الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعطائه ومنعه وتأثيره إلى الله. وهذه إشارة إلى الفناء، ومراده: الصُّعود عن شهود ما سوى الله إلى الله. والكمال في ذلك: الصُّعود عن إرادة ما سواه إلى إرادته.
والاتِّحاديُّ
(1)
يفسِّره بالصُّعود عن وجود ما سواه إلى وجوده، بحيث لا يرى لغيره وجودًا البتَّة، ويرى وجود كلِّ موجودٍ هو وجوده، فلا وجود لغيره إلَّا في الوهم الكاذب عنده.
قال
(2)
: (وهو على ثلاث درجاتٍ:
اعتصام العامَّة
بالخبر استسلامًا وإذعانًا، بتصديق الوعد والوعيد، وتعظيم الأمر والنهي، وتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف).
يعني أنَّ العامّة اعتصموا بالخبر الوارد عن الله، استسلامًا من غير منازعةٍ، بل إيمانًا واستسلامًا، وانقادوا إلى تعظيم الأمر والنهي والإذعان لهما، والتصديق بالوعد والوعيد، وأسَّسوا معاملتهم على اليقين، لا على الشكِّ والتردُّد وسلوك طريق الاحتياط، كما قال القائل
(3)
:
زعم المنجِّم والطّبيبُ كلاهما
…
لا تُبعث الأجسادُ قلت إليكما
إن صحّ قولكما فلستُ بخاسرٍ
…
أو صحَّ قولي فالخسارُ عليكما
فهذه طريقة أهل الرَّيب والشكِّ، يقومون بالأمر والنهي احتياطًا، وهذه
(1)
تعريض بالتلمساني وكلامه في «شرحه» (ص 94).
(2)
«منازل السائرين» (ص 16).
(3)
هو أبو العلاء المعرِّي في «اللزوميات» (2/ 300).
الطريقة لا تنجي من عذاب الله، ولا تحصِّل لصاحبها السعادة، ولا توصله إلى المأمن.
وأمَّا (الإنصاف) الذي أسَّسوا معاملتهم عليه، فهو الإنصاف في معاملتهم لله ولخلقه. فأمّا الإنصاف في معاملة الله فأن يُعطي العبوديَّة حقَّها، وأن لا ينازع ربَّه صفاتِ إلهيَّته التي لا تليق بالعبد ولا تنبغي له من العظمة والكبرياء والجِبْريَّة.
ومن إنصافه لربِّه أن لا يشكر سواه على نعمه وينساه، ولا يستعين بها على معاصيه، ولا يحمد على رزقه غيرَه، ولا يعبد سواه، كما في الأثر الإلهيِّ:«إنِّي والإنس والجنُّ في نبإٍ عظيمٍ؛ أخلق ويُعبَد غيري، وأرزق ويُشكَر سواي»
(1)
.
وفي أثرٍ آخر: «ابنَ آدم ما أنصفتَني، خيري إليك نازل وشرُّك إليَّ صاعد، أتحبَّب إليك بالنِّعم وأنا غنيٌّ عنك
(2)
، وتتبغَّض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، ولا يزال المَلَك الكريم يعرُج إليَّ منك بعملٍ قبيحٍ»
(3)
.
(1)
أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (974، 975) ــ ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (17/ 77) ــ والبيهقي في «شعب الإيمان» (4243) من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير وشريح بن عبيد الحضرميَّين عن أبي الدرداء مرفوعًا. وفي إسناده ضعف لانقطاعه، فإن الحضرميَّين لم يُدركا أبا الدرداء. انظر:«السلسلة الضعيفة» (2371).
(2)
ع: «وأنا عنك غني» .
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في «كتاب الشكر» (43) وأبو نُعيم في «حلية الأولياء» (2/ 377) والبيهقي في «شعب الإيمان» (4269) عن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض الكتب: إن الله عز وجل يقول
…
إلخ بنحوه. وأخرج الدينَوَريُّ في «المجالسة وجواهر العلم» (181) وأبو نُعيم في «الحلية» (4/ 27) عن وهب بن منبِّه أيضًا أنه قرأه في بعض الكتب.
وروي نحوه من حديث علي بن أبي طالب مرفوعًا، لكن في إسناده كذَّابًا. انظر:«الضعيفة» (3287).