الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبني المطلب. {وَالْيَتامى} أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم، وهم فقراء. {وَالْمَساكِينِ} ذوي الحاجة من المسلمين. {وَابْنِ السَّبِيلِ} المنقطع في سفره عن بلده من المسلمين، أي أن الخمس يستحقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأصناف الأربعة المذكورة، على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس.
{يَوْمَ الْفُرْقانِ} يوم بدر، الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل. {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} المسلمون والكفار. {وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} صاحب القدرة المطلقة على كل الأشياء، ومنها نصركم مع قلتكم وكثرتهم.
المناسبة:
لما أمر الله بمقاتلة الكفار في قوله: {وَقاتِلُوهُمْ} وكان القتال عادة مستتبعا إحراز الغنائم منهم، ذكر تعالى حكم الغنيمة وقد نزلت هذه الآية في غزوة بدر، وكان ابتداء فرض قسمة الغنائم فيها.
التفسير والبيان:
هذه الآية تفصيل لما أجمل حكمه في بدء سورة الأنفال: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} فأبان تعالى أن حكمها لله، ويقسمها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ما أمره الله به، وفي هذه الآية تفصيل لحكم الغنائم التي اختص الله هذه الأمة بإحلالها، وأنها تقسم أخماسا، فيجعل الخمس لمن ذكرتهم الآية، والأربعة الأخماس الباقية للغانمين كما أوضحت السنة، وهي أنها تقسم للجيش المقاتل: للراجل سهم، وللفارس سهمان أو ثلاثة أسهم، بدليل بيان هذا الخمس والسكوت عن الباقي في قوله تعالى:
{غَنِمْتُمْ} قال القرطبي: أضاف الله الغنيمة للغانمين، ثم عين الخمس لمن سمّى في كتابه، وسكت عن الأربعة الأخماس، فدل على أنها ملك للغانمين، كما سكت عن الثلثين في قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} فكان للأب الثلثان اتفاقا، وكذا الأربعة الأخماس للغانمين إجماعا
(1)
.
(1)
تفسير القرطبي: 13، 3/ 8
والغنيمة كما أوضحت: ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر.
والأصناف المذكورة في الآية ستة، قيل عن أبي العالية: إن سهم الله يصرف في الكعبة، وأجيب بأن تعمير بيوت الله حق على المسلمين، والراجح المشهور أو المجمع عليه أن خمس الغنائم يقسم على خمسة أصناف، وقوله:{لِلّهِ خُمُسَهُ} :
افتتاح كلام للتبرك بذكر اسم الله وتعظيمه، وافتتاح الأمور باسمه وبيان تفويض كل شيء إليه، فهو يحكم بما يشاء، ولله الدنيا والآخرة. والأصناف الخمسة هي:
1 -
سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يضعه حيث شاء. قال عمر بن عبد العزيز: قوله:
{فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} يعني في سبيل الله، قال ابن العربي: وهذا هو الصحيح كله.
2 -
سهم ذوي القربى: أي قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهم على الراجح بنو هاشم وبنو المطلب، وهو رأى الشافعي وأحمد وآخرين؛
لما أخرجه البخاري والنسائي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قسم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب قال: «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطّلب شيء واحد» وشبك بين أصابعه. قال البخاري: قال الليث: حدثني يونس، وزاد: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئا. قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم، وأمّهم: عاتكة بنت مرّة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم. وقال النسائي: وأسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، بينهم الغني والفقير.
وتفصيل القصة
فيما أخرج ابن جرير الطبري عن جبير بن مطعم (من بني نوفل) قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم
وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه (من بني عبد شمس)، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم، لا ننكر فضلهم، لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا
(1)
، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال:«إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» ثم شبّك رسول الله يديه، إحداهما بالأخرى. وذلك أن بني هاشم وبني المطلب دخلوا في مقاطعة في شعب مكة بموجب الصحيفة التي كتبتها قريش، لحمايتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل. وكان بنو أمية بن عبد شمس في عداوة لبني هاشم في الجاهلية والإسلام.
وأما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فعند الشافعي رحمه الله، ورأيه مطابق لظاهر الآية: أنه يقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يصرف إلى ما كان يصرف إليه من مصالح المسلمين، كالإعداد للجهاد من شراء السلاح والخيول ونحوها، وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي للأصناف الثلاثة: وهم اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ساقط بسبب موته، وكذلك سهم ذوي القربى، وإنما يعطون لفقرهم، ولا يعطى أغنياؤهم، فيقسم الخمس على ثلاثة أسهم، على اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقال مالك رحمه الله: الأمر في الخمس مفوض إلى رأي الإمام، ويجعل في بيت المال، إن رأى قسمته على هؤلاء المذكورين في الآية فعل، وإن رأى إعطاء بعضهم دون بعض، فله ذلك.
(1)
أي أنهما من بني عبد شمس وبني نوفل.
وكأن مالكا والمالكية رأوا أن ذكر هذه الأصناف على سبيل المثال، وهو من باب الخاص أريد به العام. وأصحاب الأقوال المتقدمة رأوا أنه من باب الخاص أريد به الخاص.
واستدل المالكية بأخبار وردت في السيرة هي:
أ-
روي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية قبل نجد، فأصابوا في سهمانهم اثني عشر بعيرا، ونفّلوا بعيرا بعيرا.
ب-
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أسارى بدر: لو كان المطعم بن عديّ حيا، وكلّمني في هؤلاء النتنى، لتركتهم له.
ج -رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبي هوازن، وفيه الخمس.
د-
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» .
هـ -
روي في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: آثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين أناسا في الغنيمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى ناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله، إن هذه القسمة ما عدل فيها، أو: ما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرته، فقال:«يرحم الله أخي موسى لقد أوذى بأكثر من هذا، فصبر»
(1)
.
وذكر النسائي عن عطاء قال: خمس الله وخمس رسوله واحد، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمل منه، ويعطي منه، ويضعه حيث شاء، ويصنع به ما شاء.
(1)
أحكام القرآن لابن العربي: 846/ 2
كل هذه الأدلة تدل على أن توزيع الخمس مفوض للإمام، وأن بيان المصارف في الآية بيان المصرف والمحل، لا بيان الاستحقاق والملك، كما ذكر القرطبي؛ إذ لو كان استحقاقا وملكا، لما جعله رسول الله أحيانا في غيرهم.
3 -
اليتامى: وهم أطفال المسلمين الذي هلك آباؤهم.
4 -
المساكين: وهم أهل الحاجة من المسلمين.
5 -
ابن السبيل: وهو المجتاز سفرا قد انقطع به.
ثم قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ..} . أي امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزل على رسوله، أو اعلموا أن ما غنمتم من شيء، فخمس الغنيمة مصروف إلى هذه الأصناف الخمسة، فاقطعوا عنه أطماعكم، واقنعوا بالأخماس الأربعة إن كنتم صدقتم بالله وبما أنزله على رسوله، يوم بدر: يوم الفرقان الذي فرقنا فيه بين الحق والباطل، فنصرنا المؤمنين على الكافرين، وذلك يوم التقى الجمعان، أي الفريقان من المسلمين والكافرين، لسبع عشرة خلت من رمضان، وهو أول قتال شهده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والله على ذلك وغيره قدير، يقدر على نصركم وأنتم قلّة، ولا يمتنع عليه شيء أراده، وينجز وعده لرسوله.
والمراد من الآية التحذير من تجاوز حدود الله في أي وقت، وليس المراد أخذ العلم فقط، بل العلم المقترن بالعمل والاعتقاد، والإيمان بالله والرسول والمنزل عليه واليوم الآخر من دواعي العلم بأن لله حق التصرف في الأشياء، وله تفويض القسمة إلى رسوله، يقسم الخمس بين هذه الأصناف؛ لأن النصر من عند الله، وهو الذي أمدكم بالملائكة. وجواب الشرط دل عليه المذكور وهو: فاعملوا وانقادوا وسلّموا لأمر الله فيما أعلمكم به من القسمة، وقد عدل عن (اعلموا) لأن