الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين: عشرة آلاف من أصحابه في المدينة، من المهاجرين والأنصار، وألفان من أهل مكة مسلمة الفتح، وهم الطلقاء.
واستعار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا.
ولما رأى المسلمون كثرتهم، وبلوغ عددهم ما لم يبلغه عدد في غزوة سابقة، اغتروا وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة.
روى أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة» قيل:
إن القائل: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: أبو بكر رضي الله عنه.
واتكل المسلمون على قوتهم في مبدأ الأمر فانهزموا، ثم لما عدلوا عن غرورهم، وتضرعوا إلى ربهم، كان النصر حليفهم.
التفسير والبيان:
لقد نصركم الله أيها المؤمنون في مواقع حربية كثيرة، كبدر والحديبية ومكة وقريظة والنضير، وأنتم قلة وهم كثرة:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران 123/ 3] حيث كنتم متوكلين على الله، معتمدين على أن النصر من عند الله. والمواطن الكثيرة: غزوات رسول الله، ويقال: إنها ثمانون موطنا، فأعلمهم الله تعالى بأنه هو الذي نصر المؤمنين، إما نصرا كاملا وهو الأكثر، وإما نصرا جزئيا للتربية والتعليم، كما حدث في أحد، حينما خالف جماعة من الصحابة أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتركوا جبل الرماة، وكما حدث في حنين حينما اعتمدوا على الكثرة العددية، وغاب عنهم أن الله هو الناصر، لا كثرة الجنود، فانهزموا.
وذكر بعضهم أن المواطن أقل من ثمانين، روى أبو يعلى عن جابر أن عدد غزواته صلى الله عليه وآله وسلم إحدى وعشرون، قاتل بنفسه في ثمان: بدر وأحد والأحزاب والمصطلق وخيبر ومكة وحنين والطائف. وبعوثه وسراياه ست وثلاثون.
ثم قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ..} . أي ونصركم أيضا في يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فيه، إذ بلغتم اثني عشر ألفا، وكان الكافرون أربعة آلاف فقط، وقيل: ثمانية آلاف في قول الحسن ومجاهد، فكانت الهزيمة عليكم، لاعتمادكم على أنفسكم، وغروركم بقوتكم، وتركتم اللجوء إلى ربكم واهب النصر، فلم تغن كثرتكم عنكم شيئا من قضاء الله، وضاقت عليكم الأرض بما اتسعت من الخوف، ثم وليتم مدبرين منهزمين.
وذلك أنهم اقتتلوا اقتتالا شديدا، فانهزموا أمام ثقيف وهوازن، إذ كمنت هوازن في وادي حنين، ثم بادروا المسلمين بالقتال، وحملوا حملة رجل واحد، كما أمرهم سيدهم، فولى المسلمون مدبرين،
وثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو، والعباس عمه آخذ بلجامها وبركابها الأيمن، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر، يثقلانها لئلا تسرع في السير.
وهذا دليل على تناهي شجاعته ورباطة جأشه صلى الله عليه وآله وسلم، وما هي إلا من آيات النبوة، ثم قال:«يا رب ائتني بما وعدتني» .
ثم قال للعباس وكان صيتا: صح بالناس، فنادى الأنصار ثم نادى:
يا أصحاب الشجرة
(1)
، يا أصحاب السمرة، فأجابوه: لبيك لبيك.
ويدعو الرسول المسلمين إلى الرجعة قائلا: «إلى عباد الله، إلي أنا رسول الله» ويقول في تلك الحال:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
(1)
يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها، على ألا يفروا عنه.
فتراجع الناس، وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، وقيل: ثمانون، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قتال المسلمين، فقال:«الآن حمي الوطيس»
(1)
ثم أخذ كفا من تراب، فرماهم به، ثم قال:«اللهم أنجز لي ما وعدتني، انهزموا ورب الكعبة» فانهزموا، قال العباس:
«فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا» «لكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يركض خلفهم على بغلته» . وتمت هزيمة هوازن، وكانت هذه آخر غزوة ضد المسلمين، انتصر فيها المسلمون، وانهزم فيها العرب.
ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ..} . أي أفرغ الله طمأنينته وثباته على رسوله، وعلى المؤمنين الذين كانوا معه، وأنزل جنودا لم تروها، وهم الملائكة، كما روي مسلم في صحيحة، لتقوية روح المؤمنين وتثبيتهم، وإضعاف الكافرين بما يقذفون في قلوبهم من الخوف والجبن من حيث لا يرونهم.
إلا أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر، روي عن بعض من أسلم بعد حنين أنه قال: أين الخيل البلق، والرجال الذين كانوا عليهم، بيض، ما كان قتلنا إلا بأيديهم؟! وعذب الذين كفروا بسيوفكم بالقتل والسبي والأسر، وذلك هو جزاء الكافرين في الدنيا، ونظير الآية:{قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة 14/ 9].
وكان السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرين ألفا، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، وكانت تلك أكبر غنيمة غنمها المسلمون.
(1)
يعني: استعرت الحرب، وهي من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يسبق إليه.
وجريا على عادة القرآن في فتح باب الأمل والتوبة أمام الكفار والعصاة، قال تعالى:{ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي ثم يتوب الله بعد هذا التعذيب الذي حدث في الحرب على من يشاء من الكفار، يعني: ومع كل ما جرى عليهم من الخذلان، فإن الله تعالى قد يتوب على بعضهم، بأن يزيل عن قلبه الكفر، ويخلق فيه الإسلام، كما قال أهل السنة، أو بأن يسلموا ويتوبوا فيقبل الله توبتهم، كما قال المعتزلة.
والله غفور لمن تاب، رحيم بمن آمن وعمل صالحا. وقد تاب الله على بقية هوازن، فأسلموا، وقدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلمين، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة
(1)
، بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما، فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم، فاختاروا سبيهم، وكانوا ستة آلاف أسير، ما بين صبي وامرأة، فرده عليهم، وقسم الأموال بين الغانمين، ونفل أناسا من الطلقاء (أهل مكة) لكي يتألف قلوبهم على الإسلام، فأعطاهم مائة مائة من الإبل، وكان من جملة من أعطى مائة: مالك بن عوف النصري، واستعمله على قومه: هوازن، كما كان.
روى البخاري عن المسور بن مخرمة: «أن ناسا منهم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبايعوه على الإسلام، وقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس، وأبر الناس، وقد سبي أهلونا، وأولادنا، وأخذت أموالنا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن عندي من ترون، إن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم» قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:«هؤلاء جاءونا مسلمين، وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده شيء، وطابت به نفسه أن يرده فشأنه، ومن لا فليعطنا، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه» قالوا: رضينا وسلمنا.
(1)
الجعرانة: موضع على سبعة أميال من مكة إلى الطائف.