الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي التسليم أيضًا فائدة لطيفة، وهي أنَّه إذا سلَّمها لله فقد أودعها عنده، وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه، حيث لا تناله يدُ عادٍ ولا بغيُ باغ
(1)
.
والذي يحسم مادَّة المبالاة بالناس شهودُ الحقيقة، وهو رؤية الأشياء كلِّها من الله، وبالله، وفي قبضته، وتحت قهره وسلطانه، لا يتحرَّك منها شيء إلا بحوله وقوَّته، ولا ينفع ولا يضرُّ إلَّا بإذنه ومشيئته؛ فما وجه المبالاة بالخلق بعد هذا الشُّهود؟
قال
(2)
:
(الدرجة الثانية:
تجريد الانقطاع عن التعريج على النفس بمجانبة الهوى، وتنسُّم رَوح الأنس، وشَيم برق الكشف).
الفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها: أنَّ الأُولى انقطاع عن الخلق، وهذه انقطاع عن النفس. وجعله بثلاثة أشياء:
أولاها
(3)
: مجانبة الهوى ومخالفتُه ونهيُ النفس
(4)
عنه، لأن اتِّباعه يصدُّ عن التبتُّل.
وثانيها وهو بعد مخالفة الهوى: تنسُّم رَوح الأنس، والرَّوح للرُّوح كالرُّوح للبدن، فهو رَوحها وراحتها. وإنّما حصل له هذا الرَّوح لمَّا أعرض عن هواه، فحينئذٍ تنسَّم رَوح الأنس بالله ووجد رائحته، إذ النفس لا بدَّ لها
(1)
في ع زيادة: «عاتٍ» .
(2)
«المنازل» (ص 25).
(3)
كذا في النسخ، على تأويل الأشياء بالخصال أو الصفات.
(4)
ع: «نفسه» .
من التعلُّق، فلمَّا انقطع تعلُّقها مِن هواها وجدت رَوح الأنس بالله وهبَّت عليها نسماته، فرَنَّحَتْها
(1)
وأَحْيَتها.
وثالثها
(2)
: شَيم برق الكشف، وهو مطالعته واستشرافه والنظر إليه ليعلم به مواقع الغيث ومَساقط الرحمة. وليس مراده بالكشف هاهنا الكشفَ الجُزويَّ السُّفليَّ، المشتركَ بين البرِّ والفاجر والمؤمن والكافر، كالكشف عن مخبَّآت الناس ومستورهم. وإنّما هو الكشف عن ثلاثة أشياءَ هي منتهى كشف الصادقين أرباب البصائر:
أحدها: الكشف عن منازل السير.
والثاني: الكشف عن عيوب النفس وآفات الأعمال ومُفسداتها.
والثالث: الكشف عن معاني الأسماء والصِّفات وحقائق التوحيد والمعرفة.
وهذه الأبواب الثلاثة هي مجامع علوم القوم، وعليها يحومون
(3)
، وإليها يشمِّرون، فمنهم من جُلُّ كلامه ومعظمُه في السير وصفة المنازل، ومنهم من جلُّ كلامه في الآفات والقواطع
(4)
، ومنهم من جلُّ كلامه في التّوحيد والمعرفة وحقائق الأسماء والصِّفات.
(1)
أي: حرَّكَتْها وأنشطَتْها. في ل، والنسخ المطبوعة:«ريَّحتها» ، خطأ ولا وجود لـ «ريَّح» في المعاجم، وإنما يقال:«روَّح» .
(2)
ع: «ونالها» متصلًا بما قبلها، وهو تصحيف.
(3)
في ع زيادة: «وحولها يُدندون» .
(4)
ع: «والقطَّاع» .