الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد هو العمل، وليس العلم والاعتقاد، فقوله:{وَاعْلَمُوا} يتضمن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم.
فقه الحياة أو الأحكام:
الآية خطاب للمسلمين من غير خلاف، لا مدخل فيه للكفار ولا للنساء، خوطب به المقاتلون من المسلمين.
وقد أرشدت الآية إلى أن خمس الغنيمة يصرف لخمسة أصناف، ودلت دلالة ضمنية على أن الأربعة الأخماس الباقية ملك للغانمين، فذلك مفهوم من السكوت عن الأربعة الأخماس، فتقسم بين الغانمين
(1)
.
وأرشدت الآية أيضا إلى أنه: إن كنتم آمنتم بالله، فاحكموا بهذه القسمة، وهو يدل على أنه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة، لم يحصل الإيمان بالله. وفي الآية تسمية يوم بدر بيوم الفرقان.
وهذه الآية مبيّنة لإجمال أول سورة الأنفال، وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين.
وجمهور العلماء على أن هذه الآية مخصوصة بأمور ثلاثة هي: أن سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام، أي أعلن عنه قبل المعركة، وكذلك الأسارى، الاختيار فيهم إلى الإمام بلا خلاف، وكذلك الأرض غير داخلة في عموم هذه الآية في رأي الجمهور؛ لما روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«لولا آخر الناس، ما فتحت قرية إلا قسمتها، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر» . وأما الذي يقسم فهو المنقول الذي ينقل من موضع إلى آخر.
(1)
أحكام القرآن للجصاص: 51/ 3
وقال الشافعي: كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء، قلّ أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك، قسم؛ إلا الرجال البالغين، فإن الإمام مخير فيهم بين أن يمنّ أو يقتل أو يسبي، واستدل بعموم هذه الآية، وقال: والأرض مغنومة لا محالة، فوجب أن تقسم كسائر الغنائم، وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما افتتح عنوة من خيبر. ولو جاز أن يدّعى الخصوص في الأرض، جاز أن يدّعى في غير الأرض، فيبطل حكم الآية. وأما آية (الحشر) فلا حجة فيها؛ لأن ذلك إنما هو في الفيء لا في الغنيمة. وقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ} استئناف كلام بالدعاء لمن سبقهم بالإيمان، لا لغير ذلك. وفعل عمر في وقف الأرض المفتوحة إما أن يكون ما وقفه فيئا، فلم يحتج إلى مراضاة أحد، وإما أن يكون غنيمة استطاب أنفس أهلها، وطابت بذلك فوقفها، روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها، وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبي هوازن، لما أتوه استطاب أنفس أصحابه عما كان في أيديهم.
وقال الحنفية: يخير الإمام في قسمة الأرض، أو إقرارها بيد أهلها، وتوظيف الخراج عليها، وتصير ملكا لهم كأرض الصلح.
وأما السّلب: فهو في رأي مالك وأبي حنيفة والثوري، ليس للقاتل، وحكمه حكم الغنيمة، إلا أن يقول الأمير: من قتل قتيلا فله سلبه، فيكون حينئذ له، أي أن هذا القول تصرف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريق الإمامة والسياسة، فيحتاج إلى إذن متجدد من الحاكم.
وذهب الليث والأوزاعي والشافعي وآخرون إلى أن السلب للقاتل على كل حال، سواء قاله الإمام أو لم يقله، لكن يستحقه القاتل في رأي الشافعي إذا قتل قتيلا مقبلا عليه، غير مدبر عنه، أي أن هذا القول صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريق التبليغ للوحي أو النبوة، فلا يحتاج إلى إذن أصلا من الحاكم.
ولا يخمس السلب في رأي الشافعي؛
لما رواه أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضي في السلب للقاتل، ولم يخمّس السلب.
وذهب جمهور العلماء إلى أن السلب لا يعطى للقاتل، إلا أن يقيم البيّنة على قتله. وقال أكثرهم: يجزئ شاهد واحد؛ عملا بحديث أبي قتادة، وقيل وهو رأي الشافعي: شاهدان أو شاهد ويمين،
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى السلب لأبي قتادة بشهادة الأسود بن خزاعيّ وعبد الله بن أنيس. وقال الأوزاعي والليث: يعطاه بمجرد دعواه، وليست البيّنة شرطا في الاستحقاق؛
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى أبا قتادة سلب مقتوله من غير شهادة ولا يمين.
ولا يحتاج في مذهب المالكية إلى بيّنة؛ لأنه من الإمام ابتداء عطية.
والسلب بالاتفاق يشمل السلاح وكل ما يحتاج للقتال. أما الفرس فقال أحمد: ليس من السلب. وأما ما معه من نقود أو جواهر فلا خلاف في أنه ليس من السلب. وأما ما يتزين به للحرب فهو من السلب في رأي الأوزاعي، وقال جماعة: ليس من السلب.
وليس في كتاب الله تعالى دلالة على تفضيل الفارس على الراجل، واختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يسهم للفارس سهمان، وللراجل سهم وهو الصحيح؛ وذلك لكثرة العناء وعظم المنفعة، بدليل ما روى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما.
ولا يعطى في رأي مالك والشافعي لأكثر من فرس واحد، لأن القتال يكون على فرس واحد، والزائد رفاهية، وقال أبو حنيفة: يسهم لأكثر من فرس واحد؛ لأنه أكثر غناء وأعظم منفعة.