الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في زعم المالكي أن المصنفين أقحموا في كتب العقيدة مباحث ليست منها]
فصل
في زعم المالكي أن المصنفين أقحموا في كتب العقيدة مباحث ليست منها
كمبحث الصحابة، والدجال وغيرها! وإبطال زعمه، والرد عليه قال المالكي ص (28) :(إضافة إلى ذلك، فإن المؤلفين في كتب العقائد: لم يرضوا بهذا، حتى أدخلوا في العقيدة أمورا أخرى، ووسعوا جانب العقيدة، مع تشدد على المخالفين، فأدخلوا مباحث الصحابة، والدجال، والمهدي المنتظر، والمسح على الخفين، والجهر بالبسملة، وغير ذلك من الأخبار أو المواعظ أو الأحكام. فضلا عن التكفير، والتبديع، ونشر الأكاذيب. أدخلوا كل هذا وزيادة في العقيدة، وأصبح المخالف في شيء من ذلك، مبتدعا عندهم) اهـ
والجواب عن هذا الهذيان: أنه لما كان من أصول الإيمان، ومعاقد الإسلام المجمع عليها: الإيمان بما جاء عن الله عز وجل، وصح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، إيمانا مجملا، ومفصلا بما بلغ المسلم منها. وكان كلما خرجت طائفة وفرقة، كذبت بشيء مما جاء عن الله جل وعلا، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم: نص أئمة الإسلام -مقابل ذلك- على الإيمان بذلك الأمر خصوصا، والإيمان عموما بكل ما جاء، لخلل هذا الإيمان الكلي، بعدم الإيمان بجزء من فروعه.
لذا لا تراهم نصوا على الإيمان بشيء من فروع تلك الأصول، إلا بعد ظهور من يكذب بها، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم، لم يكتفوا بالأمر بالإيمان بالغيب وأمور الآخرة على الإجمال، وصرحوا بوجوب الإيمان بأمور فرعية منها، لما ظهر التكذيب ببعض فروعها في عهدهم في القرن الهجري الأول، وضللوا من لم يؤمن بها وبدعوه، كعبيد الله بن زياد لما كذب بالحوض، أخبروه بصحة الأحاديث فيه، وأغلظوا عليه القول، وزجروه، وبدعوه، ومنهم: أبو برزة الأسلمي، وزيد بن أرقم، والبراء، وعائذ بن عمرو وغيرهم رضي الله عنهم جميعا.
وذكر بعض أهل العلم أن ابن زياد رجع عن ذلك، لما رواه الإمام أحمد في "مسنده" (2 / 162 - 163) أن أبا سبرة حدث ابن زياد عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«موعدكم حوضي» ، فقال ابن زياد:(أشهد أن الحوض حق) .
وكان ابن زياد ضالا ظالما مبتدعا، جمع إلى النصب الرفض، ولي البصرة سنة (55 هـ) وله ثنتان وعشرون سنة، وولي خراسان، وقتل يوم عاشوراء سنة (67 هـ) . وصح عند الترمذي (3780) بإسناد صححه أنه لما جئ برأس ابن زياد قتيلا، أتت حية فدخلت في منخره، فمكثت هنيهة، ثم خرجت وغابت، ثم عادت ففعلت ما فعلت، مرتين أو ثلاثا.
قال الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(3 / 545-546) : (كان جميل الصورة، قبيح السريرة
…
. وقد جرت لعبيد الله خطوب،
وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسن رضي الله عنه اهـ.
أما حفظ حق الصحابة رضي الله عنهم، ومعرفة فضل الأربعة الخلفاء الراشدين على ترتيبهم، والإمساك عما شجر بينهم، وذكر فضلهم، وكف اللسان عن غمطهم: فمن الإيمان بلا شك، وقد أمر الله ورسوله بذلك.
وأجمعت الأمة كلها، سنة ومبتدعة، على أن مبحث الصحابة رضي الله عنهم مبحث عقدي، ولم تخل كتب معتقداتهم باختلاف مذاهبهم منها، فالمهتدون يعتقدون فيهم ما سبق، والضالون المضلون يعتقدون خلافه.
وإن كان المالكي لا يرى مباحث الصحابة داخلة في العقيدة، وقد أمر المسلمين -ليتحدوا- بالاقتصار على الإيمان بالأركان الستة، إيمانا جمليا: فلم كتب في مبحثهم وهو غير عقدي عنده، وترك مباحث الاعتقاد الجملي الكلي؟!
وكذلك الإيمان بالمسيح الدجال: قد تواترت أحاديثه، ولا يردها إلا ضال استبان ضلاله.
والمهدي: قد ثبتت أحاديثه وصحت، بل قال جماعة من أهل العلم: إنها متواترة، منهم:
محمد بن عبد الرسول البرزنجي (ت 1103هـ) .
ومحمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (ت 1188 هـ) .
ومحمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ) .
ومحمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (ت 1345 هـ) .
وقد أفرد جماعة من أهل العلم المهدي بالتصنيف، منهم: أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب، ابن أبي خيثمة (ت 279 هـ) .
وأبو الحسن أحمد بن جعفر ابن المنادي (ت 336 هـ) .
وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 656 هـ) .
ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658 هـ) .
ويوسف بن يحيى السلمي الشافعي (ت 685 هـ) .
وإسماعيل بن عمر ابن كثير القرشي الشافعي (ت 774 هـ) .
وعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت 911 هـ) .
وابن كمال باشا أحمد بن سليمان الحنفي (ت 940 هـ) .
ومحمد بن علي ابن طولون الصالحي الحنفي (ت 953 هـ) .
وأحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي (ت 974 هـ) .
وعلي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 هـ) له فيه كتابان.
وعلي بن سلطان القاري الحنفي (ت 1014هـ) .
ومرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت 1033 هـ) .
ومحمد بن إسماعيل الصنعاني، ابن الأمير (ت 1182 هـ) .
ومحمد بن علي الشوكاني (ت1250 هـ) .
وأحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي (ت 1380 هـ) .
وحمود بن عبد الله بن حمود التويجري الحنبلي (ت 1413 هـ) .
وعبد العليم بن عبد العظيم البستوي (معاصر) في كتابين، أحدهما في الأحاديث الصحيحة التي وردت فيه، وأقوال العلماء، والآخر في الأحاديث الضعيفة، وهما كتابان نافعان.
هذا طرف ممن صنف فيه من أهل العلم، وأثبته، من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وهم أكثر من هؤلاء، ولكن ما سقته، فيه خير، ويغني ذا البصيرة، ومن أراد الهداية والحق. أما المبطل: فقد قال فيه سبحانه: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] .
قال الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي (ت 363 هـ) في كتابه "مناقب الشافعي ": (وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه، في طول من قصته وأمره) اهـ.
واستشهد الأئمة بكلام الآبري رحمهم الله جميعا، مقرين بما قاله، ومنهم:
محمد بن أحمد الخزرجي القرطبي (ت 671 هـ) في "التذكرة"(2 / 723) .
وأبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي الشافعي (ت 742 هـ) .
ومحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الحنبلي (ت 751 هـ) في "المنار المنيف".
والحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ) في "فتح الباري"(6 / 494) ، و"تهذيب التهذيب "(9 / 144) .
ومحمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي (ت 902 هـ) في "فتح المغيث"(3 / 14) .
والجلال عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت 911 هـ) ، في غير كتاب.
وأحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي (ت 974 هـ) في "الصواعق المرسلة"(ص 99) وغيره.
وعلي بن سلطان القاري المكي الحنفي (ت 1014 هـ) .
ومرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت 1033 هـ) .
ومحمد بن عبد الرسول البرزنجي (ت 1103 هـ) .
ومحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني (ت 1122 هـ) ، وغيرهم.
وقد أنكره بعض أهل البدع، ومنهم ابن خلدون في "تاريخه"، ولم يكن من أصحاب هذا الشأن.
بل مع إنكاره، أو تشكيكه في صحة أحاديث المهدي: اعترف بشهرة أمر المهدي بين أهل الإسلام كافة، فقال في "تاريخه" (1 / 555) : (اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار: أنة لا بد في
آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى المهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده -من أشراط الساعة الثانية في الصحيح- على أثره. وأن عيسى ينزل من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته) اهـ.
وهذا باب يطول فيه التفصيل، ويغني عنه ما تقدم من الإجمال والتجميل {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125] .