المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الله -جل ذكره-: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء: 163] - مصابيح الجامع - جـ ١

[بدر الدين الدماميني]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الوحي

- ‌باب: كيف كان بَدْءُ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

- ‌كتابُ الإيمان

- ‌باب: الإيمان وقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإسلامُ عَلَى خَمْسٍ

- ‌باب: دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ

- ‌باب: أمورِ الإيمانِ

- ‌باب: المسلم مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدهِ

- ‌باب: أيُّ الإسلامِ أفضلُ

- ‌باب: إطعام الطَّعامِ مِن الإسلامِ

- ‌باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه

- ‌باب: حبّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم من الإيمانِ

- ‌باب: حلاوةِ الإيمانِ

- ‌باب: عَلَامَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ

- ‌باب

- ‌باب: من الدِّين الفرارُ من الفتنِ

- ‌باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَناَ أَعْلَمُكُمْ باللَّهِ" وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْب؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]

- ‌باب: تفاضُلِ أهلِ الإيمانِ في الأعمالِ

- ‌باب: الحياء من الإيمانِ

- ‌باب: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]

- ‌باب: مَنْ قَالَ: إِنَّ الإيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]

- ‌باب: إذا لم يكن الإسلامُ على الحقيقةِ، وكان على الاستسلامِ أو الخوفِ من القتلِ

- ‌باب: إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنَ الإِسْلامِ

- ‌باب: كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ

- ‌باب: الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بارْتِكَابهَا إِلَّا بالشِّرْكِ

- ‌باب: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ

- ‌باب: علامةِ المنافقِ

- ‌باب: قيام ليلةِ القدرِ من الإيمانِ

- ‌باب: الجهادِ من الإيمان

- ‌باب: صوم رمضانَ احتسابًا من الإيمانِ

- ‌باب: الدِّينُ يُسْرٌ وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الدينِ إلى اللهِ الحنيفيَّةُ السَّمْحةُ

- ‌باب: الصَّلَاةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ

- ‌باب: حُسْنُ إِسلامِ المرءِ

- ‌باب: أحبُّ الدِّينِ إلى الله أدومُه

- ‌باب: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ

- ‌باب: اتِّباع الجنائز من الإيمانِ

- ‌باب: خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ

- ‌باب: سؤالِ جبريلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمانِ، والإِسلامِ، والإحسانِ، وعلمِ الساعةِ

- ‌باب: فضل من استبرأَ لدينهِ

- ‌باب: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌باب: مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ، وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّوْمُ، وَالأَحْكَامُ

- ‌باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]

- ‌كتاب العلم

- ‌باب: مَنْ سُئِلَ علمًا وهو مشتغلٌ في حديثهِ، فأتمَّ الحديثَ ثم أجابَ السائلَ

- ‌باب: من رفعَ صوتَه بالعلمِ

- ‌باب: قولِ المحَدِّث: "حدثنا" أو "أخبرنا" أو "أنبأنا

- ‌باب: طرحِ الإمامِ المسألةَ على أصحابه ليختبرَ ما عندهم من العلمِ

- ‌باب: الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ

- ‌باب: مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ، وَكِتَاب أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ

- ‌باب: مَنْ قَعَدَ حيثُ ينتهي به المجلسُ، ومن رأى فرجةً في الحلْقة فجلس فيها

- ‌باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ

- ‌باب: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌باب: ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتخوّلُهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا

- ‌باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً

- ‌باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقِّهه في الدِّين

- ‌باب: الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ

- ‌باب: الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ

- ‌باب: مَا ذُكِرَ فِي ذَهَاب مُوسَى صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ إِلَى الْخَضرِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]

- ‌باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ

- ‌باب: الْخُرُوجِ فِي طَلَب الْعِلْمِ

- ‌باب: فضلِ من عَلِمَ وعَلَّمَ

- ‌باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ

- ‌باب: فضلِ العلمِ

- ‌باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابّة وَغَيْرِهَا

- ‌باب: من أجاب الفُتيا بإشارةِ اليدِ والرأسِ

- ‌باب: تحريض النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفدَ عبدِ القيس على أن يحفظوا الإيمانَ والعلمَ، ويُخبروا مَنْ وراءَهم

- ‌باب: الرِّحلةِ في المسألةِ النازلة، وتعليم أهله

- ‌باب: التناوبِ في العلم

- ‌باب: الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيم إذا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ

- ‌باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ عَنْهُ

- ‌باب: تعليم الرجلِ أَمتَه وأهلَه

- ‌باب: عِظَةِ الإمامِ النساءَ وَتعليمِهنَّ

- ‌باب: الحرصِ على الحديث

- ‌باب: كيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌باب: هل يُجعل للنساء يومٌ على حِدَةٍ في العلم

- ‌باب: مَنْ سَمِعَ شيئًا فراجَعَ حتى يعرِفَه

- ‌باب: ليُبلِّغِ العلمَ الشاهدُ الغائبَ

- ‌باب: إثم مَنْ كذبَ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: كتابةِ العلم

- ‌باب: الْعِلْم وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ

- ‌باب: السَّمَرِ بِالْعِلْم

- ‌باب: حفظِ العلمِ

- ‌باب: الإنصاتِ للعلماءِ

- ‌باب: ما يستحبُّ للعالم إذا سُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلمُ؟ فيكِلُ العلمَ إلى الله

- ‌باب: من سأل وهو قائمٌ عالمًا جالسًا

- ‌باب: السؤال والفتيا عند رمي الجمار

- ‌باب: قول الله تعالى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]

- ‌باب: مَنْ تركَ بعضَ الاختيارِ مخافةَ أنْ يقصُرَ فهمُ بعضِ الناسِ عنه، فيقعوا في أشدَّ منه

- ‌باب: من خصَّ بالعلمِ قومًا دونَ قومٍ كراهيةَ أن لا يفهموا

- ‌باب: الحياءِ في العلم

- ‌باب: من استحيا فأمرَ غيرَه بالسُّؤال

- ‌باب: ذكرِ العلم والفُتيا في المسجد

- ‌باب: مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأكثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ

- ‌كتاب الوضوء

- ‌باب: مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]

- ‌باب: لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ

- ‌باب: فَضْلِ الْوُضُوء، وَالْغُرِّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ

- ‌باب: لا يتوضَّأُ من الشكِّ حتى يستيقِنَ

- ‌باب: التخفيفِ في الوضوء

- ‌باب: إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌باب: غسلِ الوجهِ باليدينِ مِن غَرفَة واحدة

- ‌باب: التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعِنْدَ الْوِقَاعِ

- ‌باب: ما يقولُ عندَ الخَلاءِ

- ‌باب: وضعِ الماءِ عند الخَلاءِ

- ‌باب: لا تُستقبل القبلةُ بغائطٍ أو بولٍ، إلا عند البناءِ: جدارٍ أو نحوه

- ‌باب: من تبرَّز على لبِنَتينِ

- ‌باب: خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ

- ‌باب: الاستنجاءِ بالماءِ

- ‌باب: حملِ العَنَزَة مع الماء في الاستنجاءِ

- ‌باب: النَّهي عن الاستنجاءِ باليمينِ

- ‌باب: الاستنجاءِ بالحجارةِ

- ‌باب: لا يُستنجى برَوثٍ

- ‌باب: الوُضوءِ مرةً مرةً

- ‌باب: الوضوءِ ثلاثًا ثلاثًا

- ‌باب: الاستنثارِ في الوُضوءِ

- ‌باب: الاِستِجمَارِ وِتْرًا

- ‌باب: غَسلِ الأعقابِ

- ‌باب: غَسْلِ الرِّجلين في النَّعلين، ولا يمسحُ على النَّعلين

- ‌باب: التماسِ الوضوءِ إذا حانتِ الصَّلاةُ

- ‌باب: الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإنْسَانِ

- ‌باب: مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ: مِنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43]

- ‌باب: الرَّجلِ يوضِّيءُ صاحبَه

- ‌باب: قراءةِ القرآنِ بعد الحدثِ وغيره

- ‌باب: مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلَّا مِنَ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ

- ‌باب: مسح الرأسِ كلِّهُ

- ‌باب: غَسل الرِّجلينِ إلى الكعبينِ

- ‌باب: اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا بِفَضْلِ سِوَاكِهِ

- ‌باب: مَنْ مضمض واستنشق من غَرفة واحدة

- ‌باب: وُضُوءِ الرَّجُلِ معَ امْرَأَتِهِ، وَفَضْلِ وَضُوء الْمَرْأَةِ، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيم، مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ

- ‌باب: صبِّ النبي صلى الله عليه وسلم وضوءَه على مُغْمى عليه

- ‌باب: الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْمِخْضَبِ وَالْقَدَحِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ

- ‌باب: الوُضوءَ من التَّورِ

- ‌باب: الوضوءَ بالمُدِّ

- ‌باب: المسح على الخفَّينِ

- ‌باب: إذا أدخلَ رجليهِ وهما طاهرتانِ

- ‌باب: من لم يتوضأْ من لحم الشَّاةِ والسويقِ

- ‌باب: من مضمض من السَّويق ولم يتوضأ

- ‌باب: الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ، أَوِ الْخَفْقَةِ وُضُوءًا

- ‌باب: الوُضوء من غير حَدَثٍ

- ‌باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله

- ‌باب: مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَولِ

- ‌باب: صبِّ الماءِ على البول في المسجد

- ‌باب: بولِ الصبيانِ

- ‌باب: البولِ قائمًا وقاعدًا

- ‌باب: البولِ عند صاحبِه، والتستُّرِ بالحائط

- ‌باب: غَسلِ الدَّمِ

- ‌باب: غَسْلِ الْمَنِيِّ وَفركِهِ، وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنَ الْمَرْأَةِ

- ‌باب: إذا غسلَ الجنابةَ أو غيرَها فلم يذهبْ أثرُه

- ‌باب: أَبْوَالِ الإبِلِ وَالدَّوَابِ وَالْغَنَم وَمَرَابِضِهَا

- ‌باب: ما يقعُ من النَّجاساتِ في السَّمنِ والماءِ

- ‌باب: البولِ في الماء الدَّائم

- ‌باب: إذا أُلْقِيَ على ظهرِ المصلي قَذَرٌ أو جيفةٌ لم تفسدْ عليه صلاتُه

- ‌باب: غَسلِ المرأة أباها الدَّمَ عن وجهه

- ‌باب: السِّواك

- ‌باب: دفعِ السِّواكِ إلى الأكبرِ

- ‌باب: فضلِ مَنْ باتَ على الوُضوء

- ‌كتاب الغُسْل

- ‌باب: الوُضوء قبلَ الغُسْلِ

- ‌باب: غُسلِ الرَّجلِ مع امرأتهِ

- ‌باب: الغُسلِ بالصَّاعِ ونحوِه

- ‌باب: مَنْ أفاضَ على رأسِه ثلاثًا

- ‌باب: الغُسلِ مرةً واحدةً

- ‌باب: مَنْ بَدَأَ بِالْحِلَابِ أَوِ الطيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ

- ‌باب: المضمضةِ والاستنشاقِ في الجنابةِ

- ‌باب: هل يُدخِلُ الجنبُ يدَه في الإناءِ قبلَ أن يغسلَها إذا لم يكن على يده قذرٌ غيرُ الجنابةِ

- ‌باب: تفريقِ الغُسلِ والوضوءِ

- ‌باب: مَنْ أفرغ بيمينهِ على شمالِه في الغُسل

- ‌باب: إذا جامَعَ ثمَّ عادَ، ومَنْ دارَ على نسائه في غُسلٍ واحد

- ‌باب: غسلِ المذي والوضوءِ منهُ

- ‌باب: من تطيَّبَ ثم اغتسلَ، وبقي أثرُ الطِّيبِ

- ‌باب: تخليلِ الشَّعرِ

- ‌باب: من توضَّأَ في الجنابة، ثم غسل سائر جسدِه، ولم يُعِدْ غسلَ مواضعِ الوضوء مرةً أخرى

- ‌باب: إذا ذكَر في المسجد أنه جنبٌ، خرجَ كما هو ولا يتيمَّمُ

- ‌باب: نَفْضِ الْيَدَيْنِ مِنَ الْغُسْلِ عَنِ الْجَنَابَةِ

- ‌باب: من اغتسلَ عُريانًا وحدَه في الخَلوةِ، ومن تستَّر، فالتستُّر أفضلُ

- ‌باب: عَرَقِ الجُنُبِ، وأنَّ المسلمَ لا ينجُسُ

- ‌باب: الجنب يخرُجُ ويمشي في السُّوق وغيرِهِ

- ‌باب: كيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِي الْبَيْتِ، إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ

- ‌باب: نومِ الجُنُبِ

- ‌باب: إذا التقى الختانانِ

- ‌باب: غَسلِ ما يُصيبُ من فرج المرأةِ

الفصل: ‌باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الله -جل ذكره-: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء: 163]

كتاب الوحي

‌باب: كيف كان بَدْءُ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

(قال البخاري رحمه الله (1) -: باب): هو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذا باب، ويروى: بالتنوين.

قوله (2): (كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم): جملة لا محل لها من الإعراب، أتى (3) بها لبيان ما عقد الباب لأجله.

ويروى بترك التنوين، قالوا: على أنه مضاف لتلك الجملة بعده، فهي في محل خفض.

فإن قلت: لا يضاف إلى الجملة إلا أحدُ أشياء مخصوصة ذكرها النحاةُ، وليس الباب شيئًا منها.

قلت: هذا إنما هو في الجملة التي لا يراد بها لفظُها، وأما ما أريد به لفظُه من الجمل، فهو في حكم المفرد، فتضيفُ إليه ما شئتَ مما يقبل

(1) في "ج" زيادة: "تعالى".

(2)

في "ن" و"ج" و "ع": "فقوله".

(3)

في "ج" و "ع": "وأتى".

ص: 15

بلا حصر، ألا ترى أنك تقول (1): محلُّ قام أبوه من قولك: زيدٌ قام أبوه، رفعٌ، ومعنى لا إله إلا الله: إثباتُ الإلهية لله تعالى، ونفيُها عما سواه إلى غير ذلك.

وهنا أُريد لفظُ الجملة، والأصل: هذا بابُ شرحِ كيف كان بدءُ الوحي؛ أي: باب شرح هذا الكلام، ثم حُذف المضاف، وأُقيم المضافُ إليه مقامه، وقد استبان لك أن عدّ ابن هشام في "مغنيه"(2) قولًا وقائلًا من الألفاظ المخصوصة التي تضاف إلى الجملة غير ظاهر.

ولا يخفى سقوطُ قول الزركشي: لا يقال: كيف لا يضاف إليها (3)؛ لأنا نقول: الإضافة إلى الجملة كلا إضافة. انتهى.

وتقع هذه الترجمة في بعض النسخ بدون كلمة: باب.

وبَدْء: -بباء موحدة مفتوحة فدال مهملة ساكنة فهمزة- من الابتداء.

ويروى: "بُدُوّ" -بواو مشددة-؛ كَظُهُور زِنةً ومعنى، وهل الأحسن الأولُ؛ لأنه يجمع المعنيين، أو الثاني؛ لأنه (4) أعم؟ رأيان.

(وقولِ الله تعالى): إما -بكسر اللام- من: قول، على أنه معطوف على محل الجملة السابقة في رواية من ترك تنوين باب، وفي قولهم: عُطِفَ على كيف، مسامحةٌ، وإما -بضمها- على أنه مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: وقول الله تعالى كذا مما يتعلق بهذا الباب، ونحو (5) هذا من التقدير.

(1) في "ج": "ألا ترى أنه يقول".

(2)

انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 551).

(3)

انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 3).

(4)

"لأنه" ليست في "ج".

(5)

في "ن" و"ج": "أو نحو".

ص: 16

1 -

(1) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ إِلَى دنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرتهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".

(الحُمَيدي): -بضم الحاء المهملة وفتح الميم فياء التصغير فياء النسب-، وهل نُسب إلى حُميد جدِّه، أو إلى حميد بطنٍ من أسدِ ابنِ (1) عبدِ العزى، أو إلى الحميداتِ قبيلة (2)؟ أقوال.

(سُفيان): -بتثليث حركة السين المهملة، والمشهورُ ضمُّها-، وهو ابن عُيينة، تصغير عين، فعينه مضمومة، وحكي: كسرُها.

(التَّيْمي): -بمثناة من فوق مفتوحة فمثناة (3) من تحت ساكنة- إلى تَيْم بنِ مُرَّة.

(اللَّيْثي): بلام مفتوحة فمثناة من تحت ساكنة فثاء مثلثة.

وافتتح هذا الباب من الأحاديث بقوله صلى الله عليه وسلم:

(إنما الأعمال بالنيات

الحديث): إما لأنه متعلق بالآية التي في الترجمة، والجامعُ بينهما أن الله تعالى أوحى إلى محمد -عليه

(1)"ابن" زيادة من "ن" و "ع".

(2)

"قبيلة" ليست في "ج".

(3)

في "ج": "بمثنى فمثنى".

ص: 17

الصلاة والسلام-، وإلى الأنبياء من قبله: أن (1) الأعمال بالنيات، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، قاله بعضهم.

وإما لمناسبة ترجمة الباب، وذلك لأن الحديث اشتمل على أن هاجر (2) إلى الله تعالى وحده ومقدمة النبوة كانت في حقه عليه السلام هجرته إلى الله تعالى، وخلوته بغار حراء للتقرُّب إليه، وليس على معنى أن النبوة مكتسبة، بل على معنى أنها ومقدماتها ومتمماتها كلٌّ فضلٌ من عند (3) الله، فهو الذي ألهم السؤال، وأعطى المسؤول، فله الفضلُ أولًا وآخرًا، قاله ابن المنير (4).

وإما لقصده أن يكون هذا الحديث في أول الكتاب عوضًا من (5) الخطبة التي يبدأ (6) بها المؤلفون، ولقد أحسن العوض من عوض من كلامه كلام من لا ينطق عن الهوى، قاله ابن (7) بطال (8).

قلت: ولعل هذا هو السر في إيراده الحديثَ في هذا المحلّ مختصرًا، وذلك لأنه لما أورده موردَ الخطبة (9)، اقتضتِ المناسبةُ ذكرَه بالطريق

(1) في "ع": "إنما".

(2)

في "ن" و"ج" و "ع": "من هاجر".

(3)

"عند" ليست في "ج".

(4)

ونقله عنه الحافظ في "الفتح"(1/ 16).

(5)

في "ع": "عن".

(6)

في "ع": "يبتدئ".

(7)

في "ج": "أبي" وهو خطأ.

(8)

انظر: "شرح ابن بطال على البخاري"(1/ 32).

(9)

في "ن": "من الخطبة".

ص: 18

التي (1) وقع فيها مختصرًا؛ إذ التخفيف في الخطبة مطلوب.

قال ابن الملقن: سألني بعضُ الفضلاء عن السرِّ في ابتداء البخاري بهذا الحديث مختصرًا، ولِمَ (2) لم يذكرْه مطوَّلًا كما فعل في غيره من الأبواب؟

فأجبته في الحال: بأن عمر رضي الله عنه قاله على المنبر، وخطب به، فأراد التأسي به، لكن البخاريَّ ذكره مطولًا في: ترك الحيل، وفيه: أنه خطب به أيضًا (3). انتهى.

قلت: فقد طاح جواب الشيخ، وبالله التوفيق.

والكلامُ على مفردات هذا الحديث وفقهه سيأتي بعد هذا في أواخر كتاب: الإيمان.

* * *

2 -

(2) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: أَنَّ الْحَارِثَ بن هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْيَانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ ما قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ".

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِل عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

(1) في "ج": "الذي".

(2)

"لم": ليست في "ج".

(3)

انظر: "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (2/ 127).

ص: 19

(أن الحارث بن هشام): هو شقيقُ أبي جهل، أسلمَ يوم الفتح، وحسن إسلامُه، وشهد بدرًا مع فئة (1) المشركين، وانهزم، وفيه يقول حسانُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه:[من الكامل]

إنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِني

فنَجَوْتِ مَنْجَى الحارِثِ بْنِ هِشامِ

تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهمْ

وَنَجَا برَأْسِ طِمِرَّةٍ وَلِجَامِ

فقال الحارثُ يعتذر عن فراره: [من الكامل]

اللهُ يَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتالَهُمْ

حَتَّى عَلَوْا فَرَسِي بأَشْقَرَ مُزْبدِ

وَعَلِمْتُ أَنِّي إنْ أقَاتِلْ وَاحِدًا

أُقْتَلْ وَلا يَضْرُرْ عَدُوِّي مَشْهَدِي

فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبَّةُ فِيهِمُ

طَمَعًا لَهُمْ بعِقَاب يَوْمٍ مُفْسِدِ (2)

قال الأصمعي: لم أسمع في الاعتذار عن الفرار أحسنَ من هذا (3).

(أحيانًا): -منصوب على الظرف- جمع حين، وهو الوقتُ: الساعةُ (4) فما (5) فوقَها، ومذهبنا (6) أنه في الأَيمان سَنةٌ، وهو مشكِل، ولعله لعرفٍ ثبت فيه عندهم، وبتقديره فقد نقل.

(1) في "ج": "مع ما فيه".

(2)

انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 301).

(3)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 204).

(4)

في "ج" و "ع": "والساعة".

(5)

"فما" ليست في "ن".

(6)

في "ع": "فمذهبنا"، قلت: -يعني المالكية-، فالوقت عندهم في باب الحلف باليمين، يعني: السنة.

ص: 20

(يأتيني): فاعلُه ضمير يعود إلى الوحي.

(مثل): إما حالٌ من فاعل يأتيني، أو صفةٌ لمصدره؛ أي: إتيانًا مثلَ.

(صلصلة الجرس): أي: مثل صوته، والجَرَس: -بجيم وراء مفتوحتين وسين مهملة- معروف، وهو شبه الناقوس الصغير يوضع في أعناق الإبل.

والحكمة في إتيان الوحي له على هذه الكيفية: شغلُه عليه الصلاة والسلام بقوة صوتِ الملَكِ عما سوى الوحي، فيتفرغ لسماعه، ويتمكن عنده أقوى تمكُّن. هذا معنى كلام المُهلَّب.

وقيل: إن الملك كان ينزل بذلك إذا نزل بآيةِ وعيدٍ أو تهديدٍ.

(فيفصم عني): أي: يُقلع وينفصل، وفاعل يفصم ضمير يعود إما إلى الوحي، أو إلى الملَك.

قال الشيخ أبو الحسين (1) ابن سراج: فيه سر لطيف، وإشارة خفية إلى أنها بينونة من غير انقطاع؛ فإن الملك يفارقه ليعود إليه.

والفصم -بالفاء-: القطع من غير بينونة؛ بخلاف القصم -بالقاف-؛ فإنه كسر وبينونة (2).

وأصح الروايات (3) هنا في يَفْصِم -فتحُ المثناة من تحت وإسكان الفاء وكسر الصاد المهملة-، ورواية أبي ذر -بضم أوله وفتح ثالثه- على

(1) في "ج" و "ع": "الحسن".

(2)

في "ن" و "ع": "معه بينونة".

(3)

في "ج": "الروايتين تأتي".

ص: 21

البناء للمجهول، وَثَمَّ رواية أخرى: -بضم أوله (1) وكسر ثالثه (2) -؛ من أفصم المطر: إذا أقلع، رباعي، وهي (3) لغة قليلة.

(وقد وَعَيْتُ): أي: حفظت، ومنه:{أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]. يقال (4): وعيت العلمَ، وأوعيت المتاع.

وقال ابن القطاع (5): وأوعيتُ العلم (6) مثل: وعيته (7).

(عنه ما قال): كل من الضميرين المجرور والمرفوع يعود على الملَكِ المفهوم مما تقدم.

(وأحيانًا يتمثل لي الملكُ): هو جبريل عليه السلام، وبعضهم يجعل الملكَ من الأَلوك والأَلوكة بمعنى: الرسالة، فتكون الميم زائدة، وفيما بين الفاء والعين قلب، والأصل: مَألَك على أنه موضعُ الرسالة، أو مصدرٌ بمعنى المفعول، ثم قيل: مَلأَك، ثم نقلت حركةُ الهمزة (8) إلى اللام، ثم حذفت الهمزة، فقيل: مَلَك، ومنهم من يثبت لاك أصلًا، فلا قلب، لكن ليس بمشهور.

(1) قوله: "وفتح ثالثه

أوله": ليس في "ن".

(2)

في "ج": "وكسر الصاد".

(3)

في "ع": "هو".

(4)

في "ع": "ويقال".

(5)

"وقال ابن القطاع" ليس في "ن".

(6)

في "ع": "وعيت وأوعيت العلم".

(7)

انظر: "الأفعال" لابن القطاع (3/ 333).

(8)

في "م" و "ج": "الميم" وهو خطأ، والتصويب من "ن" و "ع".

ص: 22

وبعضهم يرى أن الهمزة زائدة، وأن اشتقاقه من ملك؛ لما فيه من معنى الشدة والقوة؛ كما في الملك والمالك، وملكتُ العجينَ: شددتُ عَجْنه.

(رجلًا): قال جماعة من الشارحين: تمييز.

قلت: الظاهر أنهم أرادوا تمييزَ النسبة، لا تمييز المفرد؛ إذ الملكُ لا إبهام (1) فيه.

فإن قلت: وتمييز النسبة لابد أن يكون محوَّلًا عن الفاعل؛ كتصببَ عرقُ زيدٍ؛ أي: عرقَ زيدٌ، أو المفعول؛ نحو:{الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12]؛ أي: عيون الأرض، وذلك هنا غير متأت.

قلت: هذا أمر غالب لا دائم، بدليل: امتلأ الإناءُ ماءً.

قال الزركشي: وقال ابن السِّيد: حال موطئة على تأويل الجامد بالمشتق؛ أي: مرئيًّا محسوسًا. انتهى (2).

قلت: آخرُ الكلام يدفع أولَه، وصرح بعضهم بأنه حال، ولم يؤوله بمشتق، وهو متجه؛ لدلالة رجل هنا (3) على الهيئة بدون تأويل، ولو قيل: بأنه (4) يتمثل هنا أُجري مجرى يصير؛ لدلالته على التحول والانتقال من حال إلى أخرى، فيكون رجلًا خبره؛ كما ذهب إليه ابن مالك في تحول وأخواته، لكان وجهًا، لكن قد يقال: إن معنى يتمثل: يصير

(1) في جميع النسخ: "إيهام"، والمثبت من "ع".

(2)

انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 7).

(3)

"هنا" ليست في "ع".

(4)

في "ن" و "ج": "بأن".

ص: 23

مثالًا، ومع (1) التصريح بذلك يمتنع أن يكون رجلًا خبرًا له، فتأمله.

وإذا تمثل الملك رجلًا، فهل يفنى الزائد من خلقه، أو يزال عنه من غير فناء، ثم يعود بعد التبليغ كما كان أولًا؟!!

احتمالان نبه عليهما إمام الحرمين.

وقال ابن عبد السلام: يجوز أن تنتقل روح الملك إلى صورة الرجل التي ظهر بها، ولا يكون ذلك موجبًا لموت جسده الأصلي الذي خُلق عليه أولًا، بل يبقى الجسد حيًّا؛ لأن (2) لا ينقص من معارفه شيء، ويكون انتقال روحه إلى الجسد (3) الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر.

قال: وموتُ الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلًا، بل بعادةٍ أجراها الله تعالى في بني آدم، فلا يلزم في غيرهم.

هذا كلامه، فتأمله (4).

قال أبو الزناد: إنما لم يذكر (5) عليه الصلاة والسلام رؤياه، مع أنها وحي؛ لأنه أخبر بما ينفرد به عن الناس، والرؤيا الصالحة قد يشركه غيرُه فيها (6).

(1) في "ج" و "ع": "ومعنى".

(2)

"لأن" ليست في "ن" و"ج" و"ع".

(3)

في "ج": "جسده".

(4)

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 29): والحق أن تمثل الملك رجلًا، ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلًا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه. والظاهر أيضًا أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى، بل يخفى على الرائي فقط، انتهى.

(5)

في "ج": يذكره.

(6)

انظر: "شرح ابن بطال"(1/ 36).

ص: 24

قلت: فيه نظر؛ إذ لا شركة في التحقيق؛ لأنها بالنسبة إليه وحي، وبالنسبة إلى غيره ممن هو غير نبي ليس وحيًا.

وقال السُّهَيلي: إنه تتبع وجوه الوحي تتبعًا لم يسبق إليه، فذكر سبعة أوجه: إسرافيل نزل أول البعثة أشهرًا، وجبريل على صورته، والمنام الصادق، والنفث في الرُّوع، والسماعُ بلا واسطة؛ كليلة الإسراء، وجبريل في صورة دِحْية، وفي مثل صلصلة الجرس (1).

قال ابن المُنَيِّر: وزدنا عليه بفضل الله تعالى (2) ثلاثةَ أوجه: اجتهاده عليه السلام؛ فإنه صواب قطعًا، وهو قريب من النفث في الرُّوع، إلا أن هذا مسبب عن النظر والاجتهاد.

قلت: فيه (3) نظر، فإن ظاهر كلام الأصوليين أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام والوحي إليه قسمان (4).

وروى أبو داود من حديث أبي سلمة رضي الله عنه، قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريثَ وأشياءَ قد دَرَسَتْ، فقال:"إِنَّما أَقْضي بَيْنَكُمْ برأيي (5) فيما لم ينزلْ عَلَيَّ فيه (6) "(7).

(1) انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (1/ 400).

(2)

لفظ الجلالة "الله تعالى" ليس في "م".

(3)

في "م": "وفيه".

(4)

في "م": "قسيمان"، والمثبت من النسخ الأخرى.

(5)

في "م" و"ج": "برأي"، والتصويب من "ن" و "ع" و"سنن أبي داود".

(6)

في "ج": "فيه شيء".

(7)

رواه أبو داود (3585)، لكن من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

ص: 25

وظاهر (1) هذا: أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام ليس وحيًا ينزل عليه، وأيضًا فليس بين القطع بأن اجتهاده صواب، وبين كونه وحيًا تَلازمٌ.

قال (2) الثاني: نزولُه وله دويٌّ كدويّ النحل.

الثالث: نزولُه في صورةِ رجلٍ شديدِ بياض الثياب، شديدِ سوادِ الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفُه من الصحابة أحد، وهذه غير صورة دِحْية؛ لأن دحية كان معروفًا.

قلت: فيه نظر؛ فإن ظاهر القصة (3) التي ذكر فيها مجيء جبريل عليه السلام على تلك الصورة يقتضي أنه لم يبلِّغ فيه وحيًا عن الله إلى رسوله (4) في هذه المرة (5)، وإنما جاء سائلًا له (6) عن شرائع الإسلام؛ ليعلِّمَ الناسَ دينَهم، فكيف يعدُّ هذا من وجوه الوحي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

قال: ويمكن أن يعد وجهٌ (7) حادي عشر: وهو وحيُ مَلَكِ الجبال إليه؛ لأنه قال: "يا محمد! إنَّ الله أَمَرَني أَنْ أُطيعَكَ في قومِك"(8)، وبلغه (9)

(1) في "ع": "فظاهر".

(2)

أي: ابن المنير.

(3)

في "ج" و"ع": "القضية".

(4)

في "ج" زيادة: "صلى الله عليه وسلم".

(5)

في "ع": "المدة".

(6)

"له" ليست في "ع".

(7)

في "ع": "وجهًا".

(8)

رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795) وفيه:"يا محمد! إن الله قد سمع قولَ قومِك لك، وأنا ملَكُ الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ ".

(9)

في "ن" و "ع": "فبلغه".

ص: 26

عن الله تعالى هذه (1) الرسالة، وهو الوحيُ بعينه.

ويمكن وجهٌ (2) ثاني عشر: وهو الوحي على لسان خَزَنَةِ السموات [من الملائكة، وكلُّهم قال له ليلةَ الإسراء](3): "ولَنِعْمَ المجيءُ جاءه (4) "(5)، وهذه بشارة منهم لا تكون إلا بإذن من الله لهم (6) في تبليغها إياه صلوات الله عليه وسلامه.

قلت: فيه نظر؛ إذ ليس في قول ملائكة السموات: "ولنعم المجيء جاء"، ما يقتضي مخاطبتهم إياه بذلك، ولا تبليغهم عن الله هذه البشارة، وكون (7) مثل هذا القول لا يصدر عنهم (8) إلا بإذن الله (9)، لا يلزم منه أن يكون تلفُّظُهم (10) في الجملة وحيًا إلى رسوله، نعم، لو ثبت أن الله أذن لهم (11) في تبليغهم ذلك عنه إلى رسوله، لكان من الوحي، لكن ليس ثَم ما يدل عليه، فتأمله (12).

(1) في "ج": "بهذه".

(2)

في "ن" و "ج": "يمكن أن يعد وجه"، وفي "ع":"وجهًا".

(3)

ما بين معكوفتين ليس في "ج".

(4)

في "ن" و "ج" و "ع": "جاء".

(5)

رواه البخاري (3207)، ومسلم (164) عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

(6)

"لهم" ليست في "ن".

(7)

في جميع النسخ عدا "ع": "وكونه".

(8)

في "ع": "منهم".

(9)

في "ن" و "ع": "من الله".

(10)

في "ع": زيادة: "به".

(11)

في "ع": "إذنهم".

(12)

في "ج": "انتهى" بدل قوله: "فتأمله".

ص: 27

(ولقد رأيته يَنزِل): بفتح أوله والزاي مخففة، وبضمه والزاي مفتوحة مشددة أو مخففة.

(وإن جبينه): الواو حالية، والجملة المنتظمة من هذا مع ما بعده حال، إما من ضمير الجر، أو الرفع (1) في قولها:"فينفصم عنه"، وأكدت بأن واللام، واسميةُ الجملة لقصد الإعلام بتحقيق (2) الحكم ألبتة، والردِّ على منكره تقديرًا من حيث غرابته.

ويحتمل أن يكون التأكيد؛ لوفور الباعث منها على تحقيق هذا الحكم، والحرص على قبول السامع له، فقد نَصَّ بعضُ أئمة البيان على أن التأكيد كما يكون لإزالة الشك، ونفي الإنكار من السامع (3)، قد يكون لصدق (4) الرغبة، ووفور النشاط من المتكلم، ونيل الرواج والقبول من السامع، ولهذا قال المنافقون لشياطينهم:{إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: 14]، على (5) أنه كلام من (6) غير المنكر.

والجبينُ غيرُ الجبهة، وهو فوق الصُّدْغ، والصدغُ: ما بين العين والأذن، فللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، والمراد -والله أعلم-: أن جبينيه معًا يتفصدان.

(1) في "ع": "والرفع".

(2)

في "ع": "بتحقق".

(3)

"من السامع" ليست في "ن".

(4)

في "ع": "لقصد".

(5)

في جميع النسخ عدا "ع": "مع".

(6)

في جميع النسخ عدا "ع": "مع".

ص: 28

فإن قلت: فَلِمَ أُفرِدَ؟

قلت: لأن الإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين لا يغني أحدُهما عن الآخر؛ كالعينين (1)، والأذنين، تقول: عينه (2) حسنة، وأنت تريد أن عينيه جميعًا حسنتان (3).

(ليتفصدُ): -بالفاء لا بالقاف- كما صَحَّفَه بعضهم؛ أي: يسيلُ وينصبُّ، ومنه الفصدُ.

(عرقًا): بالنصب على التمييز عن النسبة.

قال ابن المنير: ووجه الآية فيه مخالفةُ العادة في تفصُّد الجبين عرقًا في شدة البرد، فهذا يدل على طارئ زائد على الطبائع (4) البشرية، مضافًا إلى ما يظهر عقيبَ (5) ذلك من النطق بالحق والحكمة (6)، والإخبار بالغائبات على وجه يتحقق فيه الصواب، وفيه إشارة إلى ثقل الوحي؛ لأنه حق، وقد قال الله تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؛ لأن الحق رصين، والباطل سفساف.

* * *

(1) في "ع": "كالعين".

(2)

في جميع النسخ عدا "ن": "عين".

(3)

في "ج": "حسان".

(4)

في "ن" و "ج": "الطباع".

(5)

في "ع": عقب.

(6)

في "ع": "من النطق بالحكمة والحق".

ص: 29

3 -

(3) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْح، ثُمَّ حُببَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بغَارِ حِرَاءٍ، فَيتحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيتزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ:"مَا أَناَ بقَارِئٍ". قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَناَ بقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثانية حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَناَ بقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 1 - 3] ". فَرَجَعَ بهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُويلِدٍ رضي الله عنها، فَقَالَ:"زَمِّلُوني زَمِّلُوني"، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ:"لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نفسِي"، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِب الْحَقِّ.

فَانْطَلَقَتْ بهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتتْ بهِ وَرَقَةَ بْنَ نوفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجيلِ بالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كبيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا بْنَ عَمِّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ

ص: 30

أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا بْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ "، قَالَ: نعَمْ، لَمْ يَأتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ مَا جِئْتَ بهِ إِلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نصرًا مُؤزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفترَ الوَحْيُ.

(عُقيل): -بضم العين- ابن خالد الأيلي، ليس في البخاري -بضم العين- سواه، ومن عداه: بفتحها.

(عائشة): -بهمزة- وعوامُّ المحدثين يبدلونها ياء.

(أول ما بدئ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الوحي): من: لبيان الجنس، وقيل: للتبعيض، وهذه القصة (1) لم تحضرها عائشة رضي الله عنها، ولا أدركتها، فهذا من مراسيل الصحابة، والصحيح أنها حجة (2).

وقال الإسفراييني: لا يكون حجة إلا إذا قال: لا أروي إلا عن صحابي.

(مثلَ فلق الصبح): أي: ضيائه، ومثلَ: منصوبٌ على أنه حال من ضمير جاءت، قيل: وإنما عبرت عن صدق الرؤيا بفلق الصبح؛ لأن شمس النبوة قد كانت مبادئُ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتُها، وتم نورُها.

(1) في "ن": "القضية".

(2)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 235، 244).

ص: 31

(الخَلاء): -مفتوح (1) الخاء المعجمة ممدود-: الخلوة.

قال الخطابي: وهي مُعينة على الفكر (2)؛ لفراغ القلب معها، والبشر لا ينتقل عن سجيته إلا بالرياضة، فلطفَ الله به؛ حيث حَبَّبَ إليه في ابتداء أمره الخلوةَ، والانقطاعَ عن الخلطة بالناس؛ ليجد الوحيُ منه متمكنًا ومرادًا سهلًا (3).

(بغار حراء): الغار: النَّقْبُ في الجبل، وحِرَاء: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء.

قال القاضي: يمد ويقصر، ويؤنث ويذكر، ويصرف ولا يصرف.

يريد: أن الصرف مع التذكير على إرادة الموضع، والمنع مع التأنيث على إرادة البقعة.

وحكى الأصيلي: فتح الحاء والقصر.

وهو جبل على ثلاثة أميال من مكة على يسار الذاهب إلى منى (4).

(فيتحنث به (5)، وهو التعبد): الضمير المنفصل عائد إلى مصدر يتحنث، وهو من الأفعال التي معناها السلب؛ أي: اجتنابُ فاعلِها لمصدرها؛ مثل: تأثَّم وتحوَّب: إذا اجتنب الإثم والحَوْب.

(1) في "ع": بفتح.

(2)

في "ن": الذكر.

(3)

انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (1/ 127). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 9).

(4)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 480).

(5)

كذا في جميع النسخ، والذي في البخاري:"فيه" بدل "به".

ص: 32

وقال (1) العسكري: رواه بعضهم: "يتحنف"؛ أي: يتبع الحنيفية (2)؛ أي: دينَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام (3).

وفي "سيرة ابن هشام": تقول العرب: التحنُّث والتحنُّف، يريدون: الحنيفية، فيبدلون الفاء من الثاء؛ كما قالوا: جَدَث، وجَدَف، يريدون: القبر (4).

(الليالي): -منصوب على الظرف-، وعامله يتحنث، لا التعبد من قوله: وهو التعبد؛ لئلا يفسد المعنى.

(ينزع إلى أهله): أي: يحنُّ إليهم ويسير لهم.

(ويتزود لذلك): أي: لتحنُّثه في تلك الليالي، قيل: وفيه رد لقول الصوفية: إن من أخلص لله تعالى، أنزل عليه طعامًا، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بهذه المنزلة؛ لأنه أفضل (5) البشر، وفيه: أن اتخاذ (6) الزاد لا ينافي التوكل.

والضمير المجرور من قوله: "فيتزود لمثلها" عائد إلى الليالي.

(حتى جاءه الحق): أي: الأمرُ الحقُّ، وفي كتاب: التفسير: "حتى فَجِئَه الحق"(7)، يقال: فَجِئَهُ الأمرُ، وفَجَأَهُ يفجَؤُهُ؛ أي (8): أتى بغتة

(1) في "ع": "قال".

(2)

في "ع": "الحنفية".

(3)

انظر: "تصحيفات المحدثين" للعسكري (ص: 298).

(4)

انظر: "سيرة ابن هشام"(2/ 68).

(5)

في "ج": "أشرف".

(6)

في "م" و"ج": "اتخاذه"، والمثبت من "ن" و "ع".

(7)

رواه البخاري (4953).

(8)

في "ن" و "ع": "إذا أتاه".

ص: 33

-بكسر الجيم وفتحها في الماضي، وفتحها فقط في المضارع منهما-.

(فجاءه الملك): أي: جبريل عليه السلام.

وروى ابن سعد بإسناده: أن نزولَ الملك عليه بحراءٍ يومَ الاثنين لسبعَ عشرةَ خلتْ (1) من رمضان، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (2) ابن أربعين سنة (3).

(ما أنا بقارئ): الظاهر أن "ما" نافية، والباء زائدة في الخبر؛ أي: إني أُمِّيٌّ، فلا أقرأ الكتب، هذا هو الصحيح، ويؤيده أنه قد جاء في رواية:"ما أُحْسِنُ أَنْ أَقْرَأَ".

وقيل: استفهامية؛ بدليل رواية ابن إسحاق: "ما أقرأ؟ "(4).

ورُدَّ بأن الباء مانعةٌ من الاستفهامية، ورواية ابن إسحاق ليست نصًّا في الاستفهام، ولا تدفع النفي.

قلت: بل فيها ما يرجِّح الاستفهام، وذلك أنه قال بعدَ غَطِّ الملَكِ له في المرة الثالثة:[ثُمَّ أرسلَني فقال: اقرأ، قالَ: قلتُ: "ماذا أقرأ؟ " (5)، فهذا نص في الاستفهام يترجح به كونُ "ما" في قوله](6): "ما أقرأ؟ " استفهامية، وزيادة الباء في الخبر الموجب قال بها الأخفش، ومن تابعه، لكنه سماعي.

(1)"خلت" ليست في "ج".

(2)

"يومئذ" ليست في "ن".

(3)

انظر: "الطبقات الكبرى"(1/ 193).

(4)

انظر: "سيرة ابن إسحاق"(ص: 100).

(5)

انظر: "سيرة ابن هشام"(2/ 68).

(6)

ما بين معكوفتين سقط من "ن".

ص: 34

وقال ابن مالك في: "بحسبك زيد": إن (زيد)(1) مبتدأ مؤخر؛ لأنه معرفة، (وحسبك) خبر مقدم؛ لأنه نكرة، والباء زائدة فيه (2).

(حتى بلغ مني الجَهد): -بفتح الجيم-: المشقة، وجُوز (3) الضمُّ فيه، فالجهدُ (4) مرفوع على أنه فاعل بلغَ، ومفعوله محذوف؛ أي: بلغَ مني الجهدُ مبلغًا.

وقيل: هو -بضم الجيم-: الطاقة، فيكون الجهدُ منصوبًا، والمعنى: بلغ مني الملَكُ وُسْعَهُ وطاقته في الغَطِّ.

(فغطَّني الثالثةَ): قال أبو الزناد: فيه دليل على أن المستحبَّ في المبالغة في الحض (5) على التعليم ثلاث، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذ قال شيئًا، أعاده ثلاثًا (6)؛ للإفهام.

قيل: وفيه دليل على أن المؤدِّبَ لا يضرب (7) صبيًّا أكثرَ من ثلاثِ ضربات، وهو منقول عن شُريح.

وفي "السيرة": أن هذا الغطَّ كان في النوم (8).

(1)"زيد" ليست في "ن"، وفي "ع":"زيدًا".

(2)

انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 149).

(3)

في "ع": "ويجوز".

(4)

في "ن": "والجهد".

(5)

في "ن": "الحظ".

(6)

رواه البخاري (94)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(7)

في "ن": "على أمر المؤدب أن لا يضرب".

(8)

انظر: "سيرة ابن إسحاق"(1/ 100)، و"سيرة ابن هشام"(2/ 68).

ص: 35

قال السهيلي: فيكون في تلك الغطات الثلاث إشارةٌ إلى ثلاثِ شدائدَ يُبتلى بها، ثم يأتي الفرجُ، وكذلك كان لقي رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه شدةً من الجوع في الشِّعْب حين (2) تعاقدت قريشٌ على قطيعتهم، وشدةً أخرى من الخوف والإيعاد بالقتل، وشدةً أخرى من الإجلاء عن أحب الأوطان إليهم، ثم كانت العاقبةُ للمتقين، والحمد لله (3)(4).

(فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]): فيه دليل للجمهور أنه أولُ ما نزل، وفيه ردٌّ على من قال:

إن البسملة آيةٌ من كل سورة، وهذه (5) أولُ سورة نزلت، ولم يذكر فيها بسملة، قاله ابن القصار.

(فرجّع بها): هو عند الشيخ أبي الحسن: بتشديد الجيم.

قال أبو عمر (6): إن الصواب: التخفيف، يريد: أن المعنى: أنه رجع إلى بيته، -والتشديد- على (7) أنه رَجَّعَ بما أقرأه جبريل؛ أي: قرأه مَرَّات.

(يرجُف): -بضم الجيم-: يخفق ويضطرب.

(فؤادُه): قلبه على المشهور، وقيل: هو باطنُ القلب، قيل: غشاؤه (8).

(1)"رسول الله": ليست في "ن".

(2)

في "ع": "حيث".

(3)

"والحمد لله" ليس في "ع".

(4)

انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (1/ 405).

(5)

"هذه" ليست في "ج".

(6)

في "ج": "أبو عمرو".

(7)

"على" ليست في "ن".

(8)

في "ن": "هو غشاؤه".

ص: 36

(زملوني): أي: لُفُّوني في الثياب، ودثِّروني بها.

(الرَّوع): -بفتح الراء-: الفزع.

(وأخبرها الخبر): فيه أن الفازع لا يُسأل عن شيء حتى يذهب فزعُه.

وعن الإمام مالك: أن المذعور لا يلزمُه ما صدر (1) منه في حال ذعره من بيع وإقرار وغيره.

(لقد خشيتُ على نفسي): أي: خشيت ألَّا أُطيق حملَ أعباءِ الوحي؛ لما لقيتُه أولًا عند لقاء الملك، وليس معناه الشكَّ في أن ما أتاه (2) من الله تعالى، قاله القاضي، وأبدى احتمالًا آخر فيه بحث (3).

(كلا): هي عند البصريين حرفُ ردع، والمعنى هنا: كلَّا، لا (4) تقلْ ذلك (5)، أو كلَّا، لا خوفَ عليك.

(ما يُخزيك): -بضم أوله وبالخاء المعجمة-؛ أي: ما يفضحك، هذه رواية عقيل، ويونس، ورواه معمر -بالحاء المهملة والزاي والنون-، وعليه: فيجوز -فتح الياء مع ضم الزاي، وضم الياء مع كسر الزاي (6) -، يقال: حَزَنَه، وأَحْزَنَه بمعنى.

(إِنك): -بكسر الهمزة-؛ لوقوعها في الابتداء، وفُصلت هذه الجملة

(1) في "ع": "حصل".

(2)

في "ع": "أتى".

(3)

انظر: "إكمال المعلم"(1/ 484). وانظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 270).

(4)

"لا" ليست في "ج".

(5)

في "ن": "ذاك".

(6)

"وضم الياء مع كسر الزاي" ليس في "ع".

ص: 37

عن الأولى؛ لكونها جوابًا عن سؤالٍ (1) اقتضته، وهو سؤال عن سبب خاصٍّ، فحَسُنَ التأكيد، [وذلك أنها لما بتَّتِ القول (2) بانتفاء الخِزْي عنه، وأقسمتْ عليه، انطوى ذلك على اعتقادها](3) أن ذلك لسبب عظيم، فيقدر (4) السؤال عن خصوصه (5)، حتى كأنه قيل: هل سببُ ذلك هو الاتصافُ بمكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف (6)؛ أي (7): كما يشير إليه كلامك؟!!

(فقالت: إنك لَتصلُ الرحم): أي: تُحسن قرابتك (8) الذين يجمعهم رحمُ والدِك، وهي (9) في الأصل معنى من المعاني، وهو الاتصال الذي يجمعه رحمُ الوالد، فسميت القرابة بها (10).

(الكَل (11)): -بفتح الكاف-: الثِّقْل -بكسر الثاء المثلثة (12) وإسكان القاف-.

(1) في "ج": "سؤاله".

(2)

في "ن": "وذلك لما لم يبت القول".

(3)

ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(4)

في "ع": "فتقدير".

(5)

في "ع ": "خصوصية".

(6)

في "ج": "في الأوصاف".

(7)

"أي" ليست في "ع".

(8)

في "ن" و "ع": "إلى قرابتك".

(9)

في "ج": "وهو".

(10)

في "ع": "بهما".

(11)

في "ن": "كل".

(12)

"المثلثة" ليست في "ن".

ص: 38

(تَكسب): -بفتح المثناة من فوق- على الأفصح المشهور؛ أي: تكسب لنفسك.

(المعدوم): أي: عند الناس من الفوائد والنفائس الدينية (1)، وقيل: بل المراد تُكسب غيرَك المعدومَ عندَ سواك (2)، وكسب يتعدى بنفسه إلى واحد؛ نحو: كسبت المال، وإلى اثنين؛ نحو: كسّبتُ غيري المالَ، وهذا منه، وبعضُهم يرويه: -بضم المثناة-؛ من أكسب، ومعنى الكلام كما سبق.

وقال الخطابي: -بناء على ضم التاء- الرواية: "المعدوم"، ولكن الصواب: المُعدَم (3)؛ لأن المعدوم لا يُكسَب (4).

وفي "تهذيب الأزهري" عن ابن الأعرابي: رجل عديم: لا عقل له، ومعدوم: لا مال له (5).

قلت: كأنهم نزلوا وجودَ من لا مالَ له منزلةَ العدم، وحينئذ يندفع ما قاله الخطابي.

(وتَقري): -بفتح التاء- مضارع قرى الضيف: إذا هيأ له طعامه ونُزُلَه.

(نوائب): جمع نائبة، وهي الحادثة النازلة (6)، سواء كانت في حق، أو باطل، ولذلك أضافتها إلى الحق.

(1) في "ع": "الدينية والدنيوية".

(2)

في "ع": "سؤال".

(3)

في "ن" و"ع": "المعدوم".

(4)

انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (1/ 129). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 13).

(5)

انظر: "تهذيب اللغة"(2/ 149).

(6)

في "ن" و "ع": "والنازلة".

ص: 39

وفيه: دليل على فضل خديجة، وجزالة رأيها.

وفيه: تأنيس من نزل به خوف (1) بذكر أسباب السلامة، وأن من نزل به ذلك، ينبغي له أن يشارك فيه من يثق بنصحه.

قيل: وفيه: جواز تزكية الرجل في وجهه بما فيه من خير، و "احْثُوا الترابَ (2) في وُجوهِ المَدَّاحينَ"(3) محمولٌ على المدح الباطل (4).

قلت: يتعين أن يقيد بما إذا أُمِنَت الفتنةُ من إعجابٍ بالنفس (5)، وهو قضيةُ الحديث؛ لأنه عليه السلام معصومٌ من ذلك كله.

(ورقةَ بنَ نوفلِ بنِ أسدِ بنِ عبدِ العزى ابنَ عمِّ خديجةَ): لأنها خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسد، وابنَ عمِّ خديجة يكتب فيه ابن (6) بالألف، ويضبط بالنصب على أنه تابع لورقة، ولو جُرَّ، لكان صفةً لعبد العزى، وهو باطل.

(تنصَّرَ في الجاهلية): أي: وترك عبادة (7) الأوثان.

(وكان يكتبُ الكتابَ العبراني، فيكتبُ من الإنجيل بالعبرانية): وفي التعبير والتفسير من البخاري: "يكتبُ الكتابَ العبرانيَّ، فيكتبُ

(1) في "ج": "ما نزل به من خوف".

(2)

"التراب": ساقطة من "ج".

(3)

رواه مسلم (3002) عن المقداد رضي الله عنه.

(4)

في "ج": "بالباطل".

(5)

في "ن" و "ع": زيادة: "ونحوه".

(6)

"ابن" ليست في "ج".

(7)

في "ج": "عبدة".

ص: 40

بالعربية من الإنجيل" (1).

وفي "صحيح مسلم": "العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل"(2)، والكلُّ صحيح؛ أي (3): كان يحسن الكتابة العربية والعبرانية، ويحسن التلفظ باللغتين، فيكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، تارة بهذا، وتارة بهذا.

(الناموس): صاحبُ سرِّ الخير، والجاسوس: صاحبُ سرِّ الشر.

(الذي نزّل (4) الله (5) على موسى): قيل: هذا لا يلائم قوله: تنصر.

وتمحَّلَ له السهيليُّ بما لم أرَ ذكره.

وقد رواه الزبيرُ بن بكار، فقال:"ناموسُ عيسى بنِ مريم"(6)، يريد: جبريل عليه السلام.

(يا ليتني): ذهب ابنُ مالك إلى أن "يا" في هذا المحل وأمثاله حرفُ تنبيه، لا حرفُ نداء كما يظنه كثيرون (7).

(1) رواه البخاري في: التعبير (6982)، وفي: التفسير (4953)، ولفظه:"وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل".

(2)

رواه مسلم (160).

(3)

في "ج": "إن".

(4)

في "ن" و "ج" و"ع": "أنزل".

(5)

لفظ الجلالة "الله" ليس في "ج" و "ع".

(6)

رواه الزبير بن بكار في: "جمهرة نسب قريش وأخبارها"، وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 35): فيه عبد الله بن معاذ ضعيف. ثم ساق له شاهدًا، وحسنه، وقال: كل صحيح.

(7)

انظر: "شواهد التوضيح"(ص: 4).

ص: 41

قال: لأن القائل: يا ليتني؛ قد يكون وحدَه، فلا منادى ثابت، ولا محذوف، ولأن (1) العرب لم تستعمل المنادى قبل ليت ثابتًا، فادعاءُ حذفه باطل؛ لخلوه من دليل، وفيه بحث.

(فيها): أي: في مدة النبوة، أو (2) الدعوة، أو الدولة.

(جَذَعًا): -بجيم وذال معجمة مفتوحتين-؛ أي: شابًّا قويًّا على نصرتك، أو (3) أولَ مَنْ يُجيبك إلى الإيمان (4).

أصله: أن يستعمل للدواب باعتبار سِنٍّ مخصوص، ثم استُعير للإنسان، إما باعتبار القوة، فيجيء الأول، أو باعتبار الأولية؛ فإن الجَذَع أولُ الأسنان (5)، فيجيء الثاني، والظاهر هو الأول. والمشهور هنا النصبُ، إما على أنه حال من الضمير المستكن في خبر ليت، وهو فيها، وإما على أنه خبر لأكون محذوفًا، وإما خبر لليت على أنها تنصب الجزأين، ولا إشكال في الأول، كما أنه لا إشكال في رفع جذع كما وقع للأصيلي هنا.

(إذ يخرجك): فيه استعمال إذ للاستقبال كإذا؛ نحو: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 70 - 71]، والجمهور لا يثبتون مثل هذا، والآية متأولة.

(1) في "ن": "لأن"، وفي "ج":"وأن"، وفي "ع":"كأن".

(2)

في "ج": "و".

(3)

في "ع": "و".

(4)

في "ع": "إلى الإسلام".

(5)

في "ج": "الإنسان".

ص: 42

(أوَ مخرجيَّ هم؟): -بفتح الواو وتشديد ياء "مخرجيَّ"- جمع مُخْرِج مضاف إلى ياء المتكلم، و"هم (1) " مبتدأ مؤخر، "ومخرجيَّ" خبر مقدم، ولا يجوز العكس؛ لئلا يخبر عن النكرة بالمعرفة؛ لأن الإضافة في "مخرجيَّ" لفظية، ولا يجوز أن يكون "مخرجيَّ" مبتدأ، و"هم" فاعلًا؛ لأن "مخرجيَّ جمع"، والوصف (2) وما بعده إذا تطابقا في غير الإفراد كان الأول خبرًا مقدمًا، قاله ابن الحاجب (3).

قلت: بناؤه على المشهور، وأما على لغة:"يتعاقبون"، فلا يمتنع، أما لو كان مخرج (4) مفردًا، وأُضيف إلى ياء المتكلم، لتعين إعراب هم فاعلًا به على رأي من يجيز كونَ مرفوع الوصف المبتدأ ضميرًا منفصلًا؛ كابن الحاجب، وابن مالك، ومنهم من يمنع مثلَ هذا التركيب أصلًا، ومحلُّ بسطه كتبُ العربية.

(وإن يدركْني يومُك): أي: وقتُ انتشار نبوَّتِك.

وفي (5)"السيرة": "إن أدركْ ذلكَ اليومَ"(6).

قالوا: والذي في البخاري هو الوجه؛ لأن ورقة سابق بالوجود (7)، والسابقُ هو الذي يدركه ما يأتي بعده.

(1) في "ع": "وهو".

(2)

في "ع": "الوصف".

(3)

انظر: "الأمالي النحوية" لابن الحاجب (3/ 25).

(4)

في "ع": "يخرج".

(5)

في "ع": "في".

(6)

انظر: "سيرة ابن إسحاق"(ص: 100).

(7)

في "ج": "في الوجود".

ص: 43

قلت: وجه السهيلي ما في "السيرة": بأن المعنى؛ إن أدرك (1) ذلك اليوم، فسمَّى رؤيتَه إدراكًا (2).

(مؤزَّرًا): -بهمزة وتُسهل- على زنة مُفَعَّل؛ من الأَزْر، وهو القوة.

(ثم لم ينشَب ورقة): -بفتح ثالثه (3) -؛ أي: لم يمكث.

(أن تُوفي): -في محل رفع- على أنه بدلُ اشتمالٍ من ورقة؛ أي: لم تتأخر وفاته عن هذه القصة.

وفي "السيرة": "أن ورقة بن نوفل كان يمر ببلال وهو يعذَّب، وهو يقول: أَحَدٌ أحد، فيقول: أحد أحد واللهِ يا بلال، ثم يُقْبل على أميةَ بن خَلَف ومَنْ يصنع (4) به ذلك من بني جُمَح، فيقول: أحلفُ بالله لئن قتلتموه على هذا، لأتخذنه حنانًا"(5)، وهذا مخالف لما في "البخاري"، فتأمله.

(وفتر الوحيُ): أي: سكن وأغبَّ نزولُه وتتابُعه.

وقد جاء في حديث مسند ذكره السهيلي: أن الفترة كانت سنتين ونصفًا، وبه جمع بين قول أنس: أنه عليه السلام أقام بمكة عشر سنين، وقولِ ابن عباس: ثلاثَ عشرةَ سنة، وذلك أنا إذا أضفنا زمنَ الفترة إلى زمن ابتداء الوحي بالرؤيا الصالحة، وهي ستة أشهر، كان مجموع ذلك

(1) في "ع": "أرَ".

(2)

انظر: "الروض الأنف"(1/ 409).

(3)

في "ع": "بفتح أوله وبفتح ثالثه".

(4)

في "ن" و "ع": "ومن كان يصنع".

(5)

انظر: "سيرة ابن إسحاق"(ص: 169).

ص: 44

ثلاثَ سنين، فيجيء من اعتبار (1) ذلك [قول ابن عباس، وإن اعتبرنا العددَ (2) من حين حميَ الوحيُ وتتابع، جاء قول أنس، وسيأتي](3) فيه كلام (4) إن شاء الله تعالى.

* * *

4 -

(4) - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ -وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ-، فَقَالَ فِي حَدِيثهِ:"بَيْنَا أَناَ أَمْشِي، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُوني، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]، فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتتابَعَ".

تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ:"بَوَادِرُهُ".

(بَيْنَا): ظرف زمان مكفوفٌ بالألف عن الإضافة إلى المفرد، والتقدير بحسب الأصل: بين أوقات.

(أنا أمشي إذ سمعتُ): وفيه ردٌّ على الأصمعي حيث ادعى أن الفصيح (5)

(1) في "ن": "باعتبار".

(2)

في "ع": "اعتبر بالعدد".

(3)

ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(4)

في "ع": "الكلام".

(5)

في "ج": "الأفصح".

ص: 45

تركُ إذ وإذا في جواب بينا وبينما، وإذ هذه للمفاجأة، [وهل هي ظرف زمان، أو مكان، أو حرفٌ بمعنى المفاجأة](1)، أو حرف مؤكد؟ أقوال معروفة في محلها.

(جالس): -بالرفع- على الخبرية، وقد يُنصب على الحالية كما قرروه (2) في مثل: خرجت فإذا زيدٌ جالس.

[(كُرسي): -بضم الكاف لا بكسرها- على الأشهر](3).

(فرَعُبت): قيده الأصيلي -بفتح الراء وضم العين المهملة-؛ من الرعب، وهو الخوف، وقيده غيره -بضم الراء وكسر العين- على ما لم يُسم فاعلُه، قال القاضي: وهما صحيحان (4).

(زملوني، فأنزل الله عز وجل (5) -: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]: وفي تفسير سورة المدثر: "دثِّرُوني وصُبُّوا عَلَيَّ ماءً باردًا، فنزلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] "(6)، وهذا يدل على أن التدثر والتزمل (7) بمعنى واحد، وهو كذلك، وظاهرُ الحديث أو نصُّه: أن (8) نزول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]

(1) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(2)

في "ع": "قرره".

(3)

ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(4)

انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 294).

(5)

في "ع": "زملوني، فأنزل الله عليه".

(6)

رواه البخاري (4922).

(7)

في "ع": "التدثير والتزميل".

(8)

في "ج": "على أن".

ص: 46

بعد فترة الوحي، فلا تمسُّكَ فيه لمن قال: إنها (1) أولُ ما نزل (2) من القرآن.

(فحمي الوحي): أي: قويَ واشتدَّ، كما قال: وتتابع.

(تابعه): أي: يحيى بنَ بكير (3).

(عبدُ الله بنُ يوسف وأبو صالح): فتكون الرواةُ عن الليث ثلاثةً.

(وتابعه): أي: عقيلًا، هلالٌ.

(وقال يونس، ومعمر: بوادِرُه): أي: إن أصحاب الزهري اختلفوا، فروى عنه عقيل:"يَرْجُفُ فُؤادُهُ" -كما مَرَّ-، وتابعه على ذلك هلالُ بنُ رَدَّاد (4)، وروى عنه يونسُ ومعمرٌ:"ترجُفُ بَوادره"(5) -بفتح الباء الموحدة- جمعُ بادِرَة، وهي اللَّحمة التي بينَ المنكِب والعُنُق تضطربُ عندَ فزعِ الإنسان.

قال أبو عبيدة (6): تكونُ من الإنسانِ وغيرِه (7).

(1) في "ع": "أنهما".

(2)

في "ع": "مما نزل".

(3)

في "ن" و "ع": "يحيى بن عبد الله بن بكير".

(4)

في "ج": "داود"، وهو خطأ. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 38): وحديث هلال في "الزهريات" للذهلي.

(5)

رواه البخاري (4670)، ومسلم (160).

(6)

في "ع": "عبيد".

(7)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (1/ 69).

ص: 47

5 -

(5) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبي عَائِشَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلهِ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16]. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَناَ أُحَرِّكهُمَا لَكُمْ كمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَناَ أُحَرِّكهُمَا كمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17]. قَالَ: جَمْعُهُ لَهُ فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]. قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نقرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ، اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ، قَرَأَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كمَا قَرَأَهُ.

(أبو عَوانة): -بفتح العين المهملة-.

(يعالج من التنزيل شِدَّةً): أي: يُزاول لأجل التنزيل شدةً، فمِنْ تعليلية.

(وكان (1) مما (2) يحرك شفتيه): الضمير في كان يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤيده التصريحُ به في رواية مسلم:"وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزلَ عليه الوحيُ مما يحركُ شَفَتيه"(3)، ومما مرادفة ربما؛ كقوله:[من الطويل]

(1) في "ن": "فكان".

(2)

في "ع": "ممن".

(3)

رواه مسلم (448) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 48

وَإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الْكَبْشَ ضَرْبَةً

عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي (1) اللِّسَانَ مِنَ الفَمِ (2)

قاله السيرافي وجماعة. ومعناها: التكثير، وخَرَّجوا عليه قولَ سيبويه: واعلم أنهم مما يحذفون كذا، قال ابن هشام: والظاهر: أن مِنْ (3) فيهما ابتدائية، وما مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب والحذف، مثل:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37](4).

قلت: ليس المثالان نظير (5) الآية، ولا يتأتى فيهما ما أراد؛ وذلك لأن فعل الصلة فيهما مسند إلى ضمير يرجع إلى المحدث عنهم، فيلزم عند الشك إضافةُ المصدر إلى ذلك الضمير، فيؤول الأمر إلى جعلهم كأنهم خُلقوا من ضربهم ومن حذفهم، وذلك غير (6) متصوَّر ألبتة، وهذا ليس بموجود في الآية.

وانظر هل يمكن جعل قوله: "يحرك شفتيه" خبر كان، والتقدير: وكان (7) رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه مما يعالج، فحذف صلة ما (8)؛ للعلم بها؛ كقوله:[من مجزوء الكامل المرفَّل]

(1) في "ع": "يلقي".

(2)

البيت لأبي حية النميري.

(3)

"من" ليست في "ج".

(4)

انظر: "مغني اللبيب"(ص: 424).

(5)

في "ج": "ليس مثلها لأن نظير".

(6)

"غير" ليست في "ج".

(7)

في "ن" و "ع": "كان".

(8)

في "ن": "فحذفت صفة ما".

ص: 49

نَحْنُ الأُلَى فَاجْمَعْ جُمُو

عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا (1)(2)

أي: نحن الأُلى عُرفوا بالنجدة والشجاعة، فتأملْه.

* * *

6 -

(6) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَحَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونس، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرْسَلَةِ.

(وكان أجودُ ما يكونُ في رمضانَ): فيه استعمالُ رمضان مجردًا عن لفظة (3) الشهر، وقد تكرر في الأحاديث كثيرًا، وسيأتي الكلام عليه في الصيام إن شاء الله تعالى.

وأجودُ: إما (4) مرفوعٌ على أنه اسمُ كان مضافٌ إلى المصدر المسبوك (5)

(1) في "م": "إليَّا".

(2)

البيت لعبيد بن الأبرص، كما ذكر البغدادي في "خزانة الأدب"(2/ 253).

(3)

في "ن": "لفظ".

(4)

في "ج": "ما".

(5)

في "ع": "المصدر المنزل".

ص: 50

من ما (1) يكون؛ أي: أجودُ أكوانه، وفي رمضان خبرُها، أو على أنه بدلُ اشتمالٍ من اسم كان، وهو حينئذ ضمير عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما منصوبٌ على أنه خبرُ كان، واسمُها ضميرٌ مستكِنٌّ كما سبق، وما حينئذٍ مصدرية ظرفية؛ أي: كان عليه السلام متصفًا بالأجودية مدةَ كونِه في رمضان، مع أنه أجودُ الناس مطلقًا، وإنما التفضيلُ بين حالتيه هو في رمضان، وفي غيره.

قلت: ولك مع (2) نصب أجودَ أن تجعل "ما" نكرةً موصوفة، فيكون في رمضان متعلقًا بكان، مع أنها ناقصة بناءً على القول بدلالتها على الحدث، وهو الصحيحُ عند جماعة، واسمُ كان ضميرٌ عائد إليه (3) عليه السلام، أو إلى جودِه المفهومِ مما سبق؛ أي: وكان (4) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ شيءٍ يكون (5)، أو وكان (6) جودُه (7) في رمضان أجودَ شيءٍ يكون، فجعل الجودُ متصفًا بالأجودية مجازًا؛ كقولهم: شعرٌ شاعرٌ.

(فيدارسه (8) القرآن): لكي يتقرر عنده، ويرسخ أتمَّ رسوخ فلا ينساه،

(1) في "ن": "لم".

(2)

"مع" ليست في "ج".

(3)

في "ن": "واسم كان عائدًا ضميرًا إليه".

(4)

في "ع": "كان".

(5)

في "ج" زيادة: "في رمضان".

(6)

في "ع": "ولأن".

(7)

في "ع": "أو كان جوده".

(8)

في "ن": "يدارسه".

ص: 51

وكان هذا إنجاز وعده تعالى لنبيه عليه السلام حيث قال (1): {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]، وخُصت مدارسة القرآن برمضان؛ لشرفه، ولنزول القرآن فيه جملة إلى سماء الدنيا.

(فلرسولُ الله): قال الزركشي: اللام جوابُ قسمٍ مقدرٍ (2).

قلت: أو لام الابتداء، ولا نقدر (3) شيئًا، وفي قوله: اللامُ جوابُ قسم مسامحةٌ.

قال المهلب (4): المعنى في كثرة جوده عليه السلام في هذه الحالة: أنه امتثل ما كان الله تعالى أمر (5) به من تقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول، فتصدق عندَ مناجاة الملَك، وترداده عليه في رمضان، وهذا الأمر (6)، وإن كان منسوخًا، وقد (7) فعل عليه السلام في خاصته (8) أشياء منع منها أمته؛ كالوصال (9) في الصيام (10).

(1) في "ع" و "ج": زيادة: "له".

(2)

انظر: "التنقيح"(1/ 19).

(3)

في "ع" و "ج": "يقدر".

(4)

في"ج": "المهلبي".

(5)

في "ج": "أمره".

(6)

في "ع": "لأمر".

(7)

في "ن" و"ع": "فقد".

(8)

في "ع": "في خاصية".

(9)

في "ن": كالوصالة.

(10)

رواه البخاري (1861)، ومسلم (1102)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 52

قال ابن المنير: وأحسنُ من هذا: أن (1) مدارسته له بالقرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، ولهذا قال عليه السلام:"مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ، فَلَيْسَ مِنَّا"(2)؛ أي: من لم يستغن، والغنى سببُ (3) الجود، ويحقق ذلك: أن الجود المذكور أعمُّ من الصدقة، فلو أنه من جنس {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]، لكان جودهُ حينئذ يختص (4) بالصدقات، وقد جاء الكلام عامًّا يشمل الصدقاتِ والنِّحَلَ والعطايا والنفقاتِ (5).

(من الريح المرسَلَة): أي: إسراعًا، كذا قيل، والذي يظهر لي: أن المراد بالريح المرسَلَة: هي اللينةُ السهلةُ الهبوب، ضدّ العاصفة، وكأنه من قولهم: ناقةٌ مِرْسال (6)؛ أي: سهلة السير.

* * *

7 -

(7) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بالشَّأْمِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)"أن" ليست في "ع".

(2)

رواه البخاري (7527).

(3)

في "ج": "بسبب".

(4)

في "ع": "مختص".

(5)

في "ج": "والعطايا والصدقات".

(6)

في "ج": "ناقة مرسلة".

ص: 53

مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأتوْهُ وَهُمْ بإيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيانَ: فَقُلْتُ: أَناَ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي، فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ! لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا، لَكَذَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبعُونهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنتمْ تتَّهِمُونه بالْكَذِب قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنحنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوه؟ قُلْتُ: نعمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا، وَننالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئًا، وَاتْرُكوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكمْ، وَيَأْمُرُناَ بالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نسَبهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبٍ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَد مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ: رَجُل يَأْتَسِي بقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ

ص: 54

أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبيهِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كنتمْ تتَّهِمُونهُ بالْكَذِب قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أتبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلتكَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذلِكَ أَمْرُ الإيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ: بمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَسَيَمْلِكُ مَوْضعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أنِّي أَعْلَمُ أنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ، لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. ثُمَّ دَعَا بكِتَاب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بهِ دِحْيةُ إِلَى عَظِيم بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: بسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيم الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّين، وَ:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

ص: 55

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَاب، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَأخرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابي حِينَ أخرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبي كبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ.

وَكانَ ابْنُ النَّاظُورِ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْناَ هَيْئتَكَ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَألوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ، فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنهم، وَاكتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ، فَتقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ برَجُلٍ أَرْسَلَ بهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ، قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَب، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كتبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ برُومِيَةَ، وَكانَ نظِيرَهُ فِي الْعِلْم، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أتاهُ كتَابٌ مِنْ صَاحِبهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ نبَيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءَ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بأَبْوَابهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ! هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فتبَايِعُوا هَذَا النَّبيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَاب، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ:

ص: 56

إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبرُ بهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ، وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.

رَوَاهُ صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَيُونُسٌ، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

(هِرَقل): -بكسر الهاء وفتح الراء-؛ كدمشق على المشهور، يقال (1): -بسكون الراء مع كسر القاف- كخِذْرِف، وهو اسمٌ (2) له لا ينصرف (3) للعلمية والعجمة، ولقبه قيصرُ، قاله الشافعي رضي الله عنه (4).

(في ركب من قريش): في هنا للمصاحبة؛ نحو: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} [الأعراف:]؛ أي: معهم.

قيل: إنهم كانوا ثلاثين رجلًا، وسمي منهم المغيرة بن شعبة، وذلك في "مصنف ابن أبي شيبة" بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب (5).

وانتقده شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني رحمه الله بأن هذه الرواية يعارضها أن المغيرة كان مسلمًا في الحديبية، وأسلم عام الخندق، فيبعد (6) أن يكون حاضرًا (7) وهو مسلم ويسكتَ؛ لأن الكتاب (8) كان في مدة الهدنة (9).

(1) في "ن" و "ع": "ويقال".

(2)

في "ن": "الاسم".

(3)

في "ن": "تصرف".

(4)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 376).

(5)

رواه ابن أبي شيبة (36627).

(6)

في "ع" و "ج": "ويبعد".

(7)

في جميع النسخ عدا "ع": "حاضر".

(8)

في "ع": "لأن مدة الكتاب".

(9)

في "ج": "مدة المهادنة".

ص: 57

(تجارًا (1)): على زنة كفار، وتِجَار على زنة كلاب، جمع تاجر.

(بالشأم): هو إقليم معروف، يقال: مهموزًا ومسهلًا، وزاد أبو الحسين بن سراج: شآم -بهمزة ممدودة (2) -، قال القاضي: وأباه أكثرهم فيه إلا في النسب (3)(4).

(مادّ): -بتشديد الدال المهملة- فاعَلَ من المدة (5)، ويريد بها: مدةَ الصلح الذي وقع بالحديبية سنة ستٍّ، وهي عشرُ سنين.

(أبا سفيان وكفارَ قريش): قال الزركشي: كفار قريش -بالنصب- مفعول معه (6).

قلت: لا يتعين؛ لجواز كونه معطوفًا على المفعول به؛ أعني: أبا سفيان.

(بإِيْلِياء): -بهمزة مكسورة فمثناة من تحت ساكنة فلام مكسورة فمثناة من تحت فألف ممدودة- بوزن كبرياء، وهي بيت المقدس، قيل: معناه: بيت الله، ويقال: -بالقصر (7) -، ويقال: -بحذف الياء الأولى وسكون اللام-، حكي الثلاثة في "المشارق"(8).

(1) في "ج": "تجار".

(2)

في "ج""مهموزة ممدودة".

(3)

في "ن": "إلا بالنسب".

(4)

انظر: "مشارق الأنوار"(2/ 262).

(5)

في "ع": "المادة".

(6)

انظر: "التنقيح"(1/ 20).

(7)

في جميع النسخ عدا "ج": "بالنصب".

(8)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 59).

ص: 58

(بالتَّرجُمان): هو المفسِّرُ لغةً (1) بلغة أخرى لمن لا يفهمها.

وقال ابن الصلاح: ليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة بأخرى (2)، فقد أطلقوا على قولهم: باب كذا: اسمَ الترجمة؛ لكونه يعبر عما ذكر بعده، وقد كان أبو حمزة (3) يترجم بين يدي ابن عباس، ومحمله على أنه كان يترجم عنه إلى من خفي عليه الكلام من الناس؛ لزحامٍ، أو اختصار (4).

قيل (5): هو مُعَرَّب، وقيل: عربي، ويقال: بفتح المثناة من فوق وضم الجيم، وقد يضمان معًا.

(أيكم أقربُ نسبًا؟): قال ابن بطال: فيه دليل على أن أقارب الإنسان أولى بالسؤال عنه من غيرهم؛ من أجل أنه لا ينسب إلى قريبه ما يلحقه به عار في نسبه عند العداوة كما يفعل غير القريب (6).

قلت: يا عجبًا للاستدلال بقول هرقل على أمر مشروع مع أنه من الكفار، وأيضًا فقد يعارض ما ذكره بأن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًا له؛ لدخوله في شرف النسب الجامع لهما.

قال ابن المنير بعد حكايته (7) كلامَ ابن بطال: وأيضًا فإن الأقارب

(1)"لغة" ليست في "ن".

(2)

في "ج": "لغة بلغة"، وفي "ع":"بتفسير لغة أخرى".

(3)

في "ن": "جمرة".

(4)

نقله العيني في "عمدة القاري"(1/ 308).

(5)

في "ع": "وقيل".

(6)

انظر: "شرح ابن بطال"(1/ 45).

(7)

في "ع": "حكاية".

ص: 59

أخبرُ من الأجانب، ولهذا لا تُقبل (1) تزكيةُ البعيد، وندع تزكية القريب المصاحب إما في نسب، أو جوار، أو معيشة، وهذا، وإن كان من تصرف هرقل، وهرقلُ كافر، فهو مما صوبه حملة الشريعة وحسنوه (2)، واستدلوا به على سداد سياسة هرقل، ودقةِ نظره.

قلت: لا يلزم من تحسينهم لذلك وتصويبه جعله دليلًا لهذا الحكم، إنما الدليل ما نصبه الشارع دليلًا، وموافقةُ شخص من الكفرة برأيه، ونظرِه لذلك الحكم الذي قام الدليلُ الشرعي عليه (3) لا يقتضي جعلَ كلامِ ذلك الكافر دليلًا، هذا ما لا سبيل إليه أصلًا.

قال ابن الملقن: وفيه تقديمُ صاحب الحسب في أمور المسلمين، ومهماتِ الدين والدنيا (4).

قلت: وفيه من الإشكال ما مر (5).

(كَذَبني): -بتخفيف المعجمة-: نقل (6) إليَّ الكذبَ.

(يأثُروا): -بضم المثلثة وكسرها-، واقتصر في "المشارق" على الضم، ومعناه: يتحدثوا (7).

(1) في "ن" و "ج": "يقبل".

(2)

في "ج": "حسنوا".

(3)

"عليه" ليست في "ج".

(4)

انظر: "التوضيح"(2/ 413).

(5)

في "ن": "مثل ما مر".

(6)

في "خ ": "نسبة".

(7)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 18).

ص: 60

(عليَّ): أي: عني.

(لكذبت (1) عنه): أي: عليه، فقد تعارض الحرفان.

(ثم كان أولَ ما سألني عنه): قال الزركشي: يجوز نصبه ورفعه (2).

قلت: هذا على إطلاقه لا يصح، وإنما الصوابُ التفصيل، فإن (3) جعلنا "ما" نكرة بمعنى شيء، تعين نصبه على الخبرية، وذلك لأن أن قال (4) مؤول بمصدر معرفة.

بل قال ابن هشام: إنهم حكموا له بحكم الضمير (5).

فإذن يتعين أن يكون هو اسم كان، و (أولَ ما سألني) هو الخبر؛ ضرورة أنه متى اختلف الاسمان تعريفًا وتنكيرًا، فالمعرفُ الاسمُ، والنكرةُ الخبرُ، ولا يعكس إلا في الضرورة، وإن جعلنا "ما" موصولة، جاز الأمران، لكن المختار جعلُ أن قال هو الاسم؛ لكونه أعرفَ.

(ذو نسب): أي: شريف؛ ليصح كون (6) هذا جوابًا عن قوله: كيف نسبه فيكم؟

(فهل قال هذا القولَ منكم أحدٌ قَطُّ قبلَه): فيه شاهد على أن قَطُّ

(1) في "ج": "الكذب".

(2)

انظر: "التنقيح"(1/ 20).

(3)

في "ج": "وإن".

(4)

"قال" ليست في "ع".

(5)

انظر: "مغني اللبيب"(ص: 590).

(6)

"كون" ليست في "ع".

ص: 61

لا تختص بالنفي، وقد نص في "التسهيل (1) " على أنها قد (2) تستعمل دونه (3) لفظًا ومعنى، أو لفظًا لا معنى (4).

(فهل كان (5) من آبائه مِنْ مَلِكَ؟): روي بوجهين مَنْ (6) اسم، ومَلَكَ فعل، ومِنْ حرف، ومَلِكٍ اسم، والأشهرُ الثانية، ويؤيده رواية مسلم:"هل كانَ في آبائه مَلِكٌ؟ "(7)، وكذا هو في التفسير من البخاري (8)، بل في هذا (9) الحديث نفسه؛ فإنه قال:"وسألتُك هل كان من آبائه مَلِك؟ ".

(سَخْطَة): مفعول له، وهو -بفتح السين-، قال الزركشي: وروي (10): "سُخطة" بضمها (11)(12).

قال ابن المنير: سؤاله: هل يرتدُّ أحدٌ عن دينه سَخْطة له؟ سؤالٌ عن

(1) في "ج": "السهيلي".

(2)

"قد" ليست في "ع".

(3)

في "ج": "تستعمل فيه".

(4)

"أو لفظًا لا معنى": ليست في "ج".

(5)

في "ج": "فهل من كان".

(6)

في "ع": "أمن".

(7)

رواه مسلم (1773).

(8)

رواه البخاري (4553).

(9)

في "ع": "بل هو في هذا".

(10)

في "ج": "روي ضمها".

(11)

"سخطة بضمها": ليست في "ج".

(12)

انظر: "التنقيح"(1/ 21).

ص: 62

مظنة، وارتداد من ارتدَّ من العرب بموته عليه السلام إنما (1) كان؛ لأنهم لم يكن دخولهم في الإسلام دخولَ تمكُّن، إنما دخلوا قهرًا، وكانوا مؤلَّفة، ويحقِّق ذلك أنهم لما دخلوا (2) بعدَ ذلك مستبصرين، لم يرتدَّ أحدٌ منهم إلى الآن (3)، إلا شذوذٌ من الأشقياء.

(ولم تمكِنِّي (4) كلمة أُدخل فيها شيئًا غيرُ هذه الكلمة): برفع غيرُ صفة لكلمة.

(قتالكم إياه): فيه انفصال ثاني الضميرين مع إمكان اتصاله.

(سِجال، ينال منا، وننال منه): الجملة الفعلية تفسيرية (5) لسِجال، لا محل لها من الإعراب.

فإن قلت: فماذا يصنع الشَّلَوْبينُ القائلُ بأنها في حكم مفسرها، إن كان ذا محل، فهي كذلك، وإلا، فلا، وهي هنا مفسرة للخبر، فيلزم أن تكون ذاتَ محل، لكنها خالية من رابط يربطها بالمبتدأ.

قلت: نقدره (6)؛ أي: ينال فيها منا، وننال فيها منه.

(ماذا يأمركم؟): يجوز فيه الوجهان، نحو: ماذا صنعت؟

(1) في "ن": "لما".

(2)

في "ن": "أنهم دخلوا".

(3)

في "ن": "الإيمان".

(4)

في "ن": "يمكنني"، وفي "ع":"يمكني".

(5)

في "ع" و "ج": "تفسير".

(6)

في "ج": "تقديره".

ص: 63

(اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا): التفت فيه إلى أن الثانية كالتأكيد للأولى، ففصلت، وكثيرًا ما يترك (1) الالتفات إلى هذا المعنى، فتوصل الثانية بالأولى؛ لما بينهما من التوسط مع اتحاد المسند إليه فيهما، وحصول المناسبة الظاهرة بين مسنديهما.

(سألتك عن نسبه): أي: عن (2) حال نسبه؛ [لأنه قال أولًا: كيف نسبه](3) فيكم (4)؟ أي: على أيِّ حال هو؟ أشريف (5)، أم لا؟

(يأتسي): يقتدي، ويتبع، والأُسوة -بكسر الهمزة وضمها-: القدوة.

(فذكرت أن ضعفاءَهُم اتبعوه، وهم أتباع الرسل): قال ابن المنير: واستشهادُه على النبوة بذلك صحيح، مصداقُه في قوله تعالى:{أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، الصحيح أنهم أرادوا الضعفاء.

(يخالط): فاعلُه ضمير يعود على الإيمان، ومفعولُه:"بشاشةَ القلوب"، ويروى: تخالط -بمثناة من فوق-، وبشاشتُه (6) بالإضافة إلى ضمير الإيمان، ورفعُه: على أنه ضمير تخالط (7)، والقلوبَ: -بالنصب- على أنه مفعوله، والمراد بالبشاشة: الانشراح.

(1) في "ع": "يكثر".

(2)

"عن" ليست في "ج".

(3)

ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(4)

في "ج": "فلم".

(5)

في "ع": "هو شريف".

(6)

في "ع" و "ج": "وبشاشة".

(7)

في "ع": "ورفعه على أنه فاعل تخالط".

ص: 64

(وسألتك بما يأمركم؟): قال الزركشي: إثبات الألف مع "ما" الاستفهامية قليل (1).

قلت: يريد: إذا دخل عليها، جاز (2)، ولا داعي هنا إلى التخريج على ذلك؛ إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن، متعلقة بسأل؛ نحو:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]، و "ما" موصولة (3)، والعائد، محذوف.

فإن قلت: أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتُك بكذا، فالعائد (4) حينئذٍ مجرور بغير ما جر به الموصول معنى، فيمتنع حذفه.

قلت: قد ثبت حذفُ حرف الجر من المفعول (5) الثاني، فينتصب (6) حينئذ؛ نحو: أمرتُك الخيرَ، وعليه حمل جماعة من المعربين قوله تعالى:{مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، فجعلوا ماذا المفعولَ الثاني، وجعلوا الأول محذوفًا لفهم المعنى؛ أي: تأمريننا، وإذا كان كذلك، جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضَيْر.

(لتجشمتُ لقاءه): أي: تكلفت لقاءه على ما فيه من المشقة.

قال ابن بطال: وهذا التجشُّم هو الهجرة، وكانت فرضًا قبل الفتح على كل مسلم، وإنما تأخر النجاشي لمصلحة راجحة؛ وذلك أنه (7) في أهل

(1) انظر: "التنقيح"(1/ 21).

(2)

في "ج": "حال".

(3)

في "ج": "وموصولة".

(4)

في "ج": "والعائد".

(5)

في "ن": "مفعوله".

(6)

في "ن" و "ع" و "ج": "فينصب".

(7)

في "ج": "أنه كان".

ص: 65

مملكته أَغْنى عن الله وعن رسوله وعن جماعة المسلمين منه (1) لو (2) هاجر بنفسه فردًا (3)، مع أنه كان ملجأ مَنْ (4) أُوذي من الصحابة، ورِدءًا للمسلمين، وحكم الرِّدْء في جميع أحوال الإسلام حكم المقاتل، وكذلك ردء المحاربين عند مالك والكوفيين، ويجب عليه ما يجب عليهم، وإن لم يحضر الفعل (5).

(دِحية): بفتح الدال المهملة (6) وكسرها، والأشهر الفتح.

(بُصرى): -بضم الباء- على زنة حُبْلى: هي (7) مدينة حوران، قاله البكري (8)، وقال (9) ابن مكي: هي مدينة قيسارية (10).

(عظيم الروم): أي: الذي تعظمه الروم، وعدل عن لفظ الملك إلى هذا اللفظ؛ لما فيه من الملاطفة [مع تحري الصدق، أما الملاطفة](11)، فظاهرة، وأما الصدق، فلأن الروم كانت تعظمه بلا شك، فهو إخبار

(1) في "ع": "أغنى بعز الله وعز رسوله وعز جماعته المسلمين منه".

(2)

في "ن" و "ع": "ولو".

(3)

في "ن": "فرادى".

(4)

في "ن" و "ع": "لمن".

(5)

انظر: "شرح ابن بطال"(1/ 47).

(6)

"المهملة" ليست في "ن".

(7)

في "ن": "هذه"، وفي "ع" و "ج":"وهي".

(8)

انظر: "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري (1/ 253).

(9)

في "ج": "قال".

(10)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 116).

(11)

ما بين معكوفتين سقط من "ج".

ص: 66

بالواقع بخلاف ما لو (1) قال: ملك الروم، فإنه يشعر بتسليم ملكه، وهو بحق الدين مسلوب لاستحقاق هذا الوصف.

(بدِعاية الإسلام): -بكسر الدال المهملة-؛ أي: بدعوته (2)، وهي مصدر من دعا؛ كالشكاية من شكا، والمراد: كلمة التوحيد.

وفي البخاري في الجهاد (3)(4)، وفي مسلم هنا:"بداعية الإسلام"(5)؛ أي: الكلمة الداعية إلى الإسلام (6)، ويجوز أن يكون مصدرًا كالعافية (7).

(أسلم تسلم): من الكلام الجزل المشتمل على (8) الإيجاز والاختصار، وقد انطوى على الدلالة على خيري (9) الدنيا والآخرة، مع ما فيه من بديع التجنيس.

(يؤتك الله أجرك مرتين): أي: إيمانك (10) بعيسى عليه السلام، وإيمانك بي (11) بعده.

(1) في "ج": "ما له".

(2)

في "ج": "بدعواته".

(3)

"الجهاد" زبادة من "ن" و "ع" و"ج".

(4)

رواه البخاري (2782) إلا أنه قال: "بدعاية الإسلام".

(5)

رواه مسلم (1773).

(6)

"إلى الإسلام" ليست في "ن".

(7)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 400).

(8)

في "ج": "على أن".

(9)

في "ج": "خير".

(10)

في "ن" و "ع": لإيمانك.

(11)

"بي" ليست في "ع".

ص: 67

فإن قلت: على (1) ماذا جزم الفعل من قوله (2): يؤتك؟

قلت: الظاهر أنه جواب بعد أمر مقدر حذف (3) لدلالة المتقدم عليه، ويؤيده التصريح بذلك في رواية البخاري في: الجهاد، والتفسير؛ حيث قال هناك:"أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين"(4)، فيجزم إما بإن مقدرة، أو بالأمر، على الخلاف.

(الأريسيين (5)): اختلف في ضبطها على أوجه: أريسيين -بياءين بعد السين-، وأَرِيسين -بياء واحدة بعدها-، وعليهما: -فالهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة-، وإِرِّيسين -بهمزة مكسورة وتشديد الراء وياء واحدة بعد السين-، ويَريسين -بياء مفتوحة-، وباقيها (6) كالوجه الأول.

وقال ابن فارس: الهمزة والراء والسين ليست عربية (7).

واختلف في المراد بذلك، فقيل: الأكَّارون؛ أي: عليك إثمُ رعاياك، ونبه بالزراع على مَنْ عداهم؛ لأنهم أغلبُ وألينُ عريكة، وقد صرح به في "دلائل النبوة" للبيهقي، والطبري (8):"كان عليك إثم الأكَّارين"(9).

(1)"على" ليست في "ن".

(2)

في "ج": "من قولك".

(3)

"حذف" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن".

(4)

رواه البخاري (2941)، و (4553).

(5)

في "ع" و "ج": "الأريسيين".

(6)

في "ج": "وياء فيها".

(7)

انظر: "مقاييس اللغة"(1/ 79).

(8)

في "ج": "والطبراني".

(9)

رواه الطبري في "تاريخه"(2/ 128)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 384).

ص: 68

وقيل: هم الخدم والخَوَل.

وقيل: هم الملوك الذين يقودون (1) إلى رأيهم الفاسد.

وقيل: هم المتجبرون؛ أي: عليك إثم من تكبر (2) عن الحق.

وقيل هم اليهود والنصارى أتباع عبد الله بن أريس (3) رجلٍ كان في الزمن الأول خالفَ هو وأتباعه (نبيًّا بعث إليهم)(4)(5).

{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64]: سقطت الواو في رواية الأصيلي وأبي ذر، والتلاوة هكذا (6)، وثبت (7) في رواية النسفي والقابسي، وغيرهما.

وجعله القاضي من الوهم في التلاوة، قال: وقد اختلف المحدثون في مثله، فمنهم من أوجب الإصلاح، ومنهم من بَقَّى اللفظ، ونبه على صوابه (8)، وحكى ابن الملقن كلامه، ولم يزد عليه (9).

قلت: يمكن ألَّا يكون هذا من الوهم في التلاوة، والأصل: وأَتلو عليك، أو وأَقرأ عليك:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64]، فلم يزد في

(1) في "ج": "يعودون".

(2)

في "ج" زيادة: "عليك".

(3)

في "ع": "إدريس" وهو خطأ.

(4)

"نبيًّا بعث إليهم": ليست في "ج".

(5)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 401).

(6)

في "ج": "هذا".

(7)

في "ن" و "ع": "ثبتت"، وفي "ج":"أوتيت".

(8)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 330).

(9)

انظر: "التوضيح"(2/ 404).

ص: 69

القرآن (1) شيئًا، والواو (2) إنما هي من كلامه داخلًا على محذوف، ولا محذور فيه.

فإن قلت: يلزم عليه حذفُ المعطوف وبقاءُ حرف العطف، وهو ممتنع؟

قلت: إنما ذاك إذا حذف المعطوف وجميع تعلقاته، أما إذا بقي من اللفظ (3) شيء هو (4) معمول للمحذوف، فلا نسلِّم امتناعَ ذلك؛ مثل:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]؛ أي: وألفوا الإيمان، وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ وَالعُيُونا؛ أي (5): وكَحَّلْنَ، وعَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا؛ أي: وَسَقَيْتُها، إلى غير ذلك.

فإن قلت: العطفُ مشكل؛ لأنه يقتضي تقييدَ التلاوة بتوليهم، وليس كذلك.

قلت: إنما هو معطوف على مجموع الجملة المشتملة على الشرط والجزاء، لا على الجزاء (6) فقط.

فإن قلت: ولنا في دفع ما قاله القاضي طريق أخرى؛ وذلك أنه (7) يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد التلاوة، بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فلا إشكال.

(1) في "ج": "في الواو".

(2)

في "ج": "واو".

(3)

في "ج": "من الأصل".

(4)

في "ج": "وهو".

(5)

"أي" ليست في "ن".

(6)

"لا على الجزاء": ليست في "ج".

(7)

"أنه" ليست في "ن".

ص: 70

قلت: رد (1) أبو حامد السبكي بأمرين:

أحدهما: أن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز كتابة الآية والآيتين إلى أرض العدو، ولولا أن المراد التلاوة، لما صح الاستدلال، وهم (2) أعلم، وفَهْمُهم أقوم.

الثاني (3): أنه لو كان كذلك، لقال صلى الله عليه وسلم:"وإن (4) توليتم". وفي الحديث: " {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] "(5).

قلت: يندفع الثاني بأنه من باب الالتفات، ولا مانع من ذلك.

(الصخب): الصياح والجلبة، كذا في "الصحاح"(6).

وقال (7) القاضي: اختلاط الأصوات وارتفاعه (8)(9).

(أمِرَ): مثل شَرِبَ؛ أي: عَظُمَ.

(أَمْرُ): على زنة فَلْس؛ بمعنى الشأن.

(ابن أبي كبشة): يريد النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) في "ن": "رده".

(2)

في "ج": "وهو".

(3)

في "ن" و "ع": "والثاني".

(4)

في "ن" و "ع": "فإن".

(5)

رواه البخاري (2941).

(6)

انظر: "الصحاح"(1/ 162)، (مادة: صخب).

(7)

في "ن": "قال".

(8)

في "م" و "ج": "وارتفاعهما"، والمثبت من "ن" و "ع".

(9)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 40).

ص: 71

قال ابن جني: كبشة اسم مُرْتَجَلٌ، ليس بمؤنث (1) الكبش؛ لأن مؤنث الكبش من غير لفظه (2).

واختلف في المراد بأبي كبشة هذا، فقيل: هو (3) رجل من خزاعة كان يعبد الشِّعْرَى العَبور.

قال ابن ماكولا: واسمه وَجْز (4) -بواو مفتوحة فجيم ساكنة فزاي- ابن غالب (5)، فجاء العربَ بما لا تعرفه من عبادة الشِّعْرى، فلما جاءهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بما لا يعرفونه من دينهم ودين آبائهم، ودعا (6) إلى عبادة الله وحده، نسبوه إلى أبي كبشة (7) من حيث مشاركتُه له في مطلق الشذوذ عندهم (8).

وقيل: هو جدُّه لأُمه (9)، كان وهبُ بنُ عبد (10) منافٍ يكنى: أبا كبشة (11).

وقيل: هو والدُ حليمةَ مرضعته.

(1) في "ع": "لمؤنث".

(2)

انظر: "المحكم" لابن سيدة (6/ 691)، (مادة: كبش).

(3)

"هو" ليست في "ع".

(4)

في "ج": "وجره".

(5)

في "ع": "ابن أبي غالب" وهو خطأ. وانظر: "الإكمال" لابن ماكولا (4/ 179).

(6)

في "ع": "ودعاهم".

(7)

في "ع" و"ج": "إلى ابن أبي كبشة".

(8)

في "ن": "عنهم".

(9)

في "ع": "لأنه".

(10)

"ع" ليست في "ع".

(11)

في "ع": "أبي كبشة".

ص: 72

وقيل: هو حاضنه زوجُ حليمة.

وقيل غير ذلك (1).

(إِنه ليخافه (2)): -بكسر الهمزة- من إنَّ.

قال القاضي: ضبطناه -بفتح الهمزة-؛ أي (3): من أجل ذلك عظم الأمر عند أبي سفيان، والكسرُ هنا صحيح على ابتداء الكلام، والإخبارِ عما رآه (4) من هرقل، لا سيما ولام التأكيد ثابتة في الخبر (5).

(ملك بني الأصفر): أي: الروم.

(وكان ابن الناطور): -بطاء مهملة- عند الجماعة، -وبمعجمة- عند الحموي.

(صاحبَ إيلياء): منصوب على أنه خبر كان، ومنع القاضي لذلك من حيث إن خبرها: سُقُفًّا، أو يحدث أن هرقل غير (6) مستقيم؛ إذ لا مانع من تعدُّد الخبر (7).

(1) انظر: "شرح ابن بطال"(1/ 50).

(2)

في مطبوعات "صحيح البخاري" المتداولة: "يخافه"، وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (1/ 53).

(3)

"أي" ليست في "ع" و "ج".

(4)

في "ج": "عما رواه".

(5)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 43).

(6)

"غير" ليست في "ع".

(7)

انظر: "مشارق الأنوار"(2/ 354).

ص: 73

منع الزركشي رفعَ صاحب على الصفة لما قبله، قال: لأن ما قبله معرفة، وصاحب إيلياء نكرة، والإضافة لا تعرفه؛ لأنها في تقدير (1) الانفصال (2).

قلت: هذا وهم، فقد قال سيبويه: تقول: مررتُ بعبدِ الله ضاربك، كما تقول: مررت بعبدِ الله صاحبك؛ أي: المعروفِ بضربك (3).

قال الرضي: فإذا قصدت هذا المعنى، لم يعمل اسم الفاعل في محل المجرور به نصبًا كما في صاحبك، وإن كان أصله اسم فاعل من صحب يصحب، بل يقدره كأنه جامد (4).

و (هرقل) -بالعطف (5) على إيلياءَ.

(سُقِّف): -بضم السين وكسر (6) القاف المشددة-: فعلٌ مبني للمجهول (7)؛ أي: قدم، وروي:"سُقُفًّا (8) " و "أُسْقُفًّا (9) " - بهمزة مضمومة والقاف فيهما مضمومة، وكذا تشديد (10) الفاء فيهما-؛ أي: رئيس النصارى،

(1) في "ع": "طريق".

(2)

انظر: "التنقيح"(1/ 24).

(3)

انظر: "الكتاب" لسيبويه (1/ 428).

(4)

انظر: "شرح الرضي على الكافية"(2/ 224).

(5)

"بالعطف" ليست في "ع".

(6)

في "ج": "وبكسر".

(7)

في "ج": "مبني للمفعول".

(8)

في "ج": "سقف".

(9)

في "ج": "أسقف".

(10)

في "ع": "تشد".

ص: 74

والجمع أساقفة (1)(2).

(حَزّاء): -بحاء مهملة مفتوحة وزاي مشددة وهمزة بعد الألف- معناه: المتكهن، يقال (3): حزى يحزي، وحزا يحزو (4).

(ينظر في النجوم): جملة تفسيرية قصد بها شرح معنى الحزاء.

قال القاضي: ويمكن أن يكون أراد بيان جهة حزوه؛ لأن التكهن بوجوه، منها ذلك (5).

(ملك الختان): يروى: مَلَكَ على زنة فعل، ومَلِك واحد الملوك.

(يُهِمَّنَّك): مضارع أهم؛ أي: أحزن.

(مدائن): -بالهمز- أصح.

(ملك غسان): هو الحارث بن أبي شمر الغساني.

(هذا (6) مُلْك هذه الأمة): بضم الميم وسكون اللام.

قال القاضي (7): كذا لعامة (8) الرواة، وعند القابسي (9): -بفتح الميم

(1) في "ج": "ساقفة".

(2)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 407).

(3)

في "ن": "ويقال".

(4)

في جميع النسخ عدا "ع": "يحزوا".

(5)

انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 191).

(6)

"هذا" ليست في "ع" و"ج".

(7)

"قال القاضي": ليست في "ج".

(8)

في "ج": "كذا العامة".

(9)

في "ن": "القاضي".

ص: 75

وكسر (1) اللام-، وعند أبي ذر:"يملك" فعل مضارع، فأراها (2) ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت (3).

قال الزركشي: ووجهها (4) السهيلي في "أماليِّه": بأن هذا يملك مبتدأ وخبر؛ أي: هذا المذكور يملك هذه الأمة.

وقوله: "قد ظهر" جملة مستأنفة، لا في موضع الصفة، ولا الخبر.

قلت: أما الخبرية، فلا يظهر لمنعها وجه على القول بجواز تعدد الخبر، وهو الأصح، ولا على القول بمنعه؛ وذلك لأن صاحب هذا القول يجعل الثاني خبر مبتدأ مضمر، فليكن هذا مثله، ولا فرق.

قال: ويجوز أن يكون "يملك" نعتًا؛ أي: هذا الرجل يملك هذه الأمة، وقد جاء النعت بعد النعت، ثم حذف (5) المنعوت.

قال (6) الشاعر: [من الرجز]

لَوْ قُلْتُ مَا في قَوْمِهَا لم تَيثَمِ

يَفْضُلُهَا في حَسَبٍ وَمِيسَمِ (7)

(1) في "ج": "وسكون".

(2)

في "ج": "فأزادها".

(3)

انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 380).

(4)

في "ج": "وجهها".

(5)

في "ج": "حذفه".

(6)

في "ن": "وقال".

(7)

البيت لحكيم بن معية الربعي.

ص: 76

أي (1): ما (2) في قومها (3) أحدٌ يفضلها، وهذا إنما هو في الفعل المضارع، لا في الماضي، قاله ابن السراج، وحكاه عن الأخفش. انتهى (4).

قلت: استشهاده بالبيت على حذف المنعوت بنعت بعد نعت غير متأتٍّ (5)؛ إذ ليس فيه إلا نعت واحد، ثم حذفُ المنعوتِ بجملة بابُه (6) الشعرُ (7) إلا إذا كان بعد (8) مجرورٍ بفي؛ كما في البيت، أو بمن؛ كما (9) في قوله تعالى:{وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164].

(إلى صاحب له برومية): يقال: هو (10) ضَغَاطِرُ الأسقفُ الروميُّ، وقيل: في اسمه: بَقَاطِرُ، ورُومِيَة -بتخفيف الياء-: مدينة رئاسة الروم وعِلْمهم.

(إلى حمص): جزم (11) الزركشي بمنع صرفه للعجمة والتأنيث والعلمية (12).

(1)"أي" ليست في "ج".

(2)

في "ج": "أما".

(3)

في "ج": "قومًا".

(4)

انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 25).

(5)

في "ج": "غير ثبات".

(6)

في "ج": "بأنه".

(7)

في "ع": "بجملته ثابت في الشعر".

(8)

في جميع النسخ عدا "ع": "بعض".

(9)

في "ج": "بمن كان".

(10)

في "ن": "يقال له".

(11)

في "ج": جمع.

(12)

انظر: "التنقيح"(1/ 25).

ص: 77

قلت: في "الصحاح": حمص بلد يذكر ويؤنث (1). انتهى.

فعلى التذكير ليس إلا العجمة والعلمية، وهو ساكن الوسط كنوح فيصرف.

(فلم يَرِمْ): أي: لم (2) يفارق.

(دَسْكَرَة): بناء كالقصر حوله بيوت، وجمعه دساكر.

(والرشد): خلاف الغَيِّ، وفيه لغتان: كقُفْل (3) وفَرَح.

(فغلقت): -بتشديد اللام- ولا تخفف.

(فتبايعوا): -[بمثناة من فوق فموحدة (4) - من البيعة، وروي: "فتتابعوا"](5) -بمثناتين من فوق متواليتين فموحدة بعد الألف- من المتابعة بمعنى: الاقتداء (6).

(فحاصوا): -بحاء وصاد مهملتين-؛ أي نفروا وكَرُّوا راجعين، وقيل: جالوا، والمعنى قريب، وبمعناه (7) جاض -بجيم وضاد معجمة-.

(وأيس): وروي: "ويئس"، وهما بمعنى، وكان معناهما انقطاع الطمع، والأول مقلوب من الثاني.

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1034).

(2)

"لم" ليست في "ج".

(3)

في "ج": "الفعل".

(4)

"فموحدة": ليست في "ع".

(5)

ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(6)

انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 411).

(7)

في "ع": "والمعنى".

ص: 78

(آنفًا): أي: قريبًا، وقيل: في أول وقت كنا فيه، وقيل: الساعة، قال القاضي: وكله من الاستئناف والقرب (1).

قال ابن بطال: ولم يصح عندنا أن هرقل أسلم، وإنما آثر ملكه على الجهر بكلمة الحق، ولم يثبت أنه أُكره (2) حتى يُعذر، وأمره (3) إلى الله عز وجل (4).

قلت: وفي "السيرة": أن المسلمين مضوا في غزوة مؤتة، وكانت في سنة ثمان، حتى نزلوا معان (5) من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل نزل في مئة ألف من الروم، ثم التقوا عند مؤتة، وقتل من قتل، إلى آخر القصة (6)(7)، فهذا فيه مجاهرته للمسلمين، ونصبُه لهم القتال، وذَبُّه عن الكفر وأهله، وهو مما يؤيد عدم إسلامه.

قال ابن المنير: والصحيح أن هرقل لا يُعد مسلمًا، وأما قوله:"إني لأعلم (8) أنه نبي"، وقوله:"لو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدميه"، وهذا (9) وإن كان اعتقادًا ونطقًا، إلا أنه قد رجع عن ذلك لما أنكر عليه أهلُ مملكته،

(1) انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 44).

(2)

في "ج": "أنه أنكره".

(3)

في "ج": "فأمره".

(4)

انظر: "شرح ابن بطال"(1/ 48).

(5)

في "ج": "نزلوا مكان".

(6)

في "ع" و "ج": "القضية".

(7)

وانظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (5/ 24).

(8)

في "ج": "إني لا أعلم" وهو خطأ.

(9)

في "ن" و "ع": "فهذا".

ص: 79

وقال: "إني قلتُ مقالتي آنفًا أختبرُ بها شدتكم على دينكم"، فهذا بقاء منه على دينه، وليست خشيتُه على ذهاب ملكه (1) مما يُعد إكراهًا (2)، ويكون عذرًا، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] كما اتقى الله النجاشي، فحفظ عليه ملكه مع جهره بالإيمان (3).

* * *

(1) في "ج": "مملكته".

(2)

في "ع": "على ذهاب ملكه مع جهره بالإيمان مما يعد إكراهًا".

(3)

"مع جهره بالإيمان" ليست في "ع".

ص: 80