الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في زعمه أن من صفات الحنابلة الأمر بقطيعة الرحم من أجل العقيدة]
فصل
في زعمه أن من صفات الحنابلة الأمر بقطيعة الرحم من أجل العقيدة،
والرد عليه قال المالكي ص (169) في سياقه صفات الحنابلة بزعمه، تحت عنوان " الأمر بقطيعة الرحم من أجل العقيدة ":(الله عز وجل أمر بصلة الرحم، ولو كان الأرحام كفارا، وأخص الأرحام هما الوالدان، فأمر الله عز وجل بالإحسان إلى الوالدين ولو كانا كافرين، لكن لا يطيعهما الإنسان إذا أمراه بالكفر، أما أصحاب العقائد من غلاة الحنابلة فيرون أنه يجب على الابن ألا يكلم أباه إذا كان هذا الوالد يرى أن القرآن مخلوق، أو توقف " السنة " للخلال (5 / 143)) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقطيعة الرحم من أجل العقيدة فحسب، بل وقتالهم وسفك دمائهم، والبراءة منهم، كما هو هدي أنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - نوح مع ابنه وقومه، وإبراهيم مع أبيه وقومه، ولوط مع زوجه، ومحمد صلى الله عليه وسلم مع قومه وعمه وبني عمه، وهكذا صحابته رضي الله عنهم، وأئمة الهدى المقتدين بهم.
قال الحافظ ابن كثير عندها في "تفسيره ":
(وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية- {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [المجادلة: 22] إلى آخرها- في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة:"ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته ".
وقيل في قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] : نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر.
{أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] في الصدِّيق هَمَّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن.
{أَوْ إِخْوَانَهُمْ} [المجادلة: 22] في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ.
{أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا.
وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ، فالله أعلم) .
ثم قال ابن كثير: (ومن هذا القبيل: حين استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يفادوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم.
وقال عمر: لا أرى ما رأى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! هل تمكنني من فلان- قريب لعمر - فأقتله، وتمكن عليا من عقيل، وتمكن فلانا من فلان، ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين، القصة بكمالها) .
ثم قال ابن كثير: (وفي قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة: 22] سر بديع، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى، عوضهم بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه، بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم) اهـ كلام ابن كثير رحمه الله.
والمحادّة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم: درجات، فمنها ما يكون بالكفر والشرك، كمحادة المشركين واليهود والنصارى، ومن ذلك أيضا: محادة الرافضة والجهمية والباطنية وأضرابهم.
ومن المحادة أيضا، دون ذلك، كمحادة أهل البدع، ممن لم تخرجهم بدعهم من الإسلام.
ومنها دون ذلك، كمحادة العصاة وأصحاب الكبائر، حتى جعل بعض الأئمة: سلاطين الجور المسلمين من المحادين كسفيان رحمه الله وغيره.
ويجب في كل نوع: الهجر، وعدم الموادة، والبراءة إلى الله من أصحابها، ونصحهم، وزجرهم، إلا أنهم في ذلك درجات، حسب درجات محادتهم.
إلا إن كان في صلة أولئك: مصلحة شرعية راجحة، فتُراعى المصلحة، علها تتحقق.
الثاني: أن ما حكاه المالكي، وعزاه "للسنة" للخلال (5 / 143) : باطل غير صحيح، ففي ذلك الموضع، ما يخالف ما زعمه المالكي، وهذا نص ما عند الخلال في ذلك الموضع، قال رحمه الله: (أخبرنا محمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجرائي قال: سألت أبا عبد الله عن رجل له والد واقفي، فقال:"يأمره ويرفق به ".
قلت: فإن أبى! يقطع لسانه عنه؟
قال: (نعم) اهـ.
ثم قال الخلال: (وأخبرنا محمد بن أبي حرب قال: سألت أبا عبد الله عن رجل له أخت أو عمة، ولها زوج واقفي؟
قال: "يلتقي بها، ويسلم عليها".
قلت: فإن كانت الدار له؟
قال: "يقف على الباب، ولا يدخل ") .
ثم قال الخلال: أخبرنا أحمد بن أصرم المزني قال: سمعت أبا عبد الله، قال له رجل: إن لي أخا واقفيا، فأقطع لساني عنه؟
قال: نعم، نعم " مرتين أو ثلاثا) اهـ النقل من "السنة" للخلال.
قلت: هذا جميع ما ذكره الخلال رحمه الله، في الموضع الذي عزا إليه المالكي، وذكر فيه ما ذكر، وليس فيه شيء مما زعمه!
فإذا ظهر هذا، علمت بغي المالكي أيضا في قوله ص (169) بعد كلامه السابق، حين قال معلقا: (وهذا ما لا أعلمه في طائفة من الطوائف؛ لما للوالدين من مكانة كبيرة حث عليها الإسلام.
وقد سمعنا في زماننا هذا بمن يهجر والديه لأدنى مخالفة، سواء في العقائد أو الأحكام!!
وهذه نتيجة طبيعية، لهذه الكتب يجب ألا نغضب منها!! ما دمنا نصحح مضامينها!!) اهـ كلامه.
وهذه نتيجة فاسدة، بمقدمة كاذبة، كما بينا سابقا.
ولا أدري هل المالكي يعني بمن سمع به في زماننا هذا، أنه يهجر والديه لأدنى مخالفة سواء في العقائد أو الأحكام: ذلك العاق! الذي كان يكره أباه ويعقه، لذبه عن معاوية، وشدته على زوجته، لانحرافها عنه أو لا؟!! والمالكي يعلم من أعني!!