الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: إنما مذهبُ مالك كراهةُ ذلك، لا تحريمه، هذا الذي عليه الفتوى عند علمائنا.
(مَن وراءكم): -بفتح مَنْ- في البخاري، وبكسرها عند ابن أبي شيبة (1).
قال ابن المنير: وفيه حجة للعمل بخبر الواحد، وقول المعترض في الاحتجاج ببعث رسله عليه السلام إلى الآفاق، وهم آحاد: أنهم كانوا حكامًا ونوابًا عنه، وحكمُ الواحد مقبول، والشأن في خبره ساقط هنا؛ لأن الوفد جاؤوا متعلمين لأنفسهم، ومتطوعين بالنقل إلى قومهم، فخبرهم حينئذ خبر (2) واحد حقيقة.
* * *
باب: مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ، وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّوْمُ، وَالأَحْكَامُ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]: عَلَى نِيَّتِهِ، "نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ"، وَقَالَ:"وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ".
(الأعمال بالنية): أي: تُعتبر أو تصح (3) أو تُجتلب، والأول أعم فائدة.
وقيل: الأولى تقدير: واقعة؛ لأنه على القاعدة المطَّرِدة، وهذا مسلَّم في تقدير ما يتعلق به الظرف مطلقًا مع قطع النظر عن صورة خاصة.
(1) رواه مسلم (17/ 24) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، به.
(2)
في "ج": "وخبر".
(3)
في "ع": "أو تتضح".
وأما الصورة (1) المخصوصة، فبقدر ما يليق مما يدل عليه المعنى أو (2) السياق؛ كما في قولك: زيد على الفرس، فيقدر: راكب، ولا ضير.
والنِّيَّة -بالتشديد-: من نوى؛ أي: قصد، والأصل: نَوْيَة، فقلبت الواو ياء، وأدغمت، وقد تخفف ياؤه، فتكون من وَنَى: إذا أبطأ؛ لأن النية تحتاج في تصحيحها إلى إبطاء وتأخر، والباء للسببية (3)، أو (4) المصاحبة، وفي بعض الروايات:"بالنيات"، ومقابلتها الأعمالَ (5) مقابلةُ الآحاد بالآحاد؛ أي: لكل عمل نيةٌ، أو (6) إشارة إلى (7) تنوع النيات؛ يعني: إن (8) كان القصد رضا الله (9)، فله مزية، أو دخول الجنة، فله مزية، أو الدنيا، فهو بقَدْرِها.
(وإنما (10) لكل امرئ ما نوى): هذه غير الأولى، فإن الأولى (11) منبهة على (12) أن العمل لا يصير حاملًا (13) لثواب و (14) عقاب إلا بالنية.
(1)"الصورة" ليست في "ج".
(2)
في "ع" و"ج": "و".
(3)
في "ج": "والباء المتسببة".
(4)
في "ج": "و".
(5)
في "ن" و"ع": "للأعمال".
(6)
في "ج": "و".
(7)
في "ج": "إلى أن".
(8)
"إن" ليست في "ج".
(9)
في "ع" و"ج": "رضا الله عنه".
(10)
"إنما" ليست في نص البخاري.
(11)
"فإن الأولى" ليست في "ج".
(12)
في "ج": "إلى".
(13)
في "ن": "حاصلًا".
(14)
في "ع": "أو".
والثانية: على أن العامل يكون له من العمل على (1) قدر نيته، ولهذا أخرت الثانية على (2) الأولى؛ لترتبها (3) عليها.
وقدَّره الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنما (4) يحصل لكل امرئ ثوابُ العمل الذي نواه.
وعلى (5) هذا: فالجملة الأولى لبيان ما يُجزى من الأعمال الدنيوية، والثانية؛ لبيان (6) ما ترتب (7) عليها (8) من الثواب في الآخرة.
وقال الخطابي: أفادت (9) الثانية اشتراط تعينِ (10) المنوي، فلا يكفيه في الفائتة مجردُ نية الفائتة، بل لا بد أن يعينها، ولولا الثانية، لاقتضت الأولى صحة النية بلا تعيين، أو أوهمت ذلك، ثم من الأعمال ما لا يشترط فيه النية؛ كقضاء الدين، ومنها ما يشترط فيه؛ كالصلاة (11).
قال ابن المنير: وضابطه أن العمل الذي مقصودُه الثواب في الآخرة
(1) في "ج": "ما".
(2)
في "ع": "عن".
(3)
في "ن": "لترتيبها".
(4)
في "ع": "وإنما".
(5)
في "ج": "على".
(6)
"لبيان" ليست في "ن".
(7)
في "ن" و"ع": "يترتب".
(8)
في "ع" و"ج": "عليه".
(9)
في "م" و"ج": "إفادة".
(10)
في "ن": "تعيينها"، وفي "ع":"تعيين".
(11)
انظر: "أعلام الحديث"(1/ 113).
هو محلُّ الاشتراط، والعمل الذي تظهر فائدته ناجزًا، و (1) تتقاضاه الطبيعة قبل الشريعة؛ لملاءمةٍ بينهما، لا تشترط فيه النية، فمن الأول: التيمم، ومن الثاني: إزالة النجاسة، وقد تختلف في بعض الصور؛ لتحقيق مناطٍ؛ كالوضوء، وحيث لا تشترط النية في إزالة النجاسة، وردِّ الوديعة، وقضاء الدين، فإنها تشترط لمن يرد (2) مع الغرض العاجل الثواب الآجل.
قال العلماء: والنيةُ والإيمان مما يُطلب به الثوابُ الآجل، مع أنه لا تشترط نيتهما، وما ذلك (3) إلا لما يفضي إليه الاشتراط في النية من التسلسل، وفي الإيمان من (4) الدور.
قال: فالحق أن النية نفسَها تتعلق بنفسها، وبالمنويِّ، فهي كالعلم الذي يتعلق بنفسِه، وبالمعلوم، فلا تسلسل، وأما الإيمان، فلأنه نفسَه حضورٌ وتعظيم (5) للحق، فهو متميز (6) بنفسه؛ كالخوف، والرجاء، والمحبة، والتوكل، فلا تحتاج إلى نية تشترط فيها (7) شرعًا. هذا معنى كلامه (8).
قلت: وقد جعل القرافي النية مما صورته كافية في تحصيل مصلحته؛ إذ مصلحتها التمييز، وهو حاصل بها مع القصد وبدونه.
(1) في "ع": "أو".
(2)
في "ن" و"ع": "يريد".
(3)
في "ن": "ذاك".
(4)
في "ع" و"ج": "بين".
(5)
في "ن": "تعليم".
(6)
في "ع": "مميز".
(7)
في "ع": "فيه".
(8)
وانظر: "فتح الباري"(1/ 164).
47 -
(54) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَعْمَالُ بالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله): مؤول على إقامة السبب مقام المسبب؛ لاشتهار المسبب (1)؛ أي: فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين.
وقدر (2) ابن دقيق العيد: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وعقدًا (3)، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا (4).
ورده الزركشي: بأن المقدر حينئذٍ حال مُبَيِّنةٌ، فلا تحذف، واستند إلى نقل ذكره عن الزبيدي في "شرح الجمل"(5).
قلت: ظاهرُ نصوصهم جوازُ الحذف، ويؤيده: أن الحال خبر في المعنى، أو صفة، وكلاهما يسوغ حذفه؛ لدليل، فلا مانع في الحال أن يكون كذلك.
وفيه: وضعُ الظاهر موضعَ المضمر؛ إذ الأصل: فهجرتُه إليهما، وفيه وجهان:
(1) في "ع": "السبب".
(2)
في "ع": "وقد زاد".
(3)
في "ن": "عقلًا".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 11).
(5)
انظر: "التنقيح"(1/ 5).
أحدهما: قصد الاستلذاذ بذكره، ولهذا لم يُعَدْ في الثانية، وهي قوله:"ومن كانت هجرته إلى دنيا" إعراضًا عن تكرير لفظ الدنيا، هذا معنى (1) كلام الفاكهاني في "شرح العمدة"(2).
وثانيهما: خشية الجمع بينهما في ضمير واحد (3)، وفيه بحث قد مر.
(دُنيا (4)): -بضم الدال لا بكسرها- على المشهور تأنيث أَدْنى، فهي (5) من باب أَفْعَلِ التفضيل، وهي نكرة، فكان حقُّها أن تلزم الإفرادَ والتذكير، لكنها خلعت عنها الوصفية غالبًا، فأجريت (6) مجرى ما لم يكن وصفًا قطُّ؛ كرُجعى، وقد ظهر أنها ممنوعة من الصرف، وحُكي تنوينها.
قال ابن جني: وهي نادرة.
(أو امرأةٍ): قال الزركشي في تعليقه على "عمدة الأحكام": هو من عطف الخاص على العام؛ بدليل حديث: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"(7).
(1)"معنى" غير واضحة في "م"، وهي كذا في "ن" و"ع" و"ج".
(2)
انظر: "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام" للفاكهاني (1/ 33).
(3)
"واحد" ليست في "ج".
(4)
"إلى دنيا" في رواية أبي الوقت وابن عساكر والحموي، وفي اليونينية:"لدنيا"، وهي المعتمدة في النص.
(5)
في "ع": "فهو".
(6)
في "ج": "فأخرجت".
(7)
رواه مسلم (1467) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وفيه ردٌّ على ابن مالك في "شرح عمدته": إذ زعم أن عطف الخاص على العام إنما يكون بالواو.
قلت: إنما يرد (1) إذا قلنا: إن النكرة في سياق الشرط للعموم الشمولي، وفيه بحث؛ فقد قيل: إنما هي في سياقه (2) للعموم البدلي؛ بدليل أنه إذا قال: إن رأيتِ رجلًا، فأنتِ طالق، وقع الطلاقُ برؤيةِ واحدٍ.
* * *
48 -
(48) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ".
(فِي فِي امرأتك): ويروى: "في فم امرأتك"(3)، وهي لغة قليلة، قال القاضي: وفيه ست لغات: فَمٌ وفُمٌ وفِمٌ، ثم التشديد (4).
* * *
(1) في "ج": "يراد".
(2)
في "ن": "إنها في سياقه"، وفي "ج":"سياق".
(3)
انظر: "فتح الباري"(1/ 166).
(4)
انظر: "مشارق الأنوار"(2/ 159).