الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال صاحب «المنازل» رحمه الله
(1)
: (المراقبة: دوام ملاحظة المقصود، وهي على ثلاث درجاتٍ.
الدرجة الأولى: مراقبة الحقِّ تعالى في السَّير إليه
على الدّوام، بين تعظيمٍ مُذهلٍ، ومُداناةٍ حاملةٍ، وسرورٍ باعث).
فقوله: (دوام ملاحظة المقصود) أي دوام حضور القلب معه.
وقوله: (بين تعظيم مذهل) ــ وهو امتلاء القلب من عظمته بحيث يُذهله ذلك عن تعظيم غيره وعن الالتفات إليه ــ فلا ينسى هذا التعظيم عند حضور قلبه مع الله، بل يستصحبه دائمًا؛ فإنَّ الحضور مع الله يوجب أنسًا ومحبةً إن لم يقارنهما تعظيمٌ أورثاه خروجًا عن حق العبوديَّة ورعونةً، فكلُّ حبٍّ لا يقارنه تعظيم المحبوب كان سببًا
(2)
للبعد عنه والسُّقوط من عينه.
فقد تضمَّن كلامه خمسة أمورٍ: سيرٌ إلى الله، واستدامة للسير، وحضور القلب معه، وتعظيمه، والذُّهول بعظمته عن غيره.
وأمَّا قوله: (ومداناة حاملة)؛ يريد دنوًّا وقربًا حاملًا على هذه الأمور الخمسة. وهذا الدُّنوُّ يحمله على التّعظيم الذي يذهله عن نفسه وعن غيره، فإنه كلَّما ازداد قربًا من الحقِّ ازداد تعظيمًا له وذهولًا عن
(3)
سواه وبُعدًا عن الخلق.
وأمّا (السُّرور الباعث) فهو الفرحة والنعيم واللذَّة التي يجدها في تلك
(1)
(ص 29).
(2)
ع: «فهو سبب» .
(3)
م، ش:«عمَّا» .
المداناة، فإنَّ سرور القلب من الله وفرحَه وقرَّةَ العين به لا يشبهه شيءٌ من نعيم الدُّنيا البتة، وليس له نظيرٌ يقاس به. وهو حالٌ من أحوال الجنَّة
(1)
، حتَّى قال بعض العارفين: إنّه ليمرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهل الجنَّة في مثل هذا إنَّهم لفي عيشٍ طيِّب.
ولا ريب أنَّ هذا السُّرور يبعثه على دوام السَّير إلى الله وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته، ومن لم يجد هذا السُّرور ولا شيئًا منه فليتَّهم إيمانَه وأعماله، فإنَّ للإيمان حلاوةً من لم يذقها فليرجع وليقتبس نورًا يجد به حلاوة الإيمان.
وقد ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذوقَ طعم الإيمان ووَجْدَ حلاوته، فذكر الذوق والوجد وعلَّقه بالإيمان فقال:«ذاق طعمَ الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ رسولًا»
(2)
(3)
.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة ــ قدَّس الله روحه ــ يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحًا فاتَّهمه، فإنَّ الربَّ تعالى شكورٌ. يعني: أنَّه لا بدَّ أن يثيب العامل على عمله في الدُّنيا مِن حلاوةٍ يجدها في قلبه وقوَّةٍ وانشراحٍ وقرَّةِ عينٍ، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخولٌ.
(1)
م، ع:«أهل الجنة» .
(2)
أخرجه مسلم (34) من حديث العباس.
(3)
أخرجه البخاري (16) ومسلم (46) من حديث أنس.