الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحكى أنَّ إبليس عرض ليحيى بن زكريا ــ عليهما السلام ــ فقال له
(1)
: هل نلتَ منِّي شيئًا قطُّ؟ قال: لا، إلَّا أنَّه قدِّم إليك طعامٌ
(2)
ليلةً فشهَّيتُه إليك حتَّى شبعتَ منه فنِمتَ عن وِردك، فقال
(3)
: لله عليَّ أن لا أشبعَ من طعامٍ أبدًا، فقال
(4)
: وأنا لله عليَّ أن لا أنصح رجلًا
(5)
أبدًا
(6)
.
فصل
المفسد الخامس: كثرة النوم
، فإنَّه يُميت القلب، ويثقِّل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدًّا، ومنه الضّارُّ غير النافع للبدن.
وأنفع النَّوم ما كان عند شدَّة الحاجة إليه، ونومُ أوَّل الليل أحمدُ وأنفعُ من آخره، ونومُ وسط النهار أنفعُ من طَرَفيه، وكلَّما قَرُب النوم من الطَّرَفين قلَّ نفعه وكَثُر ضرره، ولاسيَّما نوم العصر والنوم أوَّلَ النهار إلَّا لسهران.
ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصُّبح وطلوع الشَّمس
(7)
، فإنَّه
(1)
زِيد في ع: «يحيى» .
(2)
كذا في الأصل. وفي سائر النسخ: «الطعام» .
(3)
زيد في ع: «يحيى» .
(4)
زيد في ع: «إبليس» .
(5)
ع: «آدميًّا» .
(6)
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص 96) وأبو القاسم البغوي في «مسند ابن الجعد» (1386) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 328) والبيهقي في «شعب الإيمان» (5308) عن التابعي الجليل ثابت بن أسلم البُناني قال: بلغنا
…
إلخ.
(7)
انظر لنماذج من كراهة السلف النوم بعد الفجر: «صحيح مسلم» (822/ 278) و «مصنف ابن أبي شيبة» (كتاب الأدب/ من كان لا يدع أحدًا من أهله ينام بعد الفجر حتى تطلع الشمس).
وقت غنيمةٍ، وللسَّير ذلك الوقت عند السالكين مزيّة عظيمة، حتّى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتّى تطلُع الشَّمس، فإنَّه أوَّل النَّهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق وحصول القِسَم وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصَّة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطرِّ.
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه نوم نصف اللَّيل الأوَّل وسدسه الأخير
(1)
، وهو مقدار ثمان ساعاتٍ، وهذا أعدل النوم عند الأطبَّاء، فما زاد عليه أو نقص منه أثَّر عندهم في الطبيعة انحرافًا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضًا: النومُ أوَّلَ الليلِ عقيبَ غروب الشمس حتَّى تذهب فحمة العشاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه
(2)
، فهو مكروهٌ شرعًا وطبعًا.
وكما أنَّ كثرة النوم مُورثةٌ لهذه الآفات، فمدافعته وهَجره
(3)
مورثٌ لآفاتٍ أخرى عظامٍ من سوء المزاج ويبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المُعِينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضًا متلفةً لا ينتفع
(1)
وهو الذي امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه» .
(2)
كما في حديث أبي برزة الأسلمي عند البخاري (547) ومسلم (647) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها.
(3)
عُلِّق عليه في ل بقوله: «مُطلقًا» .
صاحبها بقلبه ولا بدنه معها. وما قام الوجود إلَّا بالعدل، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظِّه من مجامع الخير، وبالله المستعان.
* * * *