الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في زعم المالكي أن المستفيد من كتب اعتقاد المسلمين هم أعداء الإسلام]
فصل
في زعم المالكي أن المستفيد من كتب اعتقاد المسلمين، هم أعداء الإسلام
وإيجابه الاقتصار على الإيمان الجملي بأركان الإيمان الستة! والإتيان بالواجبات الكبرى! والانتهاء عن المنهيات الكبرى!
ليتحد المسلمون، ويكونوا صفا واحدا! والرد عليه، وبيان أن هذا باب الزندقة قال المالكي ص (27) : (وأكثر المستفيدين من التراث العقدي، المليء بالتكفير والتفسيق والتبديع، هم أعداء الأمة الإسلامية، من أهل الإلحاد، واليهود والنصارى.
واستفادتهم لم تكن مؤامرة منهم، وإنما بمبادرة منا نحن المسلمين، الذين رضينا أن نعيش في الصراعات المزمنة، وننسى المهمة الكبرى، التي يجب أن نقوم بها، من الاعتصام بحبل الله، والالتقاء على الأصول الجامعة، من الإيمان الجملي، بالله، واليوم الآخر، والرسل، والكتب، والأنبياء، والقضاء والقدر.
وفعل الواجبات الظاهرة: من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة.
والأخلاق الواجبة: من عدل، وصدق، وأمانة، ووفاء، وتعاون إلخ. وتزك المحرمات المعروفة: من ظلم، وسرقة، ونهب، وغش، وزنا، وشرب للخمر، وكذب، وخيانة، إلخ.
فهذه الإيمانيات الكبرى، والواجبات الكبرى، والمنهيات الكبرى: علامات بارزة، لمن أراد الهداية والاستقامة، وكان له حط من تدبر وتعقل.
وهذه الإيمانيات، والواجبات، والمنهيات، كل لا يتجزأ، وهي التي يتفق عليها جميع المسلمين.
فالاعتصام بهذه الأصول الكبرى، مع الاتفاق بين المسلمين، كانت خيرا للمسلمين، من التركيز على الفرعيات والجزئيات، التي لا يمكن الاتفاق فيها، مع ما يسببه هذا، من التفرق، والاختلاف بينهم، فما نكرهه في الاجتماع، خير مما نحبه في الفرقة) اهـ كلامه.
والجواب من وجوه: أحدها: أنا لا نسلم أن المستفيد من كتب العقائد السلفية السنية، هم أعداء الأمة الإسلامية! ولا وجه لذلك.
بل أعداء الأمة هم المستفيدون من تركها، ليدخل في المسلمين غيرهم من الكفرة والملحدين ونحوهم، ممن تتضمن عقائدهم، مزعزعات في العقيدة الصحيحة، في الله جل جلاله، أو في دلالة الكتاب والسنة، أو صحتهما، ونحو ذلك.
الثاني: أن الإيمان الجملي بأركان الإيمان الستة: بالله، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره: لا يصح ولا ينفع صاحبه، إذا خالطه شيء مما يبطله، أو لم يؤمن ببعض فروع
تلك الأصول، إذا بلغته فردها.
فهل يكون مؤمنا بالله جل وعلا: من أنكر أسماءه وصفاته؟! أو آمن ببعض وكفر ببعض؟! أو رد شيئا من كلام الله تعالى؟!
وهل يكون مؤمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: من رد ما ثبت عنه بغير وجه حق، بل بأمور بدعية محدثة، لم يعرفها المسلمون في سالف عصرهم؟!
وهل يكون مؤمنا بكتب الله سبحانه: من زعم أنها ليست كلام الله حقيقة وأن القرآن لم يتكلم به الله على الحقيقة وإنما خلقه كسائر مخلوقاته؟!
وهل يكون مؤمنا باليوم الآخر وما فيه: من أنكر أحواله التي وصفها الله سبحانه لنا، أو وصفها رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بغضها، كالميزان حقيقة، ووزن الأعمال به، ومخاطبة الله سبحانه لعبيده في ذلك اليوم العظيم، ورؤيتهم له، وإتيانه إليهم، والصراط ونصبه، والحوض، وغير ذلك مما صح وثبت؟!
وهل يكون مؤمنا بالقدر خيره وشره: من يقول بالجبر أو ينفيه؟! فالإيمان بأركان الإيمان السابقة، دون معانيها المذكور شيء منها سابقا، هو إيمان بألفاظ لا يدرى معناها الحق! وماذا يتضمن ذلك اللفظ من معان، يجب فيها، ما يحب في أصلها.
وأما الاقتصار على الإتيان بالواجبات الكبرى -كما يسميها المالكي - وتجنب المنهيات الكبرى: فهو باطل كذلك.
لأن سبب الإتيان بالطاعة، أو الامتناع عن المعصية: هو أمر الله سبحانه أو نهيه، أو أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، أو نهيه، لا كونها كبرى أو صغرى! أو اختلف الناس فيها! أو لم يختلفوا! فمن بلغه أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الموجب الصحيح غير المنسوخ فرده، أو نهيه فلم يجتنبه: كان عاصيا آثما باغيا، وافقه غيره أو لم يوافقه، قال سبحانه وتعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92] . وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] . وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] .
وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68] . والآيات في هذا، والأحاديث كثيرة معلومة.
فبأي حجة أو دليل، يرد المالكي أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؟! إلا بزندقة يراد منها، أن تؤتى معاصي الله، وتجتنب مراضيه، بحجة اجتماع الناس!
ألا يأمرهم أيضا، بترك ما أبقاه لهم من طاعات، حتى يكون الجمع أكبر؟! ويدخل فيهم اليهود والنصارى والصابئون؟!
أليست الكثرة مقصدا صحيحا عنده؟! فهكذا أكثر! والجمع أكبر! وأبى الله إلا أن يملأ جهنم.
الثالث: أن المالكي يأمر الناس أن يقتصروا على الإيمان الجملي بالكليات، والإتيان بالطاعات الكبرى! واجتناب المعاصي الكبرى! وهو -مع بطلان هذه المزاعم وفسادها كما سبق- يناقض نفسه! ويخالف أمره! فلماذا لا يلتزم بما نصح به، ودعى إليه، ويترك البحث في عدالة الصحابة؟! ومن يصح أن يسمى منهم صحابيا، ومن لا يصح! وهل القعقاع بن عمرو التميمي، رجل له حقيقة ووجود؟! أو مختلق مفقود؟!
ولماذا لا يترك الطعن في عقائد السلف الصالح، تحت ستار الطعن في عقائد الحنابلة؟! ويترك النصب والنواصب؟! والبحث في عبد الله بن سبإ؟! وهلم جرا.
أم أنه أصبح يراها من الإيمانيات الكبرى، التي لا يصح الإسلام إلا بها! فمن لم يعتقد أن القعقاع بن عمرو رجل مختلق، فهو مرتد لا يصح إسلامه؟!