الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في رمي المالكي فرق المسلمين عامة بالتناقض وخصه الحنابلة بمزيد من التناقضات]
فصل
في رمي المالكي فرق المسلمين عامة بالتناقض، وخصه الحنابلة بمزيد من التناقضات
التي تجعلهم كثر تناقضا من المعتزلة والأشاعرة، والرد عليه قال المالكي ص (136) :(وهذه مصيبة عامة، لا تكاد تنجو منها فرقة من فرق المسلمين للأسف، لكنها في غلاة الحنابلة، تبدو أكثر وضوحا من الأشاعرة، والمعتزلة على الأقل) اهـ.
والجواب: أن الله عز وجل لما كان كتابه الكريم، سالما من التناقض، لأنه من عنده سبحانه، وكذلك كانت سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان أهل السنة جميعا بما فيهم الحنابلة، أشد الناس تمسكا بهما، وانتصارا لحماهما سلموا من التناقض في عقائدهم، لهذا لم يستطع المالكي أن يمثل على ذلك بمثال واحد صحيح فقط.
أما أهل البدع، كالمعتزلة والأشاعرة، فحظهم من التناقض بقدر بعدهم من السنة، وحظهم من الصواب بقدر إصابتهم للسنة وقربهم منها.
قال أبو المظفر السمعاني (ت 489 هـ) رحمه الله:
(ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق أنك لو طالعت جميع
كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطرا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافا، ولا تفرقا في شيء ما، وإن قل.
بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبن من هذا، قال الله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وقال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] .
وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين، أو شيعا وأحزابا، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يبدع بعضهم بعضا.
بل يرتقون إلى التكفير، يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره.
تراهم أبدأ في تنازع، وتباغض، واختلاف، تنقضي أعمارهم، ولما تتفق كلماتهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14] .
أو ما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغدادين.
ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي ابنه أبا هاشم، وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي، وكذلك سائر رءوسهم.
وأرباب المقالات منهم، إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض.
وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم، وسائر المبتدعة بمثابتهم، وهل على الباطل دليل أظهر من هذا، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا (1) دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام: 159] .
وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والاختلاف.
وأهل البدع أخذوا الدين من المعقولات والآراء، فأورثهم الافتراق والاختلاف.
فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما يختلف، وإن اختلف في لفظ أو كلمة، فذلك اختلاف لا يضر الدين، ولا يقدح فيه.
وأما دلائل العقل فقلما تتفق، بل عقل كل واحد يري صاحبه غير ما يرى الآخر، وهذا بين والحمد لله) انتهى كلام أبي المظفر
(1) في الأصل: "فارقوا" على قراءة.
السمعاني، نقله عنه الحافظ أبو القاسم التيمي رحمهما الله، في كتابه العظيم "الحجة في بيان المحجة"(2 / 224 - 227) .