الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحتمل أن يكون مراده بالدُّول والقسم: الأحوال التي تتداول عليه
(1)
ويختلف سيرها، والقِسَم التي نالته من الله ما كان قياس سعيه واجتهاده أن يحصل له أكثرُ منها؛ فيذعن لِما غالب قياسَه منها، ويسلِّم للقسَّام المعطي بحكمته وعدله. فإنَّ مِن عباده من لا يُصلحه إلّا الفقر، ولو أغناه لأفسده ذلك. ومنهم من لا يصلحه إلَّا الغنى، ولو أفقره لأفسده ذلك. ومنهم من لا يُصلحه إلَّا المرض، ولو أصحَّه لأفسده ذلك. ومنهم من لا يصلحه إلَّا الصحَّة، ولو أمرضه لأفسده ذلك.
قوله: (والإجابة لما يفزع المريد من ركوب الأحوال)، يقول: إنَّ صاحب هذه الدرجة مِن قوَّة التسليم يهجم على الأمور المفزعة ولا يلتفت إليها، ولا يخاف منها من ركوب الأحوال واقتحام الأهوال، لأنَّ قوَّة تسليمه تحميه من خطرها، فلا ينبغي أن يخاف، فإنّه في حصن التسليم ومَنَعته وحمايته.
فصل
قال
(2)
:
(الدرجة الثانية
(3)
: تسليم العلم إلى الحال، والقصد إلى الكشف، والرَّسم إلى الحقيقة).
أمَّا (تسليم العلم إلى الحال) فليس المراد منه تحكيمَ الحال على العلم، حاشا الشيخ من ذلك، وإنَّما أراد الانتقال من الوقوف عند صور العلم
(1)
ع: «على السالك» .
(2)
«المنازل» (ص 37).
(3)
ع: «الثالثة» ، خطأ.
الظاهرة إلى معانيها وحقائقها الباطنة وثمراتها المقصودة منها، مثل الانتقال من محض التقليد والخبر إلى العيان واليقين، حتَّى كأنَّه يرى ويشاهد ما أخبر به الرسول، كما قال تعالى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]، وقال:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19].
وينتقل من الحجاب إلى الكشف، فينتقل من العلم إلى اليقين، ومن اليقين إلى عين اليقين، ومن علم الإيمان إلى ذوق طعم الإيمان ووَجْدِ
(1)
حلاوته، فإنَّ هذا قدرٌ زائدٌ على مجرَّد علمه، ومن علم التوكُّل إلى حاله، وأشباه ذلك.
فيسلِّم العلم الصحيح إلى الحال الصحيح، فإنَّ سلطان الحال أقوى من سلطان العلم. فإن كان الحال مخالفًا للعلم فهو مَلِك ظالم، فليخرج عليه بسيف العلم، وليحكِّمه عليه.
وأمَّا (تسليم القصد إلى الكشف)، فليس معناه أن يترك القصد عند معاينة الكشف، فإنَّه متَّى ترك القصد خلع ربقة العبوديَّة من عنقه. ولكن يجعل قصده سائرًا طالبًا لكشفه يؤمُّه، فإذا وصل إليه سلَّمه إليه وصار الحكم للكشف، إذ القصد آلة ووسيلة إليه. فإن كان كشفًا صحيحًا مطابقًا للحقِّ في نفسه كُشِف له عن آفات القصد ومفسداته ومصحِّحاته وعيوبه، فأقبل على تصحيحه بنور الكشف. لا أنَّ صاحب القصد ترك القصد لأجل الكشف، فهذا سير أهل الإلحاد الناكبين عن سبيل الحقِّ والرشاد.
(1)
ع: «ووجدان» .