الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خروجهم يؤدي إلى الفساد، ومنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة على موتاهم؛ لأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار واستشفاع له، والكافر ليس بأهل لذلك، ونهاه عن الاغترار بأموالهم وأولادهم أو استحسان ما لديهم؛ لأنها ليست لخيرهم، وإنما هي طريق لتعذيبهم بها في الدنيا، وانشغالهم بها عن الآخرة.
التفسير والبيان:
يأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بأنه إن ردك الله من سفرك هذا حين رجوعك من غزوة تبوك إلى طائفة من المنافقين المتخلفين، وكانوا كما ذكر قتادة اثني عشر رجلا، فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى، فقل لهم تعزيرا وعقوبة:
لن تخرجوا معي أبدا على أية حال، ولن تقاتلوا معي أبدا عدوا بأي وضع كان.
ثم علل ذلك وبين سبب المنع بقوله: {إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ..} . أي إنكم اخترتم القعود عني أول مرة، وتخلفتم بلا عذر، وكذبتم في أيمانكم الفاجرة، وفرحتم بالقعود، بل وأغريتم بالتخلف عن الجهاد، فاقعدوا أبدا مع الخالفين أي الرجال المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد كما قال ابن عباس، أو مع فئة النساء والصبيان والعجزة كما قال الحسن، لكن قال ابن جرير: وهذا لا يستقيم؛ لأن جمع النساء لا يكون بالياء والنون، ولو أريد النساء لقال: فاقعدوا مع الخوالف أو الخالفات. وقيل: المعنى فاقعدوا مع الفاسدين، وهذا يدل على أن استصحاب المخذل في الغزوات لا يجوز. وقوله:{أَوَّلَ مَرَّةٍ} هي الخرجة إلى غزوة تبوك.
وعلى كل حال، فالآية تأمر بعقابهم بألا يصاحبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبدا، وذلك كما قال تعالى في سورة الفتح:{قُلْ: لَنْ تَتَّبِعُونا} [15].
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يبرأ من المنافقين، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له؛ لأنهم كفروا بالله
ورسوله، وماتوا عليه. وهذا نص في الامتناع من الصلاة على الكفار، وهو حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين. ومعنى الآية: ولا تصل أيها النبي على أحد من المنافقين سيموت في المستقبل، ولا تقم على قبره حين دفنه أو لزيارته، داعيا له ومستغفرا، ويجوز أن يراد بالقبر: الدفن، ويكون المعنى: لا تتول دفنه.
ثم بين الله تعالى سبب النهي عن الصلاة والقيام على القبر للدعاء بقوله:
{إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ..} . أي لأنهم كفروا بوجود الله وتوحيده وأنكروا بعثة نبيه؛ لأن الصلاة على الميت استشفاع له، والقيام على قبره احتفال بالميت وإكرام له، وليس الكافر من أهل الاحترام والإكرام.
وماتوا وهم فاسقون أي إنهم ماتوا والحال أنهم خارجون من دين الإسلام، متمردون على أحكامه، متجاوزون حدوده وأوامره ونواهيه.
ثم نهى الله رسوله عن استحسان بعض مظاهر المنافقين، فقال:{وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ..} . أي لا تستحسن ما أنعمنا به عليهم من الأموال والأولاد، فلا يريد الله بهم الخير، إنما يريد أن يعذبهم بها في الدنيا بالمصائب، وتخرج أرواحهم ويموتوا على الكفر وهم مشغولون بالتمتع بها عن النظر في عواقب الأمور.
وقد سبق ذكر هذه الآية في هذه السورة رقم (55) مع تفاوت في بعض الألفاظ: فلا تعجبك ولا تعجبك. أموالهم ولا أولادهم أموالهم وأولادهم، ليعذبهم أن يعذبهم، في الحياة الدنيا في الدنيا، ويفهم من اللفظ السابق:
{وَلا أَوْلادُهُمْ} أن إعجابهم بأولادهم كان أكثر من إعجابهم بأموالهم، وأما هنا رقم [85] فلا تفاوت بين الأمرين. وفائدة التكرار التأكيد والتحذير من الاشتغال بالأموال والأولاد، مرة بعد أخرى، بسبب شدة تعلق النفوس بها، حتى