الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
منزلة المراقبة
. قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52]، وقال تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]
(1)
.
وفي حديث جبريل عليه السلام أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإحسان؟ فقال: «أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
(2)
.
المراقبة: دوام علم العبد
(3)
وتيقُّنه باطِّلاع الحقِّ سبحانه على ظاهره وباطنه، فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه رقيبٌ عليه، ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، مطَّلعٌ على عمله كلَّ وقتٍ وكلَّ لحظةٍ
(4)
. والغافل عن هذا بمعزلٍ عن حال أهل البدايات، فكيف بحال المريدين؟ فكيف العارفين
(5)
؟!
(1)
(2)
أخرجه البخاري (50) ومسلم (9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما أخرجه مسلم (8) من حديث عمر رضي الله عنه.
(3)
ع: «القلب» .
(4)
زاد في ع: «وكلَّ نَفَس وكلَّ طرفة» .
(5)
كذا في النسخ مجرورًا، أي: فكيف بحال العارفين؟ وقد أُثبتت «بحال» في ع.
قال الجُرَيريُّ رحمه الله: من لم يُحكم بينه وبين الله تعالى التَّقوى والمراقبةَ لم يصل إلى الكشف والمشاهدة
(1)
.
وقيل: من راقب اللهَ في خواطره عَصَمه في جوارحه
(2)
.
وقيل لبعضهم: متى يهشُّ الراعي غنمَه بعصاه عن مراتع الهلكة؟ فقال: إذا علم أنَّ عليه رقيبًا
(3)
.
قال الجنيد رحمه الله: من تحقَّق في المراقبة خاف على فوت حظِّه
(4)
من ربِّه لا غير
(5)
.
وقال ذو النُّون رحمه الله: علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظَّم الله، وتصغير ما صغَّر الله
(6)
.
وقيل: الرجاء يجرُّك
(7)
إلى الطاعة، والخوف يبعدك عن المعاصي،
(1)
أسنده البيهقي في «الزهد الكبير» (906) والقشيري (ص 448).
(2)
ع: «حركات جوارحه» خلافًا «للقشيرية» (ص 449) مصدرِ المؤلف. وذكره الخركوشي في «تهذيب الأسرار» (ص 107) عن ذي النون المصري بأطول منه.
(3)
أسنده البيهقي في «شعب الإيمان» (854) عن أبي العباس بن سريج رحمه الله إمام الشافعية في عصره (ت 306). وذكره القشيري (ص 449) عن أبي الحسين بن هند الفارسي الصوفي.
(4)
ع: «لحظه» .
(5)
«القشيرية» (ص 449).
(6)
«القشيرية» (ص 449). وأسنده البيهقي في «الشعب» (1528) بأطول منه.
(7)
ج، ن:«يحرِّكك» . وما في سائر النسخ عدا ع مهمل غير منقوط، فيمكن قراءته:«يحرِّك» كما في طبعتي الفقي ودار الكتب. والمثبت موافق لمطبوعة «القشيرية» (ص 450).
والمراقبة تؤدِّيك إلى طريق الحقائق.
وقيل: المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحقِّ مع كلِّ خطرةٍ وخطوةٍ.
قال الجريريُّ رحمه الله: أمرُنا هذا مبنيٌّ على فصلين: أن تلزم نفسك المراقبةَ لله، ويكونَ العلم على ظاهرك قائمًا
(1)
.
وقال إبراهيم الخوَّاص رحمه الله: المراقبة خلوص السِّرِّ والعلانية لله عز وجل
(2)
.
وقيل: أفضل ما يُلزم الإنسان نفسَه في هذه الطريق: المحاسبة والمراقبة، وسياسة عمله بالعلم
(3)
.
وقال أبو حفصٍ لأبي عثمان النَّيسابوريِّ ــ رحمهما الله ــ: إذا جلست للناس فكن واعظًا لقلبك ولنفسك، ولا يغرَّنَّك اجتماعُهم عليك، فإنَّهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك
(4)
.
وأرباب الطريق مجمعون على أنَّ مراقبة الله في الخواطر: سببٌ لحفظه في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سرِّه حفظه الله في حركاته وعلانيته
(5)
.
والمراقبة هي التعبُّد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير؛ فمن عقل هذه الأسماء وتعبَّد بمقتضاها حصلت له المراقبة.
(1)
أسنده القشيري (ص 450).
(2)
«القشيرية» (ص 450).
(3)
أسنده القشيري (ص 450) عن أبي عثمان المغربي النيسابوري رحمه الله (ت 373).
(4)
أسنده القشيري (ص 450).
(5)