الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في زعم المالكي أن سبب تحريم الحنابلة لعلم الكلام هو عدم معرفتهم لوظيفته]
فصل
في زعم المالكي أن سبب تحريم الحنابلة لعلم الكلام هو عدم معرفتهم
لوظيفته، وعدم فهمهم لحجج خصومهم، والرد عليه قال المالكي ص (137) :(ويحسن أن أسرد هنا نموذجا للحوار معهم في جدوى علم الكلام للإمام أبي الحسن الأشعري، وكان يرد على غلاة الحنابلة في عصره، الذين يحرمون علم الكلام، نتيجة عدم فهمهم لوظيفة علم الكلام نفسه، أو عدم فهمهم لحجج الآخرين من المعتزلة، وأصحاب الأشعري والكلابية وغيرهم) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن السلف قاطبة كانوا ينهون عن علم الكلام قبل الإمام أحمد وأصحابه وبعدهم، وسبق تقرير ذلك، فلا معنى لتخصيصهم.
والثاني: أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكان السلف وأهل السنة جميعا رحمهم الله أتم الناس علما وورعا وفقها، لذا كان حكمهم في علم الكلام وغيره حقا وصدقا وعدلا.
الثالث: أن سبب تأليف اليونانيين لكتب الفلسفة والمنطق وكتب الكلام هو غياب الوحي عنهم، وحاجتهم إلى معرفة الغيبيات وأمور
كثيرة لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي.
فحاول كبارهم الوصول إليها بعقولهم، وخافوا من زللها في تصوراتها، فوضعوا موازين وقواعد تعصم أذهانهم وعقولهم بزعمهم من الخطأ، ليجزموا بصحة ما وصلوا إليه.
فقدموا لما جهلوا أو أرادوا إثباته بمقدمات مسلمة ضرورة، ليصلوا إلى نتيجة مجهولة أو متنازع فيها، وما زادتهم تلك القواعد إلا ضياعا وضلالا في باب الإلهيات، والغيبيات عامة.
فإذا كانت هذه وظيفة علم الكلام، أيطلبه رجل قد رضي بالله تعالى ربا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالإسلام دينا، قد صدق بما جاء عن الله في كتابه الكريم، وما قاله نبيه صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين؟
لا والله، ولكن لما كان أولئك الضلال المبتدعة جهمية ومعتزلة ونحوهم شكاكا ذوي ريبة تختلج وتتلجلج في صدورهم، وتحشرجهم في نحورهم، عمدوا إليه عطاشى، فشربوا منه شرب الهيم، فما زادهم إلا عطشا، فلهذا تجدهم أجهل الناس بالكتاب والسنة وعلومها.
وزاد جهلهم بهما: طلبهم ما يناقضهما، ويعارضهما، فزادوا على الشر شرا أعظم منه، ولما بلغوا غايتهم فيه، وقضوا تهمتهم منه إذا بشكهم قد زاد، وما كان عندهم من إيمان قليل - قبل ولوجهم في علم الكلام - قد زال.
فكم أريقت دموع مخذول تحير في الحق، لا يدري بما يورد وبما يصدر، وكم تفوه آخر بالحسرات والعبرات، وحسد العجائز وذوي الجهالات لسلامة قلوبهم، وطهارة أنفسهم، وسأل الله إيمانا كإيمانهم بعد بلوغه في علم الكلام ما بلغ.
وقد قدمت في فصل سابق أقوال جماعة من كبار المتكلمين وأئمتهم، يتحسرون ويتندمون على دخولهم فيه، فهل يتمنى مؤمن ذلك أو يسعى إليه؟ حاشا لله.
الوجه الرابع: أن زعم المالكي أن الحنابلة - ومراده السلف جميعا - لم يفهموا حجج الآخرين من المعتزلة والكلابية والأشاعرة باطل إجماعا، غير صحيح.
بل إن مراد المعتزلة وغيرهم من المبتدعة في حججهم ظاهر بين، لا يحتاج إلى مزيد إيضاح، وهو كفر وردة عن الإسلام، ومحادة له، فإن أبى إلا قوله فليبين لنا مراد قومه المعتزلة من حججهم التي لم يفهمها السلف.
وكتب السلف رحمهم الله ومن بعدهم بين أيدينا، وأقوالهم - وهي لا تحصى - مدونة عندنا، تدل على معرفتهم التامة بحجج المخالفين ومرادهم.
وحجج الأئمة في نقض شبهات أولئك الضلال تدل عليه كذلك.
ولو سلمنا للمالكي - ولا نسلم - أن أحد أئمة السلف أو العلماء قد خفي عنه مقصد أولئك الضلال، أو غاب عنه فهمه لحجتهم، فكفرهم بأقوالهم تلك، أفيشمل ذلك الجهل بحجة الخصم، وفهمها السلف جميعا، وأهل السنة قاطبة بعدهم، فيجمعون على كفر أولئك، وهم لم يفهموا مرادهم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.