برواية تلك الآثار، بل رواها معه جماعة من حفاظ المسلمين، كالحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ) في كتابه العظيم " المعرفة والتاريخ "(1 / 779 - 803) و (3 / 21) و (2 / 277 و785) وهو متقدم على عبد الله.
ورواها أيضا، حافظ العراق، بل حافظ المشرق: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في تاريخه " تاريخ بغداد "(13 / 323 - 423) وغير هذين الإمامين، فلم يحمل على عبد الله، ويترك غيره؟ !
الوجه الخامس: أن هذا الزيدي المنصف المالكي! يتباكى - بزعمه - على انتقاص بعض الأئمة المتقدمين لأبي حنيفة، بينما ينتقص - هو - عشرات الأئمة، ممن تكلموا في أبي حنيفة، وهم أعلم وأعظم منه! كالإمام مالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، والثوري، وغيرهم.
ومراده ليس الدفاع عن أبي حنيفة، وإنما الطعن في أولئك، متسترا بذلك.
الوجه السادس: أن هذا المنصف! يعيب الطعن في الحنفية، وينتصر لهم بزعمه، وهو يرميهم بالتجهم! فقد زعم المالكي في كتابه ص (106) أن في كتاب عبد الله بن الإمام أحمد: (أن استقضاء الحنفية على
بلد، أشد على الأمة من ظهور الدجال) .
وهذا باطل غير صحيح، وإنما روى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناد صحيح (1 / 214) (352) إلى عبد الله بن المبارك أنه سئل: أيهم أسرع خروجا الدجال أو الدابة؟ فقال عبد الله بن المبارك: " استقضاء فلان الجهمي على بخارى، أشد على المسلمين من خروج الدابة، أو الدجال ".
فهل يرى المالكي أن الحنفية جهمية؟ ! وإلا لما أقحم قولا قيل في جهمي في الحنفية!
الوجه السابع: أن ما ساقه الإمام عبد الله بن أحمد في أبي حنيفة، لا يخرج عن أحد أمرين.
1 -
إما أمر عابه الأئمة المتقدمون على أبي حنيفة، وهم على حق، كرده جملة من الأحاديث التي بلغته، وأخذه بالرأي مع وجودها، وهذا النوع قد ساق جملة منه، الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (ت 325 هـ) في كتابه العظيم " المصنف " (13 / 148 - 282) قال في أول رده: (كتاب الرد على أبي حنيفة، هذا ما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ساق رحمه الله بأسانيده أربعمائة وخمسة وثمانين، ما بين حديث وأثر.
2 -
وإما شيء عابه الأئمة على أبي حنيفة في اعتقاده، فهذا يظهر رجوعه عنه، كما دلت عليه نقول أصحابه وغيرهم.
أما من حكم من الأئمة المتقدمين على أبي حنيفة أنه مات على تلك الأمور: فلم يبلغه الرجوع.
وهذا هو الأولى، لا أن ينتقص أحد بقول آخر، بل يمسك عن الجميع رحمهم الله، ما داموا على السنة أو تاب من خالفها، فعاد إليها.
وليس مقصد هذا الزيدي، الانتصار لأبي حنيفة - فليس أبو حنيفة عنده بأكرم من جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لاك أعراضهم - وإنما قصده، الغض من الأئمة الآخرين، كما تقدم.