الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأفاد ثبوتَ أصل الفعل أو إمكانه لا أقل، فاحتيج إلى التأويل؛ كما إذا قيل: لم يلد ذكرًا، ولم يأخذه نوم في هذه الليلة، والفعل هنا منفي على التقييد؛ لأنهم قالوا: إن معناه لا يمل من الثواب، فلزم التأويل، وأيضًا فبحسب الغاية يتعين التأويل؛ إذ المعنى: لا يمل حتى تملوا، فيمل حينئذٍ (1).
فإن قلت: المشاكلة من قبيل المجاز، فما وجه التجوز (2)؟
قلت: ظاهر كلامهم أن وقوع مدلول هذا اللفظ في مقابلة ذاك جهةُ التجوز (3) والجواز.
(وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه): صيغة أحب هنا تقتضي (4) أن ما لم يداوم عليه صاحبه من الدين محبوب، ولا يكون هذا إلا في العمل؛ ضرورة أن ترك الإيمان كفر.
* * *
باب: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإذا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ، فَهُوَ نَاقِصٌ.
(1) في "ن": "إذا المعنى: لا يمل الثواب، فلزم التأويل، وأيضًا: فبحسب حتى تملوا، فيمل حينئذٍ"، وفي "ع":"إذ المعنى: لا يمل من الثواب حتى تملوا، فيمل حينئذٍ".
(2)
في "ع": "التجويز".
(3)
في "ن" و"ع": "التجويز".
(4)
في "ن": "هذه تقتضي"، وفي "ع":"صيغة أحب تقتضي".
({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فإذا ترك شيئًا من الكمال، فهو ناقص): قال ابن المنير: لا يقال: إن كان الكمال حادثًا يومئذ، وكان النقصان موجودًا قبلُ، ولا يجوز أن يطلق على الدين والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بين ظهرانَيهم أنه كان ناقصًا مع وجوده طرفة عين.
لأنا نقول: المراد بالكمال: أن الفرائض التي قدر الله تعالى أن تنزل متدرجة لا دفعة، كَمُلَ نزولُها يومئذ؛ لحكمة أرادها الله تعالى في التنجيم، وهذا غير مستحيل، وإنما جاء الغلط من جهة اشتراك لفظ النقصان بين الخلل وبين التبعيض الذي ذكرناه.
* * *
38 -
(44) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مِنْ إِيمَانٍ" مَكَانَ "مِنْ خَيْرٍ".
(يخرج): بالبناء للفاعل؛ من الخروج، وللمفعول؛ من الإخراج.
(ذَرّة): بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء.
قال الزركشي: وصحفها شعبة -فضم الذال وخفف الراء-، وأوقعه
فيه تقدم الشعير والبر (1).
(أبان): -بالصرفِ- على أنه فَعال (2)، والهمزةُ أصلية، و -المنعِ- على أنها زائدة، ووزنه أَفعل، ففيه العلميةُ ووزن الفعل، واختاره ابن مالك (3).
* * *
39 -
(45) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! آيَةٌ فِي كِتَابكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ الْيَهُودِ- نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
(الصبّاح): بموحدة مشددة.
(أبو العُمَيْس): بعين مهملة مضمومة فميم مفتوحة فياء مثناة من تحت ساكنة فسين مهملة.
(لاتخذنا ذلك اليومَ عيدًا): أي: ولم تتخذوه أنتم، يحاول نقضَ
(1) انظر: "التنقيح"(1/ 42).
(2)
في "ع": "على زنة فعال".
(3)
انظر: "شواهد التوضيح"(ص: 156).
كونها حقًّا بإهمال يوم نزولها، فبين له (1) عمر أنهم احتفلوا فيه احتفالين (2)، واتخذوه عيدين.
* * *
40 -
(46) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ". فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَصِيَامُ رَمَضَانَ". قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ! لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ".
(أبي سُهيل): على التصغير.
(جاء رجل): قال القاضي: هو ضمامُ بنُ ثعلبةَ أخو بني سعدِ ابنِ بكرٍ (3)، وكذا قال ابن بطال (4) وغيره، واستشكله القرطبي (5) بأن ضمامًا
(1) في "ع" و"ج": "لهم".
(2)
في "ع" و"ج": "اختلفوا فيه اختلافين".
(3)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 185).
(4)
انظر: "شرح ابن بطال"(1/ 143).
(5)
انظر: "المفهم"(1/ 162).
إنما هو في حديث أنس، أما في حديث طلحة، فلا، فاستظهر (1) أن يكونا قصتين (2)؛ لتباين الألفاظ (3).
(ثائر الرأس): -بثاء مثلثة وهمزة بعد الألف- منتفش الشعر، قائمه على أنه صفة رجل (4)، ويُنصب على أنه حال (5) منه، وإن كان نكرة؛ لأنه وُصِف (6).
(نسمع ونفقه): -بالنون المفتوحة وبالياء المثناة من تحت، [وبـ]ـالمضمومة على البناء للمجهول-، والأول أشهر.
(دَوِيَّ): -بفتح الدال المهملة-، وحكي ضمها: شدةُ الصوتِ وبُعْدُه في الهواء.
(خمسُ صلواتٍ): هو وما بعده مرفوع، والمبتدأ محذوف؛ أي: الإسلام.
(إلا أن تطوع): الاستثناء (7) متصل عند من يرى لزوم التطوع بالشروع؛ كمالك، ومنقطع عند من يقول: لا يلزم بذلك؛ كالشافعي، والأول هو الأصل (8).
(1) في "ن" و"ع": "واستظهر".
(2)
في "ن" و"ع" و"ج": "قضيتين".
(3)
انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 135).
(4)
في "ن" و"ع": "ويرفع على أنه صفة رجل".
(5)
في "ج": "أنه رجال".
(6)
في "ج": "يوصف".
(7)
في "ع": "استثناء".
(8)
انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 139).
وتَطَّوع: يروى: -بتشديد الطاء-، والأصل: تتطوع، فأبدل التاء الثانية طاء، وأدغم، ويروى: -بتخفيفها- على حذف إحدى (1) التاءين اختصارًا لتخفَّ الكلمة، وهل المحذوف الثانية، وهو الصحيح، أو الأولى؟ قولان (2).
ولا يخفى أن (3) هذا الرجل إنما وفد بالمدينة، وأقل ما (4) قيل فيه: أنه وفد سنة خمس، وقد تقرر في ذلك الزمن النهيُ عن أمور (5)؛ كالقتل، والزنا، والعقوق، والظلم، والسرقة، فثبت أن عليه وظائفَ أُخَرَ غيرَ الصلاة والزكاة والصيام.
وأجاب ابن المنير: بأنه عليه السلام كان يجيب بما تقتضيه الحال، وبالأهم (6) فالأهم؛ إذ لا يمكن بيان الشريعة دفعة واحدة، لا سيما لحديثِ (7) عهدٍ بالإسلام.
(لا أزيد على هذا ولا أنقص): أحسنُ ما يقال فيه: أن المعنى: أُبلغها قومي على ما سمعتها من غير زيادة ولا نقص؛ لأنه كان وافدًا لهم ليتعلم ويعلمهم، قاله ابن المنير (8).
(1)"إحدى" ليست في "ج".
(2)
المرجع السابق، (3/ 136).
(3)
"أن" ليست في "ج".
(4)
في "ج": "بما".
(5)
في "ج": "عن الأمور".
(6)
في "ج": "والأهم".
(7)
في "ج": "الحديث".
(8)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 133).
فإن قلت: في كتاب: الصيام: "وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شيئًا"، فهذا مما يدفع هذا التأويل.
قلت: راوي ما في الصيام هو طلحة، وما هنا من رواية أنس، وقد مر قريبًا أن القرطبي جعلها قصتين، فتأمله.
(أفلح إن صدق): قال الزركشي: معناه ظاهر باعتبار ما تقدم.
قال الزركشي (1): وفيه ثلاثة أقوال:
الأول: أخبر بفلاحه، ثم أعقبه بالشرط؛ لينبه على سبب فلاحه.
الثاني: هو ماض أريد به مستقبل.
الثالث: هو على (2) التقديم والتأخير؛ أي: إن (3) صدق أفلح (4).
قلت: ليس في الثلاثة ما يفلج (5) به الصدر.
وفي "القبس": إنما قال له (6) النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنه (7) كان أول ما أسلم، فأراد أن يطمئن فؤاده عليها، وبعد (8) ذلك يفعل ما سواها بما (9) يظهر من ترغيب الإسلام (10).
(1)"قال الزركشي" ليست في "ج".
(2)
"على" ليست في "ع".
(3)
"إن" ليست في "ج".
(4)
انظر: "التنقيح"(1/ 44).
(5)
في "ن": "يلج".
(6)
في "ج": "إنما قاله النبي".
(7)
في "ج": "لأنه ذلك".
(8)
في "ج": "وجعل".
(9)
في "ع": "كما".
(10)
انظر: "القبس في شرح الموطأ" لابن العربي (6/ 240).