الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
الجهاد ثلاثة أنواع: جهاد العدو الظاهر، وجهاد الشيطان، وجهاد النفس والهوى. ويشملها كلها قوله تعالى:{وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ} [الحج 78/ 22] وقوله: {وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة 41/ 9]. و
قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أنس بن مالك: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» والجهاد باللسان: إقامة الحجة والبرهان.
وروى ابن كثير عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأربعة أسياف: سيف للمشركين: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة 5/ 9] وسيف للكفار: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ، مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ، وَهُمْ صاغِرُونَ} [التوبة 29/ 9] وسيف للمنافقين: {جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ} [التوبة 73/ 9] وسيف للبغاة: {فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ} [الحجرات 9/ 49].
وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، كما اختار ابن جرير الطبري. فإن لم يظهروا النفاق يعاملون باتفاق الأئمة معاملة المسلمين إلا إذا ارتدوا، أو بغوا على جماعة المسلمين بالقوة، أو امتنعوا من إقامة شعائر الإسلام وأركانه. قال ابن عباس رضي الله عنه: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان، أي بالحجة والبرهان.
والكافر: هو كل من لم يؤمن بالإسلام، أو من لم ينطق بالشهادتين، والكفر: ستر نعمة الله تعالى وجحود الإسلام. والمنافق: هو الذي يستر كفره وينكره بلسانه.
ومعنى الآية: يا أيها النبي جاهد كلاّ من الكفار والمنافقين، واغلظ عليهم أي عاملهم بالخشونة والشدة، ولا تحابهم ولا تلن لهم واعلم أن مقرهم جهنم لا مقر لهم سواه، وبئس المصير مصيرهم:{إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً} [الفرقان 66/ 25]. أي أن لهم عذابين: عذاب الدنيا بالجهاد، وعذاب الآخرة في جهنم.
والجهاد: عبارة عن بذل الجهد، وليس في الآية ما يدل على أن ذلك الجهاد بالسيف أو باللسان، أو بطريق آخر، وإنما تدل على وجوب الجهاد مع الفريقين، فأما كيفية تلك المجاهدة فلفظ الآية لا يدل عليها، بل إنما يعرف من دليل آخر، وهذا هو الرأي الصحيح الذي اختاره الرازي.
وقد دلت الدلائل الأخرى من غير الآية على أن جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين تارة بإقامة الحجة والبرهان، وبترك الرفق أحيانا، وبالانتهار أحيانا أخرى. قال ابن مسعود في قوله:{جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ} : تارة باليد (أي بالسلاح الحربي) وتارة باللسان، فمن لم يستطع فليكشر في وجهه، فمن لم يستطع فبالقلب.
وقد أدت سياسة الإسلام الحكيمة بأمر الله وحكمة رسوله، ومعاملة المنافقين معاملة المسلمين في الظاهر، إلى توبة أكثرهم وإسلام الألوف منهم.
ثم ذكر الله تعالى أسباب جهاد الكفار والمنافقين، وهي إظهار الكفر بالقول، والهمّ بالفتك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والاستهزاء بآيات الله وبالنبي والمؤمنين، فقال:{يَحْلِفُونَ بِاللهِ..} ..
أي إن القرآن يثبت للمنافقين الكذب الصريح واليمين الفاجرة، فهم يحلفون بالله، إنهم ما قالوا كلمة الكفر التي رويت عنهم، ولم يذكر القرآن تلك الكلمة، ترفعا من ذكرها، ولئلا يردد المسلمون تلاوتها، ولكنهم قالوها، وهي كما ذكر
في سبب النزول: إنهم لما اجتمعوا إثر رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك، وكانوا خمسة عشر، بقصد الفتك به، ودفعه عن راحلته، فقد طعنوا في نبوته، ونسبوه إلى الكذب، والتصنع في ادعاء الرسالة، وذلك هو قول كلمة الكفر، كما اختار الزجاج والرازي.
وكفروا بعد إسلامهم: معناه أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام.
وهمّهم بما لم ينالوا: هو اغتيال الرسول في العقبة، بعد رجوعه من تبوك.
والصحيح أن عددهم كما جاء في رواية مسلم اثنا عشر منافقا.
وما أنكر هؤلاء المنافقون وما عابوا من أمر الإسلام أو الدين وبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا، {إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ} تعالى من فضله ورسوله، بالغنائم الحربية، وكانوا كسائر الأنصار في المدينة فقراء، كما
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار: «كنتم عالة، فأغناكم الله بي» أي أن أكثر أهل المدينة كانوا بحاجة وضنك من العيش، فلما قدمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أثروا بالغنائم.
وروي أنه قتل للجلاس بن سويد (أحد المتخلفين عن تبوك) مولى، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بديته اثني عشر ألفا، فاستغنى.
فليس هناك شيء ينقمون منه إلا أن الإسلام كان سببا في غناهم. وهذا مدح بما يشبه الذم.
فإن ينوبوا من النفاق ومساوئ أقوالهم وأفعالهم، يكن ذلك خيرا لهم وأصلح، ويفوزوا بالخير، ويقبل الله توبتهم. وفي هذا ترغيب لهم بالتوبة، وفتح باب الأمل والرجاء بالرحمة أمامهم.
وإن يتولوا عن التوبة بالإصرار على النفاق، يعذبهم الله عذابا مؤلما في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو قتلهم وسبي أولادهم ونسائهم واغتنام أموالهم،