الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: الوُضوء من غير حَدَثٍ
168 -
(214) - حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا (ح). قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَنس، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كلِّ صَلَاةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنتمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَناَ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
(يجزئ): مضارع أجزأ -بالهمزة (1) - بمعنى: كفى.
(أحدنا الوضوء ما لم يحدث): هذا موضع الترجمة، وأن الوضوء من غير حدث غير واجب، وساق هذا عقيبَ الحديث (2) الأول (3)؛ دليلًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان (4) يأخذ بالأفضل في تجديد الوضوء من غير حدث، لا أنه واجب.
* * *
باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله
169 -
(216) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صوْتَ إِنْسَانينِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
(1) في "ن" و"ع": "بالهمز".
(2)
في "ج": "الحدث".
(3)
في "ع": "وأن الوضوء من غير حدث لا أنه واجب وإنما عقب بالحديث الأول".
(4)
"كان" ليست في "ج".
"يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ". ثُمَّ قَالَ: "بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْوَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْوَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا. أَوْ: إِلَى أَنْ يَيْبَسَا".
(بحائط): أي: بستان.
(من حيطان المدينةِ أو مكةَ): كذا وقع هنا على الشك، وفي كتاب: الأدب الجزمُ بالمدينة (1)، قالوا: وهو الصواب.
(صوت إنسانين يُعذبان في قبورهما): فيه شاهد على جواز جمع المضاف المثنى معنىً، وإن لم يكن المضاف (2) جزءَ ما أضيف إليه؛ نحو:"إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا"(3).
(وما يعذبان في كبير): أي: دَفْعُه (4)؛ لأنه يسير على من يريد التوقِّيَ منه، ولا يراد (5) أنه من الصغائر لا الكبائر؛ لأنه قد ورد في الصحيح من الحديث:"وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ"(6)، فيحمل هذا على أنه كبير من الذنوب، وذلك على سهولة الدفعِ والاحتراز، هذا كله كلام ابن دقيق العيد (7).
(1) رواه البخاري (6055) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
في "ج": "مضاف".
(3)
رواه البخاري (6318) عن علي رضي الله عنه.
(4)
في "ع": "رفعه".
(5)
في "ج": "والإيراد".
(6)
رواه البخاري (6055).
(7)
انظر: "شرح عمدة الأحكام"(1/ 62).
قلت: يمكن وجهٌ أظهرُ من هذا، وذلك أن تجعل "ما" مصدرية (1)، وهي وصلتها في محل رفع على الابتداء، وقوله:"في كبيرٍ"[خبر؛ أي: وتعذيبُهما في كبير](2)، وهذا هو معنى الرواية الصحيحة التي ذكرها.
فإن قلت: يمنع من ذلك قولُه في هذا الحديث نفسِه: "ثم قال: بلى"، وهي مختصة بإيجاب النفي، ولا نفيَ مع جعلك "ما" مصدريةً.
قلت: قد يجاب بأنا لا نسلم أنها لا تقع إلا بعد نفي، فقد ذهب بعضهم إلى أنها تستعمل بعد الإيجاب المجرَّد مستدلًا بقوله:
وَقَدْ بَعُدَتْ (3) بِالوَصْلِ بَيْني وَبَيْنَهَا
…
بَلَى إِنَّ مَنْ زَارَ القُبُورَ لَيَبْعُدَا (4)
أي: ليبعدن -بالنون الخفيفة-، نقله الرضي، سلَّمنا أنه لا بد من سبق النفي لها، لكنهم قد يعطون الشيء حكمَ ما أشبهه في لفظه، وقد فعلوا ذلك في "ما" المصدرية، فعاملوها معاملة "ما" النافية في زيادة إنْ بعدها (5).
قال الشاعر:
وَرَجِّ الفَتَى لِلخَيْرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ
…
عَلَى السِّنِّ خَيْرًا لا يَزَالُ يَزِيدُ
(1) في "ج": "تجعل المصدرية".
(2)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(3)
في "ج": "تعهدت".
(4)
في "ع": "ليبعدن"، وفي "ج":"بعيد".
(5)
في "ج": "بعدها معاملة ما النافية في رسالة إن تعهدها".
[كذلك هنا أتى ببلى (1) بعد "ما" المصدرية كما يأتي بعد "ما" النافية، وقد يحمل](2) قوله: بلى، على (3) إيجاب النفي الذي قد يسبق إلى وهم السامع من قوله:"وما يُعَذَّبان في كبيرٍ"، وإن كان هو في نفس الأمر غيرَ مراد للمتكلم (4)، فتأمله.
(لا يستتر من بوله): -بتاءين مثناتين من فوق-، كذا (5) للبخاري، فيحتمل أن يكون المراد: الاستتارَ عن العيون، فالعذابُ على كشف العورة (6)، والاستتارُ حينئذٍ يستعمل (7) في حقيقته، ويحتمل أن يراد: التوقي من (8) البول، إما بعدم (9) ملابسته، وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به؛ كانتقاض الطهارة، فيكون الاستتار مستعملًا في التوقِّي مجازًا؛ لأن المستتر عن الشيء فيه بعدٌ عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد من ملابسة البول، والثاني أرجحُ؛ لما يلزم من اطراح خصوصية البول من (10) الاعتبار،
(1) في "ن": "بل".
(2)
ما بين معكوفتين سقط من "ج".
(3)
"على" ليست في "ج".
(4)
في "ن" و "ع": "المتكلم".
(5)
في "ع": "وكذا".
(6)
في "ن": "على الكشف للعورة".
(7)
في "ن" و "ع": "مستعمل".
(8)
في "ج": "من كشف العورة".
(9)
في "ج": "بعد".
(10)
في "ن" و "ع": "عن".
فظاهرُ (1) الحديث اعتبارُها في عذاب القبر.
(يمشي بالنميمة): أي: المحرمة، وإلا، فلا تمنع إذا كانت (2) لجلب (3) مصلحة، أو لدرء مفسدة تتعلق بالغير.
(فدعا بجريدة): أي: بسَعَفَة.
(فوضع على كل قبر): قال الحافظ (4) أبو مسعود الحازمي: كان الغرس بإزاء الرأس، ثبت ذلك بإسناد صحيح (5).
قال الزركشي في "تعليق العمدة": وفي رواية: "غَرَزَ نِصْفَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَنصْفَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ"، ذكرها صاحب "الترغيب"(6).
قلت: فيكون القطع حينئذ أربعًا.
(لعله أن يخفف عنهما): فيه وقوع أن يفعل خبرَ اسمِ عَيْن، والغالبُ خلافه (7)؛ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130] {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44].
(ما لم تيبَسا): -بمثناة من فوق أو من تحت في أوله، والباء الموحدة مفتوحة-، وذلك لأن النبات يسبح ما دام رَطْبًا، وأخذ بعضُهم من هذا انتفاعَ الميت بقراءة القرآن على قبره من باب أولى، ومما وقع السؤالُ عنه
(1) في "ن" و "ع" و "ج": "وظاهر".
(2)
"كانت" ليست في "ن".
(3)
في "ن": "يجلب"، وفي "ج":"طلب".
(4)
"الحافظ" ليست في "ج".
(5)
رواه الإمام أحمد في (المسند" (2/ 441)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(3/ 52) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
انظر: "النكت على العمدة"(ص: 28).
(7)
في "ع" زيادة: "نحو".