الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنافقين وضعفاء الإيمان، وتطهير قلوب المؤمنين من عوامل الشقاق، إلا آيتين في آخرها، وإلا ما جاء في أثنائها من أحكام وحكم، جريا على منهج القرآن في أسلوبه الذي اختص به.
وسبب الغزوة: استعداد الروم والقبائل العربية المتنصرة من لخم وجذام وغيرهم، وتجهيز جيش كثيف، لغزو المدينة، بقيادة «قباذ» وعدد جنده أربعون ألفا.
فندب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس للخروج لقتالهم، وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام للتجارة، فقال: يا رسول الله، هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية (من الفضة) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» .
ولما لم يجد النبي من يقاتله عاد إلى المدينة، بسبب انسحاب الروم وعدولهم عن فكرة الزحف واقتحام الحدود. ولكن كان لهذه الغزوة أثر معنوي كبير في نظر العرب والروم، فكانت كفتح مكة؛ لأنها كانت احتكاكا بأعظم قوة حينذاك، وأثرت على المدى البعيد في نفوس الأعداء، بعد أن كان العرب يخشون غزو الروم في عقر دارهم.
وقد مهد الله بهذا الغزو الذي كان له أثر عميق في نفوس العرب، لغزو المسلمين للشام في عهد الخليفتين: أبي بكر وعمر.
التفسير والبيان:
يا أيها المؤمنون بالله ورسوله، ما لكم تثاقلتم وتباطأتم عن الجهاد، حين قال لكم الرسول الأمين:{اِنْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} لقتال الروم الذين تجهزوا لقتالكم ومهاجمتكم؟ فقوله: {ما لَكُمْ} ما: حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ، والتقدير: أي شيء يمنعكم عن كذا؟
ومعنى: {اِنْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} : إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمته. و {اِثّاقَلْتُمْ} : تكاسلتم وملتم إلى الراحة وطيب الثمار والتفيؤ في الظلال. فهذا ليس من شأن الإيمان الذي يدعو إلى بذل النفس والمال في سبيل الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} [الحجرات 15/ 49].
أرضيتم بلذات الحياة الدنيا بدلا من الآخرة وسعادتها ونعيمها؟ إن كنتم فعلتم ذلك فقد تركتم الخير الكثير في سبيل الشيء الحقير، فما تتمتعون به في الدنيا متاعا مقترنا بالهم والألم، إذا قيس بنعيم الآخرة الدائم المقيم، إلا شيء حقير، لا يصلح عوضا عن الشيء الكثير.
روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع؟» وأشار بالسبابة.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة» ثم تلا هذه الآية: {فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ} .
فالآية والحديث تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة.
ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد، فقال:{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ..} . أي إن لم تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما دعاكم إليه، يعذبكم عذابا مؤلما في الدنيا كالهلاك بالقحط وغلبة العدو، ويستبدل بكم قوما غيركم، لنصرة نبيه وإقامة دينه، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} [محمد 38/ 47] أي أنه تعالى يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم وأطوع،
وأنه غني عنهم في نصرة دينه، لا يؤثر تثاقلهم فيها شيئا. قال ابن عباس:
استنفر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيا من العرب، فتثاقلوا عنه، فأمسك الله عنهم القطر، فكان عذابهم.
ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد، وتثاقلكم عنه؛ لأنه هو القاهر فوق عباده. وقيل: الضمير للرسول، أي ولا تضروه؛ لأن الله وعده أن يعصمه من الناس، وأن ينصره، ووعد الله كائن لا محالة:{إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ} [آل عمران 194/ 3]. {وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ} [الحج 47/ 22].
{وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم.
ثم رغبهم الله تعالى في الجهاد ثانية ومناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ..} . أي إن لم تنصروا رسوله، فإن الله ناصره ومؤيده، وكافيه وحافظه، كما تولى نصره عام الهجرة، لما همّ المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه من بلده:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ..} .
[الأنفال 30/ 8].
فخرج منهم هاربا بصحبة صدّيقه وصاحبه أبي بكر، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام، ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم، ثم يسيروا نحو المدينة.
ففزع أبو بكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى المشركين، حال كون النبي أحد اثنين، والثاني أبو بكر في غار جبل ثور، إذ قال لصاحبه: لا تخف ولا تحزن، إن الله معنا يؤيدنا بنصره وعونه وحفظه.
روى أحمد والشيخان عن أنس قال: «حدثني أبو بكر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، فرأيت آثار المشركين، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه، لأبصرنا تحت قدمه، فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين، الله
ثالثهما»
وفي رواية أحمد: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه
…
».
{فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ.} . أي فأنزل الله طمأنينته وتأييده ونصره عليه، أي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في أشهر القولين، وقيل: على أبي بكر، قال ابن عباس وغيره: لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تزل معه سكينة، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال. والسكينة: ما ألقى في قلبه من الأمن. وقال ابن العربي:
عود الضمير على أبي بكر هو الأقوى؛ لأنه خاف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القوم، {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} بتأمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسكن جأشه، وذهب روعه، وحصل الأمن، ورجح الرازي هذا القول؛ لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكورات في هذه الآية: هو أبو بكر، ولأن الحزن والخوف كان حاصلا لأبي بكر لا للرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان الرسول خائفا لما أمكنه تسكين خوف أبي بكر بقوله:{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا} ، وقال الجمهور: الضمير عائد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن السكينة هنا بمعنى الصون وخصائص النبوة.
ثم قال: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها} أي قوّاه وآزره بالملائكة. وجعل كلمة الشرك والكفر هي السفلى أي المغلوبة، وكلمة الله التي هي لا إله إلا الله أو الدعوة إلى الإسلام هي العليا الغالبة، والله عزيز غالب في انتقامه وانتصاره، منيع الجناب، لا يضام من لاذ به، حكيم في أقواله وأفعاله، يضع الأشياء في مواضعها. وقد تم نصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وارتقاء دولته، وهزمت كلمة المشركين وذلت دولة الشرك، وأظهر الله دينه على كل الأديان:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف 9/ 61] قال ابن عباس: يعني بكلمة الذين كفروا: الشرك، وكلمة الله: هي لا إله إلا الله.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياء، أي