الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا مسَّ
(1)
بالسرَّاء أعقب شكرها
…
وإن مسَّ بالضّرّاء أعقبها الصبرُ
(2)
وما منهما إلَّا له فيه نعمةٌ
…
تضيق بها الأوهام والبرُّ والبحر
(3)
فإن قلت: فهل يشهد منَّته فيما لحقه من المعصية والذنب؟ قلت: نعم، إذا اقترن بها التوبة النَّصوح والحسنات الماحية كانت من أعظم المنن عليه، كما تقدَّم تقريره
(4)
.
فصل
قال
(5)
: (و
سماع الخاصَّة
ثلاثة أشياء: شهود المقصود في كلِّ زمن
(6)
،
(1)
في هامش ع: «عمَّ» نقلًا عن نسخة أخرى، والرواية:«إذا مسَّ بالسراء عمَّ سرورُها» .
(2)
في ع: «الأجر» . وهو لفظه كما في المصادر.
(3)
من أربعة أبيات لمحمود الورَّاق في «الشكر» لابن أبي الدنيا (83) و «الفاضل» للمبرد (ص 95) و «شعب الإيمان» للبيهقي (4099) و «زهر الآداب» (1/ 139). وانظر: «ديوانه» (ص 85).
(4)
(1/ 460 - 472). وانظر: (ص 43 - 54) من هذا المجلد.
(5)
«منازل السائرين» (ص 18).
(6)
ن: «رمز» ، وإليه أصلح وغُيِّر في ل، وهو كذلك في مطبوعة «المنازل» و «شرح القاساني» (ص 96). وهو كذلك في «شرح التلمساني» (ص 115) عند سياق المتن، وأما عند شرحه فكالمثبت.
والوقوف على الغاية في كلِّ حينٍ
(1)
، والخلاص من التّلذُّذ بالتّفرُّق).
المقصود في كلِّ حقٍّ
(2)
هو الربُّ
(3)
تبارك وتعالى، فإنَّ المسموع كلَّه يعرِّف به وبصفاته وأسمائه، وأفعاله وأحكامه، ووعده ووعيده، وأمره ونهيه، وعدله وفضله. وهذا الشُّهود يُنال بالسماع بالله، ولله، وفي الله، ومِن الله
(4)
.
أمَّا السماع به: فأن لا يسمع وفيه بقيَّةٌ من نفسه، فإن كانت فيه بقيَّةٌ قطعها كمالُ
(5)
تعلُّقه بالمسموع، فيكون سماعه بقيُّوميَّته مجرَّدًا
(6)
من التفاته إلى نفسه.
وأمَّا السماع له: فأن يجرِّد النفس في السماع من كلِّ إرادةٍ تزاحم مرادَ الله منه، وبجمعِ قوى سمعِه يحصِّل
(7)
مرادَ الله من المسموع.
وأمَّا السماع فيه: فشأنٌ آخر، وهو تجريد ما لا يليق نسبته إلى الحقِّ من وصفٍ أو سمةٍ أو نعتٍ أو فعلٍ ممَّا هو لائقٌ بكماله، فيثبت له ما يليق بكماله
(1)
غُيِّر في ل إلى: «حِسّ» ، وهو كذلك في مطبوعة «المنازل». وفي «شرح القاساني» (ص 96):«همس» ، وهو بمعناه. والمثبت من سائر النسخ يوافق ما في «شرح التلمساني» (ص 115، 116).
(2)
غُيِّر في ل إلى: «رمز» . وفي ع: «زمن» .
(3)
في جميع النسخ عدا ع: «للربِّ» ، ولعل المثبت أشبه.
(4)
قارن بـ «شرح التلمساني» (ص 115)، فإن المؤلف استقى منه هذه التعلُّقات، إلا أن تفسيره الآتي لها يختلف عن تفسيره.
(5)
م، ج، ن:«حال» ، وكذا كان في سائر النسخ عدا ع ثم أُصلح.
(6)
ل: «متجرِّدًا» .
(7)
من المسموع وينزِّهه عمَّا لا يليق به.
وهذا الموضع لم يتخلَّص فيه إلا الراسخون في العلم والمعرفة بالله، وأضلَّ الله عنه أهلَ التحريف والتعطيل، وأهلَ التشبيه والتمثيل، و {هَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
وأمَّا السماع منه: فإنَّما يتصوَّر بواسطةٍ، فهو سماعٌ مقيَّدٌ. وأمَّا المطلق فلا مطمع فيه في عالم الفناء، إلَّا لمن اختصَّه الله برسالاته وبكلامه، ولكنَّ السماع لكلامه كالسماع منه، فإنَّه كلامه الذي تكلَّم به حقًّا، فمن سمعه فليقدِّر نفسه كأنَّه يسمعه من الله.
هذا هو السماع من الله، لا سماع أربابِ الخيال ودعوى المحال، القائلِ أحدُهم: ناداني في سرِّي، وخاطبني، وقال لي. يا ليت شعري مَن المنادي لك ومَن المخاطِبُ، يا مخدوعُ يا مغرور؟ فما يدريك أنِداءٌ شيطاني أم رحماني؟ وما البرهان على أنَّ المخاطِب لك هو الرحمن؟
نعم، نحن لا ننكر النِّداء والخطاب والحديث، وإنَّما الشأن في المنادي المخاطِب المحدِّث، فهاهنا تسكب العبرات.
وبالجملة فمن قرئ عليه القرآن فليقدِّر نفسَه كأنَّما
(1)
يسمعه من الله يخاطبه به، فإذا حصل له مع ذلك السماع به، وله، وفيه = ازدحمت معاني المسموع ولطائفُه وعجائبه على قلبه وازدلفت إليه بأيِّها يبدأ، فما شئتَ مِن علمٍ وحِكَم، وتعرُّفٍ وبصيرة، وهدايةٍ وعِبرة.
(1)
م: «كأنه» .