الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
لما لمز المنافقون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصدقات، بيّن لهم أن مصرف الصدقات هؤلاء الأصناف الثمانية، فلا يبقى لأحد حق الاعتراض أو النقد والطعن في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بسبب أخذ الصدقات. فهم مخطئون في اعتراضهم، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم محق فيما صنع، والآية قاضية على أطماعهم.
وورود الآية ضروري أيضا لبيان طريق الحق والعدل في صرف الزكاة، فلا يجور الأغنياء، وليس لهم أن يتحايلوا في صرفها إلى غير هؤلاء المستحقين، كما أن الآية تنبيه وتذكير دائم بهؤلاء المحتاجين، وحمل للأغنياء على إعطاء حقوق الله في أموالهم دون أن يكون لهم منّة، وحدّ من أطماعهم وحبهم للمال.
وأما السبب في ذكر هذه الآية بين آيات المنافقين ومكايدهم فللتنبيه على أنهم ليسوا من مستحقي الزكاة، حسما لأطماعهم، وإشعارا باستحقاقهم الحرمان، وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها.
التفسير والبيان:
إنما مصارف الزكاة الواجبة لهؤلاء الأصناف الثمانية، وقد أفادت {إِنَّمَا} حصر الصدقات في هذه الأصناف، دون غيرهم.
والدليل على أن المراد بالصدقات هنا هو الزكوات الواجبة: أن (أل) في الصدقات للعهد الذكري، والمعهود هو الصدقات الواجبة المشار إليها في الآية المتقدمة:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ} ؛ ولأن الله أثبت الحق في هذه الصدقات بلام التمليك للأصناف الثمانية، والمملوك لهم إنما هو الزكاة الواجبة؛ ولأنه ذكر في الآية سهما للعاملين، والعمال يوظفون لجباية الصدقات الواجبة لا المندوبة، ولأن الصدقات المندوبة يجوز صرفها في غير هذه الأصناف.
والزكوات الواجبة هي زكاة النقود والأنعام والزروع والتجارة.
وقد أوجب الإمام الشافعي صرف جميع الصدقات الواجبة من الفطرة وزكاة الأموال إلى الأصناف الثمانية؛ لأن الآية أضافت جميع الصدقات إليهم بلام التمليك، وشرّكت بينهم بواو التشريك، وحصرت صرفها في الأصناف الثمانية؛ لأن لفظة {إِنَّمَا} تقتضي الحصر فيهم، فدلت الآية على أن الصدقات كلها مملوكة لهم، مشتركة بينهم. ولا يجوز الصرف لأقل من ثلاثة أشخاص من كل صنف؛ لأن أقل الجمع ثلاثة.
وأجاز الأئمة الثلاثة الآخرون صرفها إلى صنف واحد، وإلى شخص واحد من كل صنف في رأي أبي حنيفة ومالك؛ لأن الآية للتخيير في هذه الأصناف دون غيرهم، بدليل قوله تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة 271/ 2]
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الجماعة عن معاذ بن جبل: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأردها إلى فقرائكم» والمذكور فقط في الآية والحديث هو صنف واحد وهم الفقراء.
ودليلهم على جواز الاقتصار على شخص واحد: هو أن (أل) في الجمع المعرف هنا مجاز في الجنس، أي جنس الصدقة لجنس الفقير، وجنس الفقير يتحقق بواحد، فتصرف إليه. وتحمل (أل) على المجاز؛ لتعذر حملها على الحقيقة، وهو استغراق جميع الفقراء، وإعطاء الصدقة لكل فقير.
والسر في التعبير باللام المفيدة للملك في ستة أصناف (وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون، وابن السبيل) أن أصحابها أشخاص يملكون. وأما التعبير ب {فِي} في صنفين (وهما: في الرقاب، وفي سبيل الله) فلأن المراد الجهة أو الأوصاف والمصالح العامة للمسلمين، وليس المراد الأشخاص، وللإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، فالتعبير بفي في قوله:{وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فيه ترجيح لهذين الصنفين على الرقاب والغارمين.
وأما بيان الأصناف الثمانية فهو فيما يأتي:
1 -
الفقراء: وهم المحتاجون غير الأغنياء، الذين لا يجدون كفايتهم.
2 -
المساكين: وهم فئة أخرى من المحتاجين.
وقد اختلف الفقهاء فيمن هو أسوأ حالا: الفقير أم المسكين، فقال الشافعية والحنابلة: الفقير أسوأ حالا من المسكين، فهو المعدم الذي لا يملك شيئا من مال ولا كسب يغطي حاجته، وأما المسكين: فهو من يملك أقل من كفايته. وقال الحنفية والمالكية: المسكين أسوأ حالا من الفقير.
وليس للخلاف ثمرة في الزكاة، وإنما تظهر فائدة الخلاف في الوصية للفقراء دون المساكين أو العكس، وفيمن أوصى بشيء للفقراء وبشيء آخر للمساكين.
وأدلة الشافعية والحنابلة هي: أنه تعالى قدم الفقراء؛ لأنهم أحوج من غيرهم، وأنه تعالى بقوله:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ..} . [الكهف 79/ 18] وصف بالمسكنة من له سفينة،
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ من الفقر، ويقول فيما رواه الحاكم عن أبي سعيد الخدري:«اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» ولا يعقل أن يتعوذ من شيء، ثم يسأل حالا أسوأ منه، فالمسكين يملك شيئا؛ وقد نقل جماعة من أهل اللغة كابن الأنباري: أن المسكين: الذي له ما يأكل، والفقير: الذي لا شيء له. وقالوا: والفقير: معناه في كلام العرب: الذي نزعت بعض فقرات ظهره من شدة الفقر، فلا حال أشدّ من هذه.
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: