الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رميه الحنابلة بالاستدراك على الشرع باشتراطهم فهم السلف الصالح لنصوص الوحيين]
فصل
في رميه الحنابلة بالاستدراك على الشرع! باشتراطهم فهم السلف الصالح لنصوص الوحيين، وهذا عنده بدعة! والرد عليه قال المالكي ص (178) تحت عنوان "الاستدراك على الشرع، أو بدعة اشتراط فهم السلف) : (ترى أصحاب العقائد- وأخص هنا أصحابنا السلفية- يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليقطعوا به كل آمال الاتفاق.
فالله عز وجل أرشدنا عند اختلافنا مع المسلمين، أن نرجع للكتاب والسنة؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] . فلما رأى أصحاب العقائد، ومنهم السلفية الحنابلة، أن العودة للكتاب والسنة، سيلغي أكثر الشئائم، والتكفيرات، والتبديعات، والمخالفات الموجودة في كتب العقائد: لجأوا إلى الزيادة على ما ذكره الله عز وجل بقولهم: "إن الكتاب والسنة لا تكفي، فلا خير في كتاب بلا سنة ولا خير في سنة بلا فهم السلف الصالح"!! وهكذا نفوا الخيرية عن الكتاب والسنة، بهذا الشرط البدعي الذي اشترطوه، وانتقصوا به من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن الكتاب والسنة- بلا شك- كافيان لكل مؤمن مهتد، في أمور دينه ودنياه.
لكن على فهم مَن نفهم نصوصهما، وقد اختلفت أفهام الناس لهما؟! أعلى فهم الجهمية؟! أم فهم المعتزلة؟! أم فهم الرافضة؟! أم فهم الخوارج؟! أم فهم الأشاعرة؟! أم فهم الباطنية؟! أم على فهم أئمة الإسلام والدين، السلف الصالح المزكين بالوحي وإجماع الأمة؟ فكل من ذكرت، يستدل بالكتاب، وتارة بالسنة، واستدلالاتهم من الآيات، مختلفة متباينة متناقضة! فتجعل طائفة آية ما، في وجوب أمر ما، وتجعلها طائفة أخرى في كفر موجبها!! وهكذا!!
ألم تعلم أن الأزارقة من الخوارج: استدلوا على جواز قتل أطفال المسلمين مع آبائهم، بقول الله تعالى:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] !! قالوا: فسماهم بالكفار وهم أطفال!! فكيف جاز ذلك في قوم نوح، ولا يجوز في قومنا؟! وما بيننا وبينهم إلا السيف!!
كما زعم كبيرهم نافع بن الأزرق (1) .
وقالت المطبخية- أتباع أبي إسماعيل المطبخي - بأن لا صلاة واجبة، غير ركعة بالغداة، وركعة بالعشي! واحتجوا بقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] .
(1) ذكر مذاهب الفرق الثنتين وسبعين للعلامة عبد الله بن أسعد اليافعي ص (36- 37) .
وكفَّرت الخوارج فاعلي الكبائر من المسلمين، بقول الله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن» الحديث.
بل زعمت جماعة من الخوارج: أن قول الله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71] : زعموا- لعنهم الله-: أن الذي استهوته الشياطين حيران، هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه!! ونفت المعتزلة وأشياعها: رؤية الله عز وجل في الآخرة، بقوله سبحانه:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] ، وأثبتها أهل السنة بهذه الآية، وقالوا: الإدراك بالبصر، قدر زائد على الرؤية. فما لا تدركه الأبصار: شيء تراه، لكنها لا تحيط به، كما ترى الأبصار البحار، ولا تدركها، وهكذا.
ونفت المعتزلة وأشياعها الرؤية بقوله سبحانه: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ، وأثبتها أهل السنة بهذه الآية، وقالوا: لو كان سبحانه لا يُرى لقال: (إني لا أُرى) ولم يقل: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ! فمَنْعه سبحانه موسى عليه السلام من الرؤية: يدل على جوازها عليه، وامتناعها على موسى لسبب
خارج، وهو كونه في الدنيا.
ولأهل السنة أدلة كثيرة من القرآن والسنة الصحيحة، بل بلغت حد التواتر، ولكن ذكرت ما سبق، لبيان ازدواج الاستدلال وتباينه.
وأمثلة هذا، كثيرة جدا، وما من فرقة إلا ويستدل أربابها بالقرآن على صحة معتقداتهم بمتشابهه، وهم الذين عَنى الله عز وجل في قوله سبحانه:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] .
فإذا عُلم هذا، وأن الجميع يستدلون- بحق وباطل- بالقرآن والسنة، فالمُحق يستدل بها على وجهها، والمبطل يصرفها بالتأويلات والمتشابهات: علمنا صحة ذلك الضابط، وأن يُفهم الوحيان على فهم السلف الصالح، المشهود لهم بالعلم والديانة والورع.
فإن أبى المالكي هذا: لزمه أحد أمرين:
إما أن يأخذ بهذه التأويلات كلها، وهي متعارضة متناقضة! .
أو يأخذ بشيء منها، ويترك آخر.
فالأول: مستحيل، غير ممكن.
والثاني: ممكن، ولكن ما ضابط ما يأخذ به وما يترك؟
إن قال: نأخذ بقول السلف الصالح: وافقنا.
وإن قال: غيرهم: فلِم أخذ بقولهم، ورد الآخرين؟!
وما عابه علينا، في أخذنا بفهم السلف الصالح: نعيبه عليه في أخذه بقول من ارتضى! بل العيب في حقه أكبر وأظهر.
* * *