الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد بنفسه وماله، وجب عليه ذلك، ومن قدر على الجهاد بالنفس فقط، أو بالمال فقط، وجب عليه.
ذلكم المأمور به من النفر والجهاد خير لكم في الدنيا والآخرة، كما
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الشيخان والنسائي عن أبي هريرة: «تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرده إلى منزله بما نال من أجر أو غنيمة» .
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ذلك وأنه خير، فانفروا ولا تتثاقلوا.
فقه الحياة أو الأحكام:
الآية تدل على إيجاب الجهاد والنفير العام في غزوة تبوك، لكن روي عن ابن عباس وآخرين أنها منسوخة بقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى} [التوبة 91/ 9].
قال القرطبي: والصحيح أنها ليست بمنسوخة. ويبقى الجهاد فرض عين إذا تعيّن بغلبة العدو على قطر من الأقطار، فيجب حينئذ على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إلى الجهاد خفافا وثقالا، شبانا وشيوخا، كلّ على قدر طاقته، يخرج الابن بغير إذن أبيه، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بدحر العدو، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا لتحقيق الهدف المرجو، فالمسلمون كلهم يد واحدة على من سواهم، حتى إذا قام هؤلاء بدفع العدو سقط الفرض عن الباقين.
ولو قارب العدو دار الإسلام، ولم يدخلوها، لزم المسلمين أيضا الخروج إليه، حتى تعلو كلمة الله، وتصان البلاد، ويخزي العدو.
وفرض أيضا على الإمام غزو الأعداء كل سنة مرة، حتى يدخلوا الإسلام،
أو يعطوا الجزية عن يد
(1)
.
وقد بادر الصحابة لتنفيذ هذا الأمر الإلهي الحاسم العام، فقال أبو أيوب الأنصاري-وقد شهد المشاهد كلها إلا غزاة واحدة-: قال الله تعالى: {اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً} فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا.
وروى ابن جرير الطبري عن أبي راشد الحرّاني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فصل عنها من عظمه، يريد الغزو، فقلت: قد أعذر الله إليك، فقال:
أتت علينا سورة البعوث (أي سورة براءة): {اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً} .
وروى ابن جرير أيضا عن صفوان بن عمرو قال: كنت واليا على حمص، فلقيت شيخا قد سقط حاجباه، من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو، قلت: يا عم، أنت معذور عند الله، فرفع حاجبيه، وقال: يا ابن أخي، استنفرنا الله خفافا وثقالا، ألا إن من أحبه الله ابتلاه.
والجهاد واجب بالنفس والمال إذا قدر عليهما، أو على أحدهما، على حسب الحال والحاجة، فقد كان المسلمون ينفقون على أنفسهم من أموالهم، وهم يعدّون السلاح، وقد ينفقون على غيرهم، كما فعل عثمان رضي الله عنه في تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك، وكما فعل غيره من أغنياء الصحابة. فهذه الآية:
{اِنْفِرُوا} تتناول القادر المتمكن؛ إذ عدم الاستطاعة عذر في التخلف.
ولما أصبح في بيت المال وفر وسعة، صار الحكام يجهزون الجيوش من بيت المال، وهذا هو المتبع الآن، حيث تخصص بنود من الميزانية كل عام لنفقات الحرب والدفاع، وتزاد الميزانية عند الحاجة.
(1)
تفسير القرطبي: 150/ 8 - 152