الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يظهر أن النفاق مرض خطير جالب لجميع الآفات في الدين والدنيا، ومبطل لجميع الخيرات فيهما.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى} [طه 131/ 20] وقوله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون 56/ 23 - 55].
فقه الحياة أو الأحكام:
في الآيتين دلالة على ما يأتي:
1 -
إن أفعال الكافر الخيرية كصلة القرابة وإغاثة الملهوف قد تفيده في الدنيا بدفع ضرر أو سوء، ولكن لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة. بدليل
ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين» . وروي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد ومسلم: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها» .
والصحيح أن إفادته من حسناته في الدنيا مقيّد بمشيئة الله المذكورة في قوله: {عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء 18/ 17].
والخلاصة: أن شيئا من أعمال البر لا يكون مقبولا عند الله، مع الكفر بالله. أما قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة 7/ 99] فيراد به بالنسبة للكافر تأثير الخير في تخفيف العقاب أو العذاب عنه.
2 -
لم تكن أعمال الخير في الظاهر، الصادرة من المنافقين عن إيمان وقناعة وطيب نفس، وإنما كانت في الواقع عن إكراه نفسي، سترا على نفاقهم، فهم لم يؤدوا الصلاة إلا وهم كسالى متثاقلون في أدائها، ولم ينفقوا نفقة في سبيل الله كالزكاة والجهاد، لغرض الطاعة، بل رعاية للمصلحة الظاهرة؛ لأنهم يعدّون النفقة مغرما، ومنعها مغنما، وإذا كان الأمر كذلك فهي غير متقبّلة ولا مثاب عليها، حسبما تقدم.
3 -
الأموال والأولاد قد تكون سببا للعذاب في الدنيا، وقد تكون سببا للعذاب في الآخرة. أما الأموال في الدنيا فهي عذاب على المنافقين في كسبها وفي إنفاقها، فكسبها يحتاج إلى عناء شديد، والحفاظ عليها يتطلب الحذر، ويصحبها القلق والهم، والتهديد بالضياع والخسارة، وقد تؤدي إلى قسوة القلب والطغيان، كما قال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} [العلق 6/ 96] وإنفاقها يكون كرها لا طواعية، فيعذبون بما ينفقون، وأما الأولاد فقد يموتون في الجهاد، فيعقب موتهم الحزن والغم والندم، وقد يؤمنون فيحترق الآباء غيظا عليهم، مثل حنظلة بن أبي عامر غسلته الملائكة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي شهد بدرا وكان من الله بمكان. وأما في الآخرة فيعذبون إذا اكتسبوا الأموال من حرام، وإذا آمن الأولاد وتبرموا من نفاق الآباء نجوا من العذاب الدائم.