الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: فضلِ من عَلِمَ وعَلَّمَ
70 -
(79) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتِ الْمَاءَ، قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ، وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ.
(بُريد): -بموحدة مضمومة- مصغَّر.
(مَثَل): -بفتحتين-، وكذا:
(كمَثَل الغيث): أي: تلك الحال العجيبة الشأن كهذه الحالة (1) العجيبة الشأن.
(نَقِية): -بنون مفتوحة فقاف مكسورة-، هذا (2) هو المعروف في الرواية.
وحكى السفاقسي عن الخطابي: "ثغبة" -بثاء مثلثة وغين معجمة وباء
(1) في "ع" و"ج": "الحال".
(2)
في "ع" و"ج": "وهذا".
موحدة-: وهي مستنقع الماء في الجبال والصخور (1).
(قبلت الماء (2)) -بالباء الموحدة-: من القَبول.
(فأنبتت الكلأ والعشب): الكلأ -مهموز مقصور-: الرطب واليابس من العشب، والرطبُ منه هو العشب.
(أجادب): -بجيم ودال مهملة- جمع جَدب على غير قياس، والأرض الجَدْبة: التي لم تُمْطَر، وهي هنا: الأرضُ التي لا تشرب، ولا تُنبت؛ لصلابتها، وروي:"أجاذب (3) ": -بذال معجمة-، وهي صلاب الأرض التي تمسك الماء.
وروي: "أجارد (4) ": أي: جرداء بارزة لا يسترها النبات.
وروي: "إِخاذات": -بكسر الهمزة وتخفيف الخاء والذال المعجمة (5) -:
من الأخذ جمع إخاذة، وهي الغدران التي تمسك الماء.
وقال عبدُ الغافر الفارسيُّ: إنه الصواب (6)(7).
(قيعان): جمع قاع، وهو الأرض المستوية، وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات بها، ويجمع أيضًا على أَقْوُع، وأَقْواع، فهي من ذوات الواو.
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 134).
(2)
"الماء" ليست في "ع".
(3)
في "ع": "أجذاب".
(4)
في "ع": "أجادر".
(5)
في "ن" و"ع": "المعجمتين".
(6)
في "ع": "إنه صواب".
(7)
انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 63).
(فَقُه): بضم القاف وكسرها (1).
(قال إسحاق): كذا وقع غير منسوب (2) في غير ما موضع من البخاري، وهو من المواضع المشكلة فيه.
وقد حكى الجياني عن الحافظ ابن السكن: ما كان في البخاري: "عن إسحاق" غيرَ منسوب، فهو ابنُ راهويه (3).
(وكان منها طائفة قيّلت): -بياء مثناة من تحت مشددة (4) -، فقيل (5): هو تصحيف من إسحاق (6)، وقيل: بل هو صحيح، ومعناه: شربت القيل، وهو شربُ نصفِ النهار، يقال: قَيَّلَتِ الإِبِلُ: إذا شربتْ في ذلك الوقت.
(والمصطف: المستوي من الأرض): كذا وقع في نسخ (7)، والصواب:"والصفصف" كما وقع في كتاب: التفسير في سورة طه، وهو إشارة إلى تفسير (8) قوله تعالى:{قَاعًا صَفْصَفًا} [طه: 106].
وتشبيه الهدى والعلم بالغيث المذكور تشبيه مفرد بمركب، إذ الهدى مفرد، وكذا العلم، والمشبه به، وهو غيث كثير أصاب أرضًا، منها ما قبله فأنبت، ومنها ما أمسكه خاصةً، ومنها ما لم ينبت، ولم يمسك، مركبٌ من
(1) في "ج": "بضم القاف وفتحها كسرها".
(2)
في "ج": "منصوب".
(3)
انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 408).
(4)
في "ن": "بياء مشددة مثناة من تحت".
(5)
في "ج": "قيل".
(6)
في "ع": "هو من تصحيف ابن إسحاق".
(7)
في "ن" و"ع" زيادة: "البخاري".
(8)
"تفسير" ليست في "ن".
عدة أمور كما تراه، وشبه من انتفع بالعلم ونفع به بأرض قبلت الماء، وأنبتت الكلأ والعشب، وهو تمثيل؛ لأن وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من قبول المحل لما يَرِدُ عليه من الخير، مع ظهور آثاره وانتشارها على وجهٍ عامِّ الثمرة، متعدِّي النفع، ولا يخفى أن هذه الهيئة منتزعة من أمور متعددة، ويجوز أن يشبه انتفاعه بقبول الأرض للماء، ونفعه المتعدي بإنباتها الكلأ (1) والعشب، والأول أَفْحَلُ وأَجزل؛ لأن لهيئة المركبات من الموقع في النفس ما ليس في المفردات (2) في (3) ذواتها من غير نظر إلى تَضامِّها (4) ولا التفات إلى هيئتها (5) الاجتماعية.
قال الشيخُ عبدُ القاهر في قول القائل:
وَكَأَنَّ أَجْرَامَ النُّجُومِ لَوَامِعًا
…
دُرَرٌ نُثِرْنَ (6) عَلَى بِسَاطٍ أَزْرَقِ
لو قلت (7): كأن النجوم دُرَرٌ، وكأن السماء بساط أزرقُ؛ كان التشبيه مقبولًا، لكن أين هو من التشبيه الذي يريك الهيئةَ التي تملأ النواظرَ عجبًا، وتستوقف العيون، وتستنطق القلوب بذكر اسم (8) الله من طلوع النجوم
(1) في "ع": "للكلأ".
(2)
في "ن" و"ع": "ما ليس للمفردات".
(3)
في "ج": "من".
(4)
في "ن": "نظامها".
(5)
في "ن" و"ج": "هيئاتها".
(6)
في "ع" و"ج": "نشرن".
(7)
في "ع": "لو قال".
(8)
"اسم" ليست في "ن" و"ع" و"ج".
مؤتلقةً مفترقةً في أديم السماء، وهي زرقاء زرقتها الصافية (1) بحسب الرؤية (2)، والنجوم تبرق وتتلألأ في أثناء تلك الزرقة.
ومن لك بهذه الصورة إذا جعلت التشبيه (3) مفردًا، وشبه من انتفع بالعلم في خاصة نفسه، ولم ينفع به أحدًا بأرض أمسكت الماء، ولم تنبت شيئًا؟!!
أو شبه انتفاعَه المجردَ بإمساك الأرض للماء مع عدم إنباتها، وشبه مَنْ عدمَ فضيلتي النفع والانتفاع جميعًا بأرض لم تمسك ماء (4) أصلًا.
أو شبه فواتَ ذلك له بعدم إمساكها الماء، وهذه الحالات الثلاث مستوفيةٌ لأقسام الناس، ففيه من البديع التقسيم.
فإن قلت: ليس في الحديث تعرض (5) إلى القسم الثاني، وذلك أنه قال:"فذلك مثل مَنْ فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلِم وعلَّم"، وهذا هو القسم الأول.
ثم قال: "ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله (6) الذي أُرسلت به"، وهذا هو القسم الثالث، فأين الثاني؟
قلت: يحتمل أن يكون ذكر من الأقسام أدناها، وطوى ذكر ما هو بينهما؛ لفهمه من أقسام المشبه (7) به المذكورة أولًا.
(1)"الصافية" ليست في "ج".
(2)
في "ج" زيادة: "الصافية".
(3)
في "ج": "التمثيل".
(4)
"ماء" ليست في "ج".
(5)
في "ن": "التعرض".
(6)
في "ن": "بهدى الله".
(7)
في "ج": "المشتبه".