الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنزل الله عذرهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية. وقد ذكرت أسماؤهم في المبهمات، وكانوا يسمون البكائين.
الثانية: قال مجاهد: هم ثلاثة إخوة: معقل، وسويد، والنعمان بن مقرن، سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحملهم على الخفاف المدبوغة، والنعال المخصوفة، فقال:{لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} وهذا رأي الجمهور.
والثالثة:
قال الحسن البصري: نزلت في أبي موسى الأشعري وأصحابه، أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستحملونه، ووافق ذلك منه غضبا، فقال:«والله ما أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه» .
المناسبة:
هناك ارتباط واضح بين هذه الآيات وما قبلها، فبعد أن ذكر تعالى الوعيد لمن يوهم العذر أو ينتحل الأعذار، مع أنه لا عذر له، ذكر أصحاب الأعذار الحقيقية، وبين إسقاط فريضة الجهاد عنهم.
التفسير والبيان:
أبان الله تعالى في هذه الآيات الأعذار التي يقبل بها القعود عن القتال، وذكر أصنافا ثلاثة من ذوي الأعذار المقبولة: وهم الضعفاء، والمرضى، والفقراء.
فقال: ليس على الضعفاء والمرضى والفقراء العاجزين عن الإنفاق في الجهاد إثم أو ذنب أو عتاب في عدم الجهاد {إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ} ، بأن أخلصوا الإيمان لله، وللرسول في الطاعة في السر والعلن، وعرفوا الحق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه، وللأمة بالحفاظ على مصلحتها العامة العليا من كتمان السر، والحث على البر، وعدم الإرجاف والتثبيط والقضاء على الإشاعات الكاذبة أو المغرضة،
روى مسلم عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدين النصيحة، قالوا لمن
يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
والنصيحة لله وللرسول: إخلاص الإيمان بهما وطاعتهما والحب والبغض فيهما، والنصيحة لكتابه: تلاوته وتدبر معانيه والعمل بما فيه، والنصيحة لأئمة المسلمين: مؤازرتهم وترك الخروج عليهم، وإرشادهم إن أخطئوا، والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى طريق الحق، والعمل على تقويتهم. والنصح:
إخلاص العمل من الغش.
والضعفاء: كل من لا قدرة لهم على القتال كالشيوخ والعجزة والنساء والصبيان.
والمرضى: من طرأ لهم مرض مزمن أو مؤقت لا يتمكنون معه من الجهاد، كالزمنى والعمي والعرج، والمحمومين.
والفقراء: الذين عدموا النفقة على أنفسهم في أثناء الجهاد، وعلى عيالهم.
{ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} أي ليس عليهم جناح ولا مؤاخذة، ولا إلى معاتبتهم طريق، ولا إثم عليهم بسبب القعود عن الجهاد.
وهذا نص عام يشمل كل من أحسن عملا من أعمال البر والخير، وهو أصل معتبر في الشريعة، في تقرير أن الأصل براءة الذمة أو البراءة الأصلية، وعدم مطالبة الغير له في نفسه وماله، فالأصل في نفسه حرمة القتل، والأصل في ماله حرمة الأخذ إلا لدليل ثابت، والأصل عدم مطالبته بشيء من التكاليف إلا بدليل مستقل.
فما دام هؤلاء المعذرون عذرا شرعيا ناصحين لله ورسوله، مخلصين أعمالهم لله، فلا مؤاخذة عليهم.
والله غفور، كثير المغفرة لهم ولأمثالهم، رحيم بهم، فلا يكلفهم ما لا طاقة
لهم به. أما العصاة والمنافقون فلا يغفر لهم إلا إذا تابوا وأقلعوا عن العصيان والنفاق الذي كان سببا في الإثم.
وكذلك لا حرج ولا إثم على من استعد للقتال بنفسه، ولكنه لا يجد مركبا أو نفقة ينفقها في أثناء الجهاد على نفسه وعياله، بسبب فقره، ومن أخصهم أولئك النفر من الأنصار البكاؤون، أو من بني مقرن من مزينة الذين جاؤوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليحملهم على الرواحل، أو ليمدهم بالزاد والماء والنفقة في غزوهم، فيخرجوا معه، فلم يجد ما يحملهم عليه، فانصرفوا من مجلسه، وهم يبكون بكاء شديدا بسبب حزنهم على ما فاتهم من شرف المشاركة في الجهاد، وبسبب فقدهم النفقة التي تساعدهم على الجهاد.
والتعبير بقوله: {لِتَحْمِلَهُمْ} يفيد عموم سائر وسائل النقل والحرب والقتال القديمة والحديثة. قال ابن عباس: سألوه أن يحملهم على الدواب.
قال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك: ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم البكاؤون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير، وعلي بن زيد أخو بنى حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار، وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة، وعبد الله بن المغفل المزني. وبعض الناس يقول: بل هو عبد الله بن عمرو المزني، وحرمي بن عبد الله أخو بني واقف، وعياض بن سارية الفزاري، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانوا أهل حاجة، فقال:{لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ} .
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد خلفتم بالمدينة أقواما، ما أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا، ولا نلتم من عدو نيلا