المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المشهد الثَّاني: مشهد رسوم الطَّبيعة ولوازم الخلقة

- ‌المشهد الثالث: مشهد أصحاب الجبر

- ‌المشهد الرّابع: مشهد القدريّة النُّفاة

- ‌المشهد السادس: مشهد التوحيد

- ‌المشهد السابع: مشهد التوفيق والخذلان

- ‌المشهد الثامن: مشهد الأسماء والصِّفات

- ‌المشهد التاسع: مشهد زيادة الإيمان وتعدُّد(2)شواهده

- ‌المشهد العاشر: مشهد الرّحمة

- ‌ منزل الإنابة

- ‌ منزل التّذكُّر

- ‌(أبنية التذكُّر

- ‌المفسد الخامس: كثرة النوم

- ‌ منزل الاعتصام

- ‌الاعتصامُ(2)بحبل الله

- ‌ اعتصام العامَّة

- ‌اعتصام الخاصَّة

- ‌اعتصام خاصَّة الخاصَّة:

- ‌ منزلة الفرار

- ‌(فرار العامَّة

- ‌فرار الخاصَّة

- ‌فرار خاصَّة الخاصَّة

- ‌ رياضة العامة

- ‌«منزلة الرياضة»

- ‌رياضة الخاصَّة:

- ‌رياضة خاصَّة الخاصَّة:

- ‌ منزلة السَّماع

- ‌ سماع العامّة

- ‌سماع الخاصَّة

- ‌سماع خاصَّة الخاصَّة:

- ‌ منزلة الحزن

- ‌ حزن العامَّة

- ‌ حزن أهل الإرادة

- ‌ التحزُّن للمعارضات

- ‌ منزلة الخوف

- ‌ الدرجة الأولى: الخوف من العقوبة

- ‌(الدرجة الثانية: خوف المكر

- ‌ منزلة الإشفاق

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌ الدرجة الثالثة

- ‌ منزلة الخشوع

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الإخبات

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الزُّهد

- ‌من أحسن ما قيل في الزُّهد

- ‌ الدرجة الأولى: الزُّهد في الشُّبهة بعد ترك الحرام

- ‌(الدرجة الثانية: الزُّهد في الفضول

- ‌(الدرجة الثالثة: الزُّهد في الزُّهد

- ‌ منزلة الورع

- ‌ الدرجة الأولى: تجنُّب القبائح

- ‌(الدرجة الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به

- ‌فصلالخوف يثمر الورع

- ‌ الدرجة الأولى:

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الرجاء

- ‌ الدرجة الأولى:

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الرغبة

- ‌ الدرجة الأولى: رغبة أهل الخبر

- ‌(الدرجة الثانية: رغبة أرباب الحال

- ‌(الدرجة الثالثة: رغبة أهل الشُّهود

- ‌ منزلة الرِّعاية

- ‌ منزلة المراقبة

- ‌ الدرجة الأولى: مراقبة الحقِّ تعالى في السَّير إليه

- ‌الدرجة الثانية: مراقبة نظر الحقِّ إليك برفض المعارضة

- ‌الاعتراض ثلاثة أنواعٍ سارية في الناس

- ‌النوع الأوَّل: الاعتراض على أسمائه وصفاته

- ‌النوع الثاني: الاعتراض على شرعه وأمره

- ‌(الدرجة الثالثة: مراقبةُ الأزل بمطالعة عين السبق

- ‌ منزلة تعظيم حرمات الله

- ‌(الدرجة الثانية: إجراء الخبر على ظاهره

- ‌(الدرجة الثالثة: صيانة الانبساط أن تشوبه جرأة

- ‌ منزلة الإخلاص

- ‌ الدّرجة الأولى:

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة التهذيب والتصفية

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الاستقامة

- ‌ الدرجة الأولى: الاستقامة على الاجتهاد في الاقتصاد

- ‌(الدرجة الثانية: استقامة الأحوال

- ‌(الدرجة الثالثة: استقامةٌ بترك رؤية الاستقامة

- ‌ منزلة التوكُّل

- ‌الدرجة الثانية: إثبات الأسباب والمسبَّبات

- ‌الدرجة الثالثة: رسوخ القلب في مقام التوحيد

- ‌الدرجة الخامسة: حسن الظنِّ بالله

- ‌الدرجة السّادسة: استسلام القلب له

- ‌الدرجة السابعة: التفويض

- ‌ الدرجة الأولى: التوكُّل مع الطلب ومعاطاة السبب

- ‌(الدرجة الثانية: التوكُّل مع إسقاط الطلب

- ‌ منزلة التفويض

- ‌(الدرجة الثانية:

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الثِّقة بالله

- ‌ الدرجة الأولى: درجة الإياس

- ‌(الدرجة الثانية: درجة الأمن

- ‌(الدرجة الثالثة: معاينة أزليَّة الحقِّ

- ‌ منزلة التسليم

- ‌ الدرجة الأولى:

- ‌(الدرجة الثانية

- ‌(الدرجة الثالثة:

- ‌ منزلة الصبر

- ‌(الدرجة الثانية: الصبر على الطاعة

- ‌(الدرجة الثالثة: الصبرُ في البلاء

- ‌ منزلة الرِّضا

- ‌(الشرط الثالث: الخلاص من المسألة لهم والإلحاح)

- ‌ منزلة الشُّكر

- ‌ الدرجة الأولى: الشُّكر على المحابِّ

- ‌(الدرجة الثانية: الشُّكر في المكاره

- ‌(الدرجة الثالثة: أن لا يشهد العبدُ إلَّا المنعم

- ‌ منزلة الحياء

- ‌ منزلة الصِّدق

- ‌من علامات الصِّدق: طمأنينة القلب إليه

- ‌فصلفي كلماتٍ في حقيقة الصِّدق

- ‌ الدرجة الأولى: صدق القصد

- ‌(الدرجة الثانية: أن لا يتمنَّى الحياة إلا للحقِّ

- ‌(الدرجة الثالثة: الصِّدق في معرفة الصِّدق

الفصل: ‌ منزلة الصبر

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :‌

‌ منزلة الصبر

.

قال الإمام أحمد: ذكر الله الصبر في القرآن في نحوٍ من تسعين موضعًا

(1)

.

وهو واجب بإجماع الأمَّة. وهو نصف الإيمان

(2)

، فإنَّ الإيمان نصفان: نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ.

وهو في القرآن على ستَّة عشر نوعًا.

الأوَّل: الأمر به، نحو قوله:{(152) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153]، وقوله:{اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200]، وقوله:{(126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127].

الثاني: النهي عن ضدِّه، كقوله:{كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ} [الأحقاف: 35]، وقوله:{فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]، فإنَّ تولية الأدبار تركٌ للصّبر والمصابرة. وقوله:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، فإنَّ إبطالها ترك للصبر على إتمامها. وقوله:{تَهِنُوا فِي} [آل عمران: 139]، فإنَّ

(1)

سبق عزوه (1/ 166).

(2)

كما قال ابن مسعود فيما أخرجه عنه وكيع في «الزهد» (203) ــ ومن طريقه البيهقي في «الشعب» (47) ــ والطبراني في «الكبير» (9/ 107) والحاكم (2/ 446) وغيرهم. وروي عن ابن مسعود مرفوعًا ولا يصح.

ص: 445

الوهن من عدم الصبر.

الثالث: الثناء على أهله، كقوله:{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]، وقوله:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]. وهو كثيرٌ في القرآن.

الرابع: إيجابه سبحانه محبَّته لهم، كقوله:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].

الخامس: إيجاب معيَّته لهم، وهي معيَّة خاصَّة تتضمَّن حفظهم ونصرهم وتأييدهم، ليست معيَّةً عامَّةً ــ وهي معيَّة العلم والإحاطة ــ، كقوله:{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وقوله:{وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].

السادس: إخباره بأنَّ الصبر خيرٌ لأصحابه، كقوله:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ} [النحل: 126]، وقولِه:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25].

السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم، كقوله تعالى: {وَلَيَجْزِيَنَّ

(1)

الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا} [النحل: 96].

(1)

كذا في الأصل وغيره بالياء، وهي قراءة العشرة عدا ابن كثير وأبي جعفر وعاصم، فإنهم قرؤوا بالنون. انظر:«النشر» (2/ 305).

ص: 446

الثامن: إيجابه الجزاء لهم بغير حساب، كقوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ} [الزمر: 10].

التاسع: إطلاق البشرى لأهل الصبر، كقوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

العاشر: ضمان النصر والمدد لهم، كقوله:{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ النصر مع الصبر»

(1)

.

الحادي عشر: الإخبار أنَّ

(2)

أهل الصبر هم أهل العزائم، كقوله:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43].

الثّاني عشر: الإخبار أنّه ما يُلقَّى الأعمالَ الصالحة وجزاءها والحظوظ

(3)

(1)

أخرجه أحمد (2803) والطبراني في «الكبير» (11/ 123) والحاكم (3/ 541، 542) والبيهقي في «شعب الإيمان» (9528، 9529) والضياء في «المختارة» (10/ 23، 24) وغيرهم من طرق كثيرة ــ كلُّها ليِّنة ــ عن ابن عباس ضمن حديث: «يا غلام إني أعلمك كلمات

». وأصل الحديث مروي بإسناد حسن عند الترمذي (2516) وغيره، وليست فيه هذه اللفظة، ولكنها تعتضد بمجموع طرقها. انظر:«جامع العلوم والحكم» (الحديث التاسع عشر)، و «موافقة الخُبر الخبر» (1/ 327)، و «أنيس الساري» (1/ 361 - 368).

(2)

ع: «الإخبار منه تعالى بأن» .

(3)

ع: «الحظوظ العظيمة» .

ص: 447

إلَّا أهلُ الصّبر، كقوله:{وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)} [القصص: 80]، وقولِه:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35].

الثالث عشر: الإخبار أنَّه إنَّما ينتفع بالآيات والعبر أهلُ الصبر، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا

(1)

أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]، وقوله في أهل سبإٍ:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}

(2)

[سبأ: 19]، وقولِه في سورة الشُّورى:{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [الشورى: 32].

الرابع عشر: الإخبار بأنَّ الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب

(3)

ودخول الجنَّة إنَّما نالوه بالصبر، كقوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23].

الخامس عشر: أنَّه يورث صاحبه درجة الإمامة؛ سمعتُ شيخ الإسلام

(1)

لم يرد صدر الآية إلى هنا في ع، وسياقه: «كقوله تعالى لموسى: {أَنْ أَخْرِجْ

}. وفي سائر النسخ عدا ش: «ولقد أوحينا إلى موسى» ، سهو. ثم أصلح «أوحينا» إلى «أرسلنا» في الأصل، تصحيح ناقص.

(2)

«وقوله في أهل سبإ

» إلى هنا سقط من ش.

(3)

ع: «المكروه المرهوب» .

ص: 448

ابن تيميّة ــ قدَّس الله روحه ــ يقول: بالصَّبر واليقين تُنال الإمامة في الدِّين، ثمَّ تلا قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]

(1)

.

السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان، كما قرنه سبحانه باليقين وبالإيمان، وبالتقوى والتوكُّل والشُّكر والعمل والمرحمة

(2)

.

ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنَّه لا جسد لمن لا رأس له. قال عمر بن الخطَّاب: خير عيشٍ أدركناه بالصبر

(3)

.

وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنَّه ضياء

(4)

. وقال: «من يتصبَّر

(1)

ذكر شيخ الإسلام ذلك في مواضع من كتبه، منها:«مجموع الفتاوى» (3/ 358، 6/ 215، 10/ 39) و «جامع المسائل» (1/ 168).

(2)

سبقت الآيات التي فيها ذلك إلا آيات قرن الصبر بالتوكل وبالمرحمة، فالأول قوله تعالى:{(41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ} [النحل: 42]، والثاني قوله:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17].

(3)

أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (630) وكذا وكيع (198) وأحمد (ص 146) ــ ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (1/ 50) ــ من رواية مجاهد عن عمر. قال ابن كثير في «مسند الفاروق» (3/ 54): «هذا أثر منقطع بين مجاهد وعمر، فإنه لم يُدرك أيامه» . وله طريق آخر عند ابن أبي الدنيا في «الصبر» (6) من رواية ابن مسعود عن عمر، وإسناده ضعيف. قد علَّقه البخاري عن عمر مجزومًا به في كتاب الرقاق (باب الصبر عن محارم الله). وانظر:«تغليق التعليق» (5/ 172).

(4)

كما في حديث أبي مالك الأشعري عند مسلم (223).

ص: 449

يصبِّرْه الله»

(1)

.

وفي «الصحيح»

(2)

عنه: «عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه

(3)

خير، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له».

وقال للمرأة السَّوداء التي كانت تُصرَع فسألته أن يدعو لها: «إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» ، فقالت: إنِّي أتكشَّف فادع الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها

(4)

.

وأمر الأنصار بأن يصبروا على الأثَرة التي يَلقَونها بعده، حتَّى يلقوه على الحوض

(5)

. وأمر عند ملاقاة العدوِّ بالصبر

(6)

. وأمر بالصبر عند المصيبة وأخبر أنَّه

(7)

عند الصدمة الأولى

(8)

.

(1)

أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053) من حديث أبي سعيد الخدري.

(2)

«صحيح مسلم» (2999) من حديث صهيب.

(3)

زاد في ع: «له» ، وليس في لفظ مسلم.

(4)

أخرجه البخاري (5652) ومسلم (2576) من حديث ابن عباس.

(5)

كما في حديثي أنس وعبد الله بن زيد بن عاصم عند البخاري (3147، 4330) ومسلم (1059، 1061).

(6)

كما في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند البخاري (2965) ومسلم (1742) بلفظ: «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا» . وبنحوه حديث أبي هريرة عندهما (خ 3026، م 1741).

(7)

زاد في ع: «إنما يكون» .

(8)

كما في حديث أنس عند البخاري (1283) ومسلم (926).

ص: 450

وأمر المصاب بأنفع الأمور له وهو الصبر والاحتساب

(1)

، فإنَّ ذلك يخفِّف مصيبته ويوفِّر أجره، والجزع والسخط

(2)

والتشكِّي يزيد المصيبة ويُذهب الأجر

(3)

.

فصل

الصبر في اللُّغة: الحبس والكفُّ. ومنه: قُتل فلان صبرًا، إذا أُمسك وحبس للقتل. ومنه قوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]، أي احبس نفسك معهم.

فالصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وحبس اللِّسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.

وهو ثلاثة أنواعٍ: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله. فالأوَّلان: صبرٌ على ما يتعلَّق بالكسب، والثالث: صبرٌ على ما لا كسب للعبد فيه.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميَّة ــ قدَّس الله روحه ــ يقول: وكان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز عن شأنها أكملَ من صبره على إلقاء إخوته له في الجُبِّ وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإنَّ هذه أمورٌ جرت عليه بغير

(1)

كما في أمره صلى الله عليه وسلم ابنته بذلك حين احتُضر ابنها. أخرجه البخاري (1284) ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد.

(2)

ع: «التسخط» .

(3)

زاد في ع: «وأخبر أن الصبر خير كله فقال: ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا له وأوسعَ من الصبر» . أخرجه البخاري (1469) ومسلم (1053) من حديث أبي سعيد.

ص: 451

اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلةٌ غير الصبر. وأمَّا صبره عن المعصية، فصبرُ اختيارٍ ورضًا ومحاربةٍ للنفس، ولا سيَّما مع الأسباب التي يقوى معها داعي المواقعة

(1)

، فإنَّه كان شابًّا وداعية الشباب إليها قويَّةٌ، وعزبًا ليس له ما يعوِّضه ويبرِّد شهوته، وغريبًا والغريبُ لا يستحيي في بلد غربته ممَّا يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا والمملوكُ أيضًا ليس وازعه كوازع الحرِّ؛ والمرأةُ جميلة وذات منصبٍ وهي سيِّدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشدَّ الحرص، ومع ذلك توعَّدته إن لم يفعل بالسِّجن والصَّغار؛ ومع هذه الدواعي كلِّها صبر اختيارًا وإيثارًا لما عند الله. وأين هذا من صبره في الجبِّ على ما ليس من كسبه؟!

(2)

وكان يقول: الصبر على أداء الطاعات أكملُ من الصبر عن

(3)

اجتناب المحرَّمات وأفضل، فإنَّ مصلحة فعل الطاعة أحبُّ إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدةَ عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية. وله في ذلك مصنَّفٌ قرَّره فيه بنحوٍ من عشرين وجهًا

(4)

، ليس هذا

(1)

ج، ن، ع:«الموافقة» .

(2)

انظر: «مجموع الفتاوى» (15/ 138 - 139، 17/ 24 - 25) و «جامع المسائل» (5/ 257). وانظر: «عدَّة الصابرين» للمؤلف (ص 59).

(3)

كذا في النسخ، ودخوله على «اجتناب» يقلب المعنى المراد.

(4)

هي مطبوعة ضمن «مجموع الفتاوى» (20/ 85 - 158) على نقص في آخرها، وفي القدر الموجود اثنان وعشرون وجهًا. وقد ذكر المؤلف عشرين وجهًا في «عُدَّة الصابرين» (ص 66 - 76)، وثلاثة وعشرين في «الفوائد» (ص 171 - 185)، وتوسَّط في «طريق الهجرتين» (2/ 599) فقال:«وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية، فالصبر على الطاعة المعظمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة» .

ص: 452

موضع ذكرها. والمقصود: الكلام على الصبر وحقيقته ودرجاته ومرتبته.

فصل

وهو ثلاثة أنواعٍ: صبرٌ بالله، وصبرٌ لله، وصبرٌ مع الله.

فالأوَّل: الاستعانة به، ورؤية أنَّه هو المصبِّر، وأنَّ صبر العبد بربِّه لا بنفسه، كما قال تعالى:{(126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]، يعني إن لم يصبِّرك هو لم تصبر.

والثاني

(1)

: أن يكون الباعث على الصَّبر محبَّة الله وإرادة وجهه والتقرُّب إليه، لا إظهار قوَّة النفس، والاستحماد إلى الخلق، وغير ذلك من الأغراض.

والثالث

(2)

: دوران العبد مع مراد الله الدِّينيِّ منه، ومع أحكامه الدِّينيَّة، صابرًا نفسه معها، سائرًا بسيرها، مقيمًا بإقامتها، يتوجَّه معها أين توجَّهت ركائبها، وينزل معها أين استقلَّت مضاربها. فهذا معنى كونه صابرًا مع الله، أي قد جعل نفسه وقفًا على أوامره ومحابِّه. وهو أشدُّ أنواع الصبر وأصعبُها، وهو صبر الصِّدِّيقين.

قال الجنيد: المسير من الدُّنيا إلى الآخرة سهل هيِّن على المؤمن، وهجران الخلق في جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله صعب

ص: 453

شديد، والصَّبر مع الله أشدُّ

(1)

.

وسئل عن الصبر، فقال: تجرُّع المرارة من غير تعبيسٍ

(2)

.

وقال ذو النُّون: الصبر: التباعد من المخالفات، والسُّكون عند تجرُّع غُصَص البليَّة، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة

(3)

.

وقيل: الصبر: الوقوف مع البلاء بحسن الأدب

(4)

.

وقيل: هو الفناء في البلوى، بلا ظهور شكوى

(5)

.

وقيل: تعويد النفس الهجوم على المكاره

(6)

.

وقيل: المقام مع البلاء بحسن الصُّحبة، كالمقام مع العافية

(7)

.

وقال عمرو بن عثمان: هو الثبات مع الله، وتلقِّي بلائه بالرحب والدَّعة

(8)

.

(1)

أسنده القشيري (ص 438).

(2)

«القشيرية» (ص 439).

(3)

«تفسير السلمي» (2/ 189) و «القشيرية» (ص 439). وأسنده أبو نعيم في «الحلية» (9/ 361 - 362) والبيهقي في «الشعب» (9365) بنحوه، إلا أن اللفظ عندهما:«التباعد عن الخلطاء في الشدَّة» بدلًا من «التباعد من المخالفات» .

(4)

ذكره القشيري (ص 439) عن ابن عطاء الأدمي، الصوفي الزاهد (ت 309).

(5)

«القشيرية» (ص 439) بلا نسبة.

(6)

ذكره السلمي في «تفسيره» (2/ 134) والقشيري (ص 440) عن أبي عثمان، ولعله المغربي (ت 373)، ويحتمل أن يكون الحيري (ت 298)، والأول أقرب.

(7)

ذكره السلمي في «تفسيره» (2/ 119) والقشيري (ص 440) بلا نسبة.

(8)

في النسخ عدا ع: «السعة» ، والمثبت من ع هو لفظ «القشيرية» (ص 440).

ص: 454

وقال الخوَّاص: هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة

(1)

.

وقال يحيى بن معاذٍ: صبر المحبِّين أشدُّ من صبر الزاهدين، وا عجبي

(2)

كيف يصبرون؟! وأنشد:

والصبر يَجمُل في المواطن كلِّها

إلَّا عليك فإنَّه لا يجمُلُ

(3)

وقيل: الصبر هو الاستعانة

(4)

بالله

(5)

.

وقيل: هو ترك الشكوى

(6)

.

وقيل

(7)

:

الصَّبر مثل اسمه مرٌّ مذاقتُه

لكن عواقبه أحلى من العسل

وقيل: الصبر أن ترضى بتلف نفسك في رضا من تحبُّه، كما قيل

(8)

:

(1)

«تفسير السلمي» (1/ 366) و «القشيرية» (ص 440).

(2)

ج، ن:«وا عجبا» ، وكذا في «القشيرية» .

(3)

«القشيرية» (ص 440). وللعُتبي محمد بن عبيد الله (ت 228) من قصيدةٍ سائرةٍ يرثي بها ابنه:

والصبر يحمد في المواطن كلها

إلا عليك فإنه مذموم

وقد أنشده المبرد مع بيتٍ آخر في «الكامل» (ص 555). وانظر: «العِقد» (3/ 191) و «تاريخ الإسلام» (5/ 679). ويبدو أن بعضهم قد تصرف في قافية البيت.

(4)

الأصل، ل، ن:«الاستغاثة» ، والمثبت موافق للمصدر.

(5)

ذكره القشيري (ص 440) عن ذي النون.

(6)

ذكره القشيري (ص 440) عن رويم. وأسنده عنه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 301) والبيهقي في «الشعب» (9607).

(7)

البيت لمحمود بن الحسين «كشاجم» في ديوانه (ص 460) مع اختلاف في الصدر.

(8)

البيت لابن عطاء الأدمي في «القشيرية» (ص 441)

ص: 455

سأصبر كي ترضى وأَتلَفُ حسرةً

وحسبيَ أن ترضى ويُتلفني صبري

وقيل: مراتب الصبر

(1)

خمسة: صابر، ومُصطبِر، ومتصبِّر، وصَبور، وصبَّار. فالصابر أعمُّها، والمصطبر: المكتسب الصبر المليء به، والمتصبِّر: متكلِّف الصبر حاملٌ نفسَه عليه، والصبور: العظيم الصبر الذي صبره أشدُّ من صبر غيره، والصبَّار: الكثيرُ

(2)

الصبرِ، فهذا في القدر والكمِّ، والذي قبله في الوصف والكيف

(3)

.

وقال عليُّ بن أبي طالبٍ: الصبر مطيَّة لا تكبو

(4)

.

ووقف رجلٌ على الشِّبلي فقال: أيُّ صبرٍ

(5)

أشدُّ على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله. قال السائل: لا، فقال: الصبر لله؟ فقال السائل: لا، فقال:

(6)

مع الله؟ قال: لا، قال: فأيشٍ هو؟ قال: الصبر عن الله، فصرخ الشبليُّ صرخةً كادت روحُه تتلف

(7)

.

وقال الجُرَيريُّ: الصبر أن لا يفرِّق بين حال النعمة وحال المحنة، مع سكون الخاطر فيهما. والتصبُّر هو السُّكون مع البلاء، مع وجدان أثقال

(1)

ع: «الصابرين» .

(2)

في النسخ عدا ع: «الشديد» ، ولعل المثبت من ع أصح.

(3)

المؤلف بنى على ما ذكره القشيري (ص 441) عن أبي عبد الله بن خفيف أنه قال: «الصبر على ثلاثة أقسام: متصبر، وصابر، وصبار» .

(4)

ذكره القشيري (ص 441)، ولم أجد من أخرجه.

(5)

ل، ش:«الصبر» .

(6)

في ع زيادة: «الصبر» .

(7)

أسنده القشيري (ص 441).

ص: 456

المحنة

(1)

.

قال أبو عليٍّ الدقَّاق: فاز الصابرون بعزِّ الدارين، لأنهم نالوا من الله معيَّته، فإنَّ الله مع الصّابرين

(2)

.

وقيل في قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] إنَّه انتقالٌ من الأدنى إلى الأعلى، فالصبر دون المصابرة، والمصابرة دون المرابطة. والمرابطة مفاعلة من الربط وهو الشدُّ، وسمِّي المرابط مرابطًا لأنَّ المرابطين يربطون خيولهم ينتظرون الفزع، ثمَّ قيل لكلِّ منتظرٍ قد ربط نفسه لطاعةٍ ينتظرها: مرابطٌ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط»

(3)

.

(4)

وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله، وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله، ورابطوا بأسراركم على الشوق إلى الله.

وقيل: اصبروا في الله، وصابروا بالله، ورابطوا مع الله

(5)

.

(1)

أسنده القشيري (ص 441).

(2)

ذكره القشيري (ص 441) سماعًا منه، وهو شيخه.

(3)

أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

زاد في ع: «وقال: رباط يومٍ في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» . الحديث أخرجه البخاري (2892) عن سهل بن سعد، ولكن ذكره هنا في غير محلّه وليس من المؤلف قطعًا، فإنه ليس في صدد ذكر فضائل الرباط في سبيل الله، ولكنه يبين أن انتظار الطاعات غير الجهاد يسمَّى أيضًا: رباطًا.

(5)

هذا القول والذي قبله ذكرهما القشيري (ص 442) بلا نسبة.

ص: 457

وقيل: اصبروا على النعماء، وصابروا على البأساء والضراء، ورابطوا في دار الأعداء، واتقوا إله الأرض والسماء

(1)

لعلَّكم تفلحون في دار البقاء

(2)

.

فالصبر: مع نفسك، والمصابرة: بينك وبين عدوِّك، والمرابطة: الثبات وإعداد العدَّة. وكما أنّ الرِّباط لزوم الثغر لئلَّا يهجم منه العدوُّ، فكذلك المرابطة أيضًا لزوم ثغر القلب لئلَّا يهجم عليه الشيطان، فيملكه أو يُخربه أو يشعِّثه.

وقيل: تجرَّعِ الصبرَ، فإن قتلك قتلك شهيدًا، وإن أحياك أحياك عزيزًا

(3)

.

وقيل: الصبر لله عناء

(4)

، وبالله بقاء، وفي الله بلاء

(5)

، ومع الله وفاء، وعن الله جفاءٌ. والصَّبر على الطلب عنوان الظَّفَر، وفي المحن عنوانُ الفَرَج

(6)

.

(1)

«وقيل: اصبروا على النعماء

» إلى هنا من ع، ولعله سقط من الأصل وغيره لانتقال النظر.

(2)

أورده الثعلبي في «تفسيره» (9/ 597)، والمؤلف صادر عن مختصره «معالم التنزيل» (2/ 157).

(3)

«القشيرية» (ص 442) بلا نسبة.

(4)

في الأصل، ل، ش، ع بالغين المعجمة، وهو في بعض نسخ «القشيرية» كذلك. ولكن المؤلف شَرَحه في «عُدَّة الصابرين» (ص 90) على ما أُثبت. وكذا شرحه زكريا الأنصاري في «إحكام الدلالة» (2/ 574).

(5)

«وفي الله بلاء» ساقط من ل.

(6)

«القشيرية» (ص 442) بلا نسبة. وللمؤلف شرح للجملة الأولى في «عُدَّة الصابرين» (ص 90 - 92).

ص: 458

وقيل: حال العبد مع الله رباطه، وما دون الله أعداؤه

(1)

.

وفي كتاب «الأدب»

(2)

للبخاري: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان؟ فقال: «الصبر والسماحة» . ذكره عن موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا سُوَيد، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عميرٍ عن أبيه عن جدِّه فذكره.

وهذا من أجمع الكلام وأعظمه برهانًا، وأوعبه لمقامات الإيمان من أوَّلها إلى آخرها. فإنَّ النفس يراد منها شيئان:

- بذل ما أُمِرت به وإعطاؤه، فالحامل عليه السماحة.

- وترك ما نُهيت عنه والبعدُ منه، فالحامل عليه الصبر.

(1)

«القشيرية» (ص 443) بلا نسبة.

(2)

أي المفرد، وليس فيه. وإنما أخرجه القشيري (ص 444) بإسناده ــ وفيه من لم أعرفه ــ عن البخاري عن موسى بن إسماعيل به. وهو في «التاريخ الكبير» (5/ 25) له، ولكن معلَّقًا من طريق آخر عن سويد به. وإنما أخرجه ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/ 192 - السفر الثالث) عن موسى بن إسماعيل به.

والحديث قد أخرجه أيضًا الطبراني في «الكبير» (17/ 49) والحاكم (3/ 626) وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (3/ 357) والبيهقي في «شعب الإيمان» (9262) من طريقين عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جدِّه. وروي من طريق آخر عند البخاري في «التاريخ» (5/ 25) وغيره عن عبد الله بن عبيد عن أبيه مرسلًا، وهو أقوى. وقد رجَّح أبو حاتم المرسل في «العلل» (1941).

وله شواهد من حديث عمرو بن عبسة، وعُبادة، وجابر، ومن مرسل الحسن؛ وهي لا تخلو من مقال، ولكن قد يرتقي الحديث بمجموعها إلى درجة الحسن. وانظر:«الصحيحة» للألباني (551، 1491، 1495).

ص: 459

وقد أمر الله سبحانه في كتابه بالصبر الجميل والصفح الجميل والهجر الجميل

(1)

، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدَّس الله روحه ــ يقول: الصبر الجميل

(2)

الذي لا شكوى معه

(3)

، والصفح الجميل: الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل: الذي لا أذى معه

(4)

.

وفي أثرٍ إسرائيلي: أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه: أنزلت بعبدي بلائي فدعاني، فماطلته بالإجابة فشكاني، فقلت: عبدي، كيف أرحمك من شيءٍ به أرحمك؟!

(5)

.

وقال ابن عيينة في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24]: أخذوا برأس الأمر فجعلهم رؤوسًا

(6)

.

(1)

الصبر الجميل لم يأت مأمورًا به، وإنما ورد على لسان يعقوب عليه السلام:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. وجاء الأمر بالصفح الجميل في قوله: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، وبالهجر الجميل في قوله:{وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10].

(2)

«والصفح الجميل

الصبر الجميل» من ع، ولعله سقط من الأصل وغيره لانتقال النظر.

(3)

ع: «فيه ولا معه» .

(4)

انظر: «مجموع الفتاوى» (10/ 666).

(5)

«القشيرية» (ص 445).

(6)

ذكره القشيري (ص 445). وذكره ابن كثير في «تفسيره» عن ابن بنت الشافعي قال: قرأ أبي على عمِّي ــ أو عمي على أبي ــ سئل سفيان بن عيينة عن قول علي رضي الله عنه: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» ، فقال: ألم تسمع قوله تعالى

فذكره.

ص: 460

وقيل: صبر العابدين أحسنه أن يكون محفوظًا، وصبر المحبِّين أحسنه أن يكون مرفوضًا، كما قيل

(1)

:

تبيَّن يوم البين أنَّ اعتزامه

على الصبر من إحدى الظُّنون الكواذب

والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر، فإنَّ يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل، والنبيُّ إذا وعد لا يخلف، ثمَّ قال:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِيَ إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]. وكذلك أيُّوب أخبر الله عنه أنَّه وجده صابرًا مع قوله: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].

وإنّما ينافي الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلاه. كما رأى بعضهم رجلًا يشكو إلى آخر فاقةً وضرورةً، فقال: يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ثمَّ أنشده

(2)

:

وإذا عرتك بليَّةٌ فاصبر لها

صبرَ الكريم فإنَّه بك أعلم

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنَّما

تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

فصل

قال صاحب «المنازل»

(3)

: (الصبر: حبس النفس على المكروه، وعقل

(1)

«القشيرية» (ص 446). والبيت للأمير عبد الله بن طاهر في «ذيل أمالي القالي» (ص 49) و «الأغاني» (5/ 427) و «تاريخ دمشق» (29/ 218، 238).

(2)

الخبر مع البيتين في «طريق الهجرتين» (1/ 135). والبيتان في «عيون الأخبار» (2/ 260) مع اختلاف كبير في لفظ الأول. ونُسبا في «الكشكول» (1/ 74) إلى علي زين العابدين.

(3)

(ص 38)، و «شرح التلمساني» (ص 219) واللفظ له.

ص: 461

اللِّسان عن الشكوى. وهو من أصعب المنازل على العامَّة، وأوحشها في طريق المحبَّة، وأنكرها في طريق التوحيد).

إنَّما كان صعبًا على العامَّة لأنَّ العامِّي مبتدئٌ في الطريق، وما له دربة بالسلوك

(1)

، ولا تهذيب المرتاض بقطع المنازل، فإذا أصابته المحن أدركه الجزع، وصعب عليه احتمال البلاء، وعزَّ عليه وجدان الصبر، لأنَّه ليس من أهل الرِّياضة فيكون مستوطنًا للصَّبر، ولا من أهل المحبَّة فيلتذَّ بالبلاء في رضا محبوبه.

وأمَّا وحشته

(2)

في طريق المحبَّة، فلأنَّها تقتضي التذاذ المحبِّ بامتحان محبوبه له، والصبر يقتضي كراهته لذلك وحَبْسَ نفسه عليه كرهًا، فهو وحشةٌ في طريق المحبَّة.

وفي الوحشة نكتة لطيفة؛ لأنَّ الالتذاذ بالمحنة في المحبَّة هو من موجبات أنس القلب بالمحبوب، فإذا أحسَّ بالألم بحيث يحتاج إلى الصبر انتقل من الأنس إلى الوحشة، ولولا الوحشة لما أحسَّ بالألم المستدعي للصبر.

وإنَّما كان (أنكرها في طريق التوحيد) لأنَّ فيه قوَّة الدعوى، لأنَّ الصابر يدَّعي بحاله قوَّةَ الثبات، وذلك ادِّعاءٌ منه لنفسه قوَّةً عظيمةً، وهذا مصادمةٌ لتجريد التوحيد، إذ ليس لأحدٍ قوّةٌ البتَّة، بل لله القوَّة جميعًا، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

(1)

ع: «في السلوك» .

(2)

ع: «كونه وحشةً» .

ص: 462

فهذا سبب كون الصبر منكرًا في طريق التوحيد، بل من أنكر المنكر كما قال، لأنَّ التوحيد يردُّ الأشياء إلى الله، والصبر يردُّ الأشياء إلى النفس، وإثبات النفس في التوحيد منكر.

هذا حاصل كلامه محرَّرًا مقرَّرًا

(1)

. وهو من منكر كلامه.

بل الصبر من آكد المنازل في طريق المحبَّة، وألزمها للمحبِّين، وهم أحوج إلى منزلته من كلِّ منزلةٍ. وهو من أعرف المنازل في طريق التوحيد وأبينها، وحاجة المحبِّ إليه ضروريَّةٌ.

فإن قيل: كيف تكون حاجة المحبِّ إليه ضروريةً، مع منافاته لكمال المحبَّة، فإنَّه لا يكون إلا مع منازعات النفس لمراد المحبوب؟

قيل: هذه هي النُّكتة التي كان لأجلها من آكد المنازل في طريق المحبَّة وأعلقها بها. وبه يُعلم صحيح المحبَّة مِن معلولها، وصادقُها من كاذبها، فإنَّ بقوَّة الصبر على المكاره في مراد المحبوب يُعلم صحَّة محبَّته.

ومن هاهنا كانت محبَّة أكثر الناس كاذبةً، لأنَّهم كلَّهم ادَّعَوا محبَّة الله، فحين امتحنهم بالمكاره انخلعوا عن حقيقة المحبَّة، ولم يثبت معه إلَّا الصابرون. فلولا تحمُّل المشاقِّ وتجشُّم المكاره بالصبر لما ثبتت صحَّة محبتهم.

وتبيَّن بذلك أنَّ أعظمهم محبةً أشدُّهم صبرًا. ولهذا وصف الله بالصبر خاصَّة أحبابه وأوليائه، فقال عن حبيبه أيُّوب:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} ، ثمّ أثنى عليه فقال:{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ} [ص: 44].

(1)

والمؤلف صادر في تحريره وتقريره عن «شرح التلمساني» (ص 219 - 220).

ص: 463

وأمر أحبَّ الخلق إليه بالصبر لحكمه

(1)

، وأخبر أنَّ صبره به. وأثنى على الصابرين أحسن الثناء، وضَمِن لهم أعظم الجزاء، وجعل أجر غيرهم محسوبًا وأجرَهم بغير حسابٍ.

وقرن الصّبر بمقامات الإسلام والإيمان والإحسان كما تقدّم، فجعله قرين التوكل واليقين، والإيمان، والأعمال، والتقوى.

وأخبر أنَّ آياته لا ينتفع بها إلا أولو الصّبر، وأخبر أنَّ الصبر خيرٌ لأهله، وأنَّ الملائكة تسلِّم عليهم في الجنة بصبرهم، كما تقدَّم ذلك.

وليس في استكراه النُّفوس لألم ما تصبر عليه وإحساسِها به ما يقدح في محبَّتها ولا توحيدها، فإنَّ إحساسها بالألم ونفرتها منه أمرٌ طبعيٌّ لها، كاقتضائها للغذاء من الطعام والشراب وتألُّمها بفقده. فلوازم النفس لا سبيل إلى إعدامها وتعطيلها بالكلِّيَّة، وإلَّا لم تكن نفسًا إنسانيَّةً وارتفعت المحبة

(2)

، وكانت عالمًا آخر.

والصبر والمحبَّة لا يتناقضان، بل يتواخيان ويتصاحبان، والمحبُّ صبور. بل

(3)

علَّة الصبر في الحقيقة، المُناقِضةُ للمحبَّة، المُزاحِمةُ للتوحيد: أن يكون الباعث عليه غيرَ إرادة رضا المحبوب، بل إرادةَ غيره، أو مزاحمتُه بإرادة غيره، أو المرادِ منه لا مرادِه؛ هذه هي وحشة الصبر ونكارته.

(1)

وذلك في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24].

(2)

ع: «المحنة» .

(3)

في الأصل، ل:«بلى» . وفي ع: «بلا» . ولعل المثبت من سائر النسخ أولى.

ص: 464

وأمَّا من رأى صبره لله، وصبَرَ بالله

(1)

، وصبر مع الله، مشاهدًا أنَّ صبره به تعالى لا بنفسه= فهذا لا تلحق محبَّته وحشةٌ، ولا توحيدَه نكارةٌ.

ثمَّ لو استقام له هذا لكان في نوعٍ واحدٍ من أنواع الصبر، وهو الصبر على المكاره. فأمَّا الصبر على الطاعات، وهو حبس النفس عليها؛ وعن المخالفات، وهو منع النفس منها طوعًا واختيارًا والتذاذًا= فأيُّ وحشةٍ في هذا؟ وأيُّ نكارةٍ فيه؟

فإن قيل: إذا كان يفعل ذلك طوعًا ومحبَّةً ورضًا وإيثارًا، لم يكن الحامل له على ذلك الصبر، فيكون صبره في هذه الحال ملزوم الوحشة والنكارة، لمنافاتها لحال المحبِّ.

قيل: لا منافاة في ذلك بوجهٍ، فإنَّ صبره حينئذٍ قد اندرج في رضاه وانطوى فيه، وصار الحكم للرِّضا، لا أنَّ الصبر عدمٌ، بل لقوَّة وارد الرِّضا والحبِّ وإيثارِ مراد المحبوب= صار المشهد والمنزل للرِّضا بحكم الحال، والصبر جزءٌ منه ومنطوٍ فيه.

ونحن لا ننكر هذا القدر، فإن كان هو المراد فحبَّذا الوفاق، وليس المقصود القيل والقال ومنازعات الجدال. وإن كان غيره، فقد عرف ما فيه.

فصل

قال

(2)

: (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدرجة الأولى: الصبر عن المعصية،

ص: 465

بمطالعة الوعيد، إبقاءً على الإيمان وحذرًا من الحرام

(1)

. وأحسن منها: الصبر عن المعصية حياءً).

ذكر للصبر عن المعصية سببين وفائدتين.

أمَّا السببان: فالخوف من لحوق الوعيد المترتِّب عليها. والثَّاني: الحياء من الربِّ تعالى أن يستعان على معاصيه بنعمه، وأن يبارز بالعظائم.

وأمَّا الفائدتان: فالإبقاء على الإيمان، والحذر من الحرام.

فأمَّا مطالعة الوعيد والخوف منه، فيبعث عليه قوَّةُ الإيمان بالخبر والتصديقُ بمضمونه.

وأمّا الحياء، فيبعث عليه قوَّةُ المعرفة ومشاهدةُ معاني الأسماء والصفات. وأحسن من ذلك: أن يكون الباعث عليه وازع الحبِّ، فيترك معصيته محبَّةً له، كحال الصُّهَيبيِّين

(2)

.

(1)

ج، ن:«الجزاء» ، وإليه أُصلح في ل. وهو لفظ مطبوعة «المنازل» وعليه شرحه القاساني (ص 198). والمثبت من الأصل وغيره موافق لبعض نسخ «المنازل» كما في هامش المطبوع، وعليه شرحه التلمساني (ص 220، 221).

(2)

إشارة إلى ما ذُكر عن عمر أنه قال: «نعم العبد صُهَيب، لو لم يخف الله لم يعصه» . أول من ذكره ــ فيما وقفت عليه ــ أبو عبيد في «غريب الحديث» (4/ 284)، ولكنه لم يُسنده. ثم اشتهر ذلك في كتب النحاة والأصوليين حيث ذكروه في مبحث «لو» الشرطية لبيان أنه لا يلزم امتناع الجواب في نفس الأمر عند امتناع شرطه، فقد ذكره ابن مالك في «شرح التسهيل» (4/ 94)، والرضي في «شرح الكافية» (4/ 452)، وابن هشام في «مغني اللبيب» (ص 285) والزركشي في «البحر المحيط» (2/ 287) وغيرهم. وذكره المؤلف في «بدائع الفوائد» (1/ 92) و «طريق الهجرتين» (2/ 590). ولشيخ الإسلام جزء في جواب من سأله عن معنى «لو» فيه، مطبوع ضمن «جامع المسائل» (9/ 435 - 463).

قال ابن كثير في «مسند الفاروق» (3/ 115): «لم أره إلى الآن بإسنادٍ عن عمر» . وقد روي نحوه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في سالم مولى أبي حذيفة، ولكن إسناده تالف. انظر:«الضعيفة» للألباني (1006، 3179).

ص: 466

وأمّا الفائدتان، فالإبقاء على الإيمان يبعث على ترك المعصية، لأنها لا بدَّ أن تَنقصه، أو تَذهب به، أو تُذهب رونقَه وبهجته، أو تطفئ نوره، أو تضعف قوَّته، أو تَنقص ثمرته. وهذا أمرٌ ضروريٌّ بين المعصية وبين الإيمان، يُعلم بالوجود والخبر والعقل، كما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً ذات شرفٍ يرفع إليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن، فإيَّاكم إيَّاكم، والتوبة معروضةٌ بعد»

(1)

.

وأمَّا الحذر عن

(2)

الحرام، فهو الصبر عن كثيرٍ من المباح حذرًا من أن يسوقه إلى الحرام.

ولمَّا كان الحياء من شيم الأشراف وأهل الكرم والنُّفوس الزكيَّة، كان صاحبه أحسنَ حالًا من أهل الخوف.

ولأنَّ في الحياء من الله ما يدلُّ على مراقبته وحضور القلب معه.

(1)

أخرجه البخاري (2475) ومسلم (57) من حديث أبي هريرة، وزيادة «فإيَّاكم إيَّاكم» جاءت في بعض الطرق عند مسلم (57/ 103)، والظاهر أنها من لفظ أبي هريرة كما جاء مصرَّحًا عند عبد الرزاق (13684).

(2)

ش: «من» .

ص: 467