الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية، فكان الذي عفا الله عنه مخشّ بن حمير، فسمي عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله، فقتل يوم اليمامة، لا يعلم مقتله إلا من قتله.
وقال السّدّيّ: قال بعض المنافقين: والله وددت لو أني قدّمت، فجلدت مائة، ولا ينزل فينا شيء يفضحنا؛ فنزلت الآية.
وأخرج ابن جرير الطبري وابن المنذر وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن قتادة أن ناسا من المنافقين قالوا: في غزوة تبوك: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها، هيهات له ذلك، فأطلع الله نبيه على ذلك، فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا، قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، فنزلت.
المناسبة:
هذا نوع آخر من قبائح المنافقين وهو إقدامهم على اليمين الكاذبة، ومشاقة (معاداة) الله ورسوله، وتحرزهم من نزول القرآن فاضحا لهم، واستهزاؤهم بآيات الله (القرآن) وهي آيات في الجملة لشرح أحوال المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.
أخرج أبو الشيخ ابن حيان عن قتادة قال: كانت هذه السورة تسمى الفاضحة فاضحة المنافقين، وكان يقال لها المنبئة؛ لأنها أنبأت بمثالبهم وعوراتهم.
التفسير والبيان:
يخاطب الله المؤمنين مبينا لهم أن المنافقين يقدمون على حلف الأيمان الكاذبة لترضوا عنهم والله يعلم إنهم لكاذبون، وذلك يدل على أنهم شعروا بموقفهم الحرج، وظهور نفاقهم، وافتضاح أمرهم.
يحلفون لكم معتذرين عما صدر منهم من قول أو فعل ليرضوكم، والحال أن
الله ورسوله أحق بالإرضاء من المؤمنين، وذلك يكون بالطاعة والوفاق والإيمان الصادق والعمل الصالح.
والتعبير بإفراد ضمير {يُرْضُوهُ} للإعلام بأن إرضاء الرسول إرضاء لله، كما قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ} [النساء 80/ 4] لأن مصدر الرسالة واحد، والأوامر والنواهي واحدة.
هذا إذا كانوا مؤمنين حقا كما يدّعون ويحلفون، فمن كان مؤمنا فليرض الله ورسوله، وإلا كان كاذبا.
ثم وبخهم الله تعالى مبينا خطورة الأمر والشأن الذي أقدموا عليه وفي ذلك مزيد تعظيم وتهويل، فقال:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ} أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون ويتحققوا أن من يعاد الله ورسوله ويخالفه، بتجاوز حدوده، أو يلمز رسوله في أعماله كقسمة الصدقات، أو في أخلاقه كقولهم: هو أذن يسمع كل ما يقال له، وكان في حد، والله ورسوله في حد، فجزاؤه جهنم خالدا فيها أبدا، أي مهانا معذبا، وذلك العذاب هو الخزي العظيم أي هو الذل العظيم، والشقاء الكبير.
والحقيقة أن المنافقين يعرفون حقيقة أمرهم، فهم غير مؤمنين بالله والرسول، وهم شاكّون مرتابون في الوحي، قلقون مضطربون، والشك والقلق يدعوهم إلى الحذر والخوف، لذا وصفهم تعالى بقوله:{يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ} أي يخاف المنافقون ويتحرزون أن تنزل على المؤمنين سورة تكشف أحوالهم، وتفضح أسرارهم، وتبين نفاقهم، كهذه السورة التي سميت: الكاشفة والفاضحة والمنبئة، التي تنبئ المؤمنين بما في قلوب المنافقين، وتخبرهم بحقيقة وضعهم، فيفتضح أمرهم، وتنكشف أسرارهم.
وقوله: {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ} خبر وليس بأمر بدليل ما بعده: {إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ} لأنهم كفروا عنادا. وقوله: {مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ} أي أن
الله مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم.
وهم مع ذلك كانوا دائما يستهزئون بالقرآن وبالنبي والمؤمنين: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} [البقرة 14/ 2]، فهددهم الله وأوعدهم بقوله:{قُلِ: اِسْتَهْزِؤُا..} .
أي قل لهم يا محمد: استهزءوا بآيات الله كما تشاؤون، وهو أمر يقصد به التهديد والوعيد، إن الله مظهر ما تخافون حصوله، وسينزل على رسوله ما يفضحكم به، ويبين له أمركم، مثل قوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ} -إلى قوله-و {لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد 29/ 47 - 30].
ثم يقسم الله بأنه إن سألتهم أيها الرسول عن أقوالهم هذه وهزئهم، لاعتذروا عنها بأنهم لم يكونوا جادّين فيها، بل هازلين لاعبين خائضين في اللغو بقصد التسلي واللهو، فوبخهم الله وأنكر عليهم بقوله:{أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ} أي إن هذا ليس مجال استهزاء، ألم تجدوا ما تستهزئون به غير ذلك؟ فإن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر محض، وشر مستطير. والمراد بالاستهزاء بالله: الاستهزاء بذكر الله وصفاته، وتكاليف الله تعالى. والمراد بآيات الله: القرآن وسائر أحكام الدين، والاستهزاء بالرسول معلوم كالطعن برسالته وتطلعاته وأخلاقه وأعماله.
فليس قولكم عذرا مقبولا، ولا تعتذروا أبدا بهذا أو بغيره، للتخلص من هذا الجرم العظيم، فإنكم قد كفرتم وظهر كفركم، كما أظهرتم إيمانكم، وتبين أمركم للناس قاطبة. وقوله:{لا تَعْتَذِرُوا} على جهة التوبيخ، كأنه يقول:
لا تفعلوا ما لا ينفع.
فإن نعف عن بعضكم لتوبتهم الخالصة كمخشّ بن حميّر، نعذّب طائفة أي جماعة أخرى لبقائهم على النفاق، وارتكابهم الآثام، وإجرامهم في حق أنفسهم وغيرهم، فتعذيبكم بسبب إجرامكم.