الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي نحوه. وأخرج ابن جرير الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: افتخر طلحة بن شيبة والعباس وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها،
فقال علي: لقد صليت إلى القبلة قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله:{أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ} الآية كلها.
والخلاصة: أن الأصح في سبب النزول ما ذكره النعمان بن بشير، والروايات الأخرى عن الحسن والشعبي والقرظي وابن سيرين تفصيل لمجمل رواية النعمان.
المناسبة:
هذه الآية مرتبطة بما قبلها، ومكملة لها، فالآية السابقة أوضحت أن عمارة المسجد الحرام مقبولة إذا كانت صادرة عن إيمان، فهي للمسلمين دون المشركين، وهذه الآية أبانت أن الإيمان والجهاد أفضل مما كان يفخر به المشركون من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج.
التفسير والبيان:
هذه الآية خطاب للمؤمنين بحسب حديث النعمان بن بشير، وقيل: هي خطاب للمشركين بدليل السياق، والأصح أنها تضمنت المفاضلة التي جرت بين المسلمين والكافرين، لقوله تعالى:{كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ} فإن العباس-كما تقدم- احتج على فضائل نفسه بأنه عمر المسجد الحرام وسقى الحاج.
والمعنى: أجعلتم أهل السقاية وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله سواء في الفضيلة والدرجة؟ فإن السقاية والعمارة، وإن كانتا من أعمال الخير، فأصحابهما لا يساوون في المنزلة أهل الإيمان والجهاد.
وهذا معنى قوله: {لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ} أي لا تساوي أبدا بين الفريقين
لا في الصفة ولا في العمل، في حكم الله وفي إثابته، في الدنيا والآخرة.
ثم بين عدم تساويهم بقوله: {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} أي لا يهدي القوم الكافرين في أعمالهم إلى ما هو الأفضل والأرقى رتبة؛ إذ قد طمس على قلوبهم.
والمعنى: إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة، وأن يسوى بينهم، وجعل تسويتهم ظلما، بعد ظلمهم بالكفر.
فالإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس أفضل وأعظم درجة عند الله من أعمال السقاية والسدانة أو العمارة.
ثم بين الله تعالى مراتب التفاضل بين المؤمنين أنفسهم، فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا.} . أي أن المؤمنين بالله ورسوله، المهاجرين من مكة إلى المدينة، المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ولإعلاء كلمة الله، هم أعظم درجة وأرفع مقاما ومكانة من القائمين بأعمال أخرى كالسقاية والعمارة.
وأولئك المؤمنون المهاجرون المجاهدون هم الفائزون بفضل الله وكرامته ومثوبته.
وهذا الفوز هو أنه تعالى يبشرهم في كتابه المنزل على رسوله برحمة واسعة، ورضوان كامل، وجنات لهم فيها نعيم دائم، وهم في هذا النعيم خالدون على الدوام إلى ما شاء الله تعالى.
وإن الله عنده الثواب العظيم على الإيمان والعمل الصالح ومنه الهجرة، والجهاد في سبيله ومن أجل مرضاته، كما قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ، وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة 72/ 9].