الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن المنافقين، وتفضح أسرارهم، وتكشف أحوالهم للناس، وبما أنهم أقسام وأصناف ذكرهم تعالى على التفصيل، فقال:
{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة 61/ 9]{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ} [التوبة 58/ 9]{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اِئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة 49/ 9]{وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ} .
التفسير والبيان:
وبعض المنافقين عاهد الله ورسوله: لئن أغناه الله من فضله، ليصدّقن وليكونن من الصالحين الذين ينفقون أموالهم في مرضاة الله، كصلة الرحم والجهاد. فقوله:{لَنَصَّدَّقَنَّ} إشارة إلى إخراج الزكاة الواجبة، وقوله:
{وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ} إشارة إلى إخراج كل مال يجب إخراجه على الإطلاق.
فلما رزقهم الله تعالى، وأعطاهم من فضله ما طلبوا، لم يوفوا بما قالوا، ولم يصدقوا فيما وعدوا، وإنما بخلوا به وأمسكوه، فلم يتصدقوا منه بشيء، ولم ينفقوا منه في مصالح الأمة كما عاهدوا الله عليه، بل تولوا بكل ما أوتوا من قوة عن العهد وطاعة الله، وأعرضوا إعراضا جازما عن النفقة وعن الإسلام، بسبب تأصل طبع النفاق في نفوسهم.
وبخلوا به أي بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير، وبالوفاء بما ضمنوا والتزموا. وهم معرضون أي عن الإسلام. وهذا يدل على أنه تعالى وصفهم بصفات ثلاث: الأولى: البخل: وهو عبارة عن منع الحق، والثانية: التولي عن العهد، والثالثة: الإعراض عن تكاليف الله وأوامره.
فأعقبهم الله تعالى أي صيّر عاقبة أمرهم نفاقا دائما في قلوبهم، بمعنى زادهم نفاقا، وقيل: أعقبهم ذلك البخل نفاقا، ولهذا قال:{بَخِلُوا بِهِ} والأول أصح؛ لأن البخل لا يؤدي عادة إلى النفاق فقد يوجد لدى كثير من الفساق، ولأن الضمير في قوله تعالى:{يَلْقَوْنَهُ} عائد إلى الله تعالى.
واستمر ذلك النفاق ثابتا متمكنا ملازما قلوبهم إلى يوم الحساب في الآخرة.
وفي هذا دليل على أنهم ماتوا منافقين.
وهذا دليل آخر على أن المنزّل فيه ليس ثعلبة أو حاطب البدريين؛ لأن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر: «وما يدريك، لعلّ الله اطّلع على أهل بدر، فقال:
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وثعلبة وحاطب ممن حضر بدرا وشهدها.
ثم ذكر الله تعالى سببين للموت على النفاق وهما: إخلاف الوعد والكذب، فقال:{بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ، وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ} أي أن ملازمة النفاق لهم كان بسبب إخلافهم ما وعدوا الله تعالى من التصدق والصلاح، وكونهم كاذبين، وكذبهم: نقضهم العهد وتركهم الوفاء بما التزموه من ذلك.
أي أنه تعالى أعقبهم النفاق في قلوبهم إلى الموت بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم، وخلف الوعد والكذب من أخص صفات المنافقين،
كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» .
وخرّج البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
ثم ندد الله تعالى بالمنافقين ووبخهم فقال: {أَلَمْ يَعْلَمُوا..} . أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يسرونه من الكلام،