الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي دفعا للحق، وإظهار الفخر والاستعلاء بنعمة القوة أو الغنى أو الزعامة، ومن أجل مراءاة الناس، أي المفاخرة والتكبر عليهم، وعمل ما يحبون أن يراهم الناس عليه ليعجبوا منه، كما قال أبو جهل لما قيل له: إن العير قد نجت فارجعوا، فقال: لا والله، لا نرجع حتى نرد ماء بدر، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا.
فامتثلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه، واحذروا التشبه بأعدائكم المشركين بطرين مترفعين بالنعمة، مرائين الناس، فتبدل الحال كله عليهم، فتجرعوا كأس المنون، وانقلبوا أذلة صاغرين، في عذاب سرمدي أبدي.
وأرادوا بخروجهم المنع عن سبيل الله، أي حجب الناس عن الإسلام والحيلولة بينهم وبين تبليغ الدعوة الإلهية.
وهذه الأفعال التي لا تصدر عادة إلا من أناس امتلأت قلوبهم بالكفر، والجهل، والحقد، هي كلها عوامل دمار وهدم وفناء. لذا تضمنت الآية الزجر والتهديد بخصال الكفار وهي الرياء والبطر والكبر ودفع الحق ومعاداته.
والله بما يعملون محيط، أي عالم بما جاؤوا به ولأجله، فيجازيهم عليه شر الجزاء في الدنيا والآخرة، بمقتضى سنته في ترتيب الجزاء على الأعمال.
وفي هذا حض على إخلاص النية والعمل، والترغيب في نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومؤازرة الدين الذي جاء به من عند الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
تأمر الآيات بقواعد حربية هي عمد ثوابت في نظام الحروب بنحو دائم، ولا يمكن لجيش قديم أو حديث أن يتخلى عن هذه النصائح التي تكون سببا في إحراز النصر والتقدم والغلبة.
وهذه القواعد والنصائح هي الثبات عند اللقاء، وذكر الله والتضرع إليه واللجوء إلى جنابه، وطاعة الله والرسول، أي طاعة التوجيه الإلهي والقائد الحربي الذي لا يأمر عادة إلا بالصواب والحق والمصلحة العامة، وعدم التنازع والاختلاف، والصبر عند الشدائد، وعدم البطر والرياء والكبر والخيلاء.
أما الثبات عند قتال الكفار: فهو كما في الآية المتقدمة التي تنهى عن الفرار عنهم، فالتقى الأمر والنهي على هدف واحد، وهو الصمود في المعركة.
وأما ذكر الله في القلب واللسان والدعاء فهو مما يعين على الهدف السابق وهو الثبات على الشدائد، فيقول المجاهد ما قاله أصحاب طالوت:{رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} [البقرة 250/ 2]. وهذه الحالة لا تكون-كما ذكر القرطبي-إلا عن قوة المعرفة، واتّقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة بين الناس. ثم قال القرطبي: والأظهر أنه ذكر اللسان الموافق للجنان.
وأما طاعة الله ورسوله فهي الواجبة في كل أحوال المسلم، وبخاصة وقت الحرب والقتال؛ لأن طاعة القائد الحربي أساس لتماسك الجيش، وضمان لتقدمه وتوجيهه الوجهة التي يخطط لها القائد تخطيطا سليما. والطاعة العمياء للقائد من أصول الجندية الحديثة المعروفة.
وأما التنازع والاختلاف بين الآراء ووجهات النظر فهو أداة انقسام الجيش، وإنذار بالهزيمة والتراجع، وذهاب القوة والنصر والدولة.
وأما الصبر فهو محمود في كل المواطن، وبخاصة موطن الحرب؛ كما قال تعالى:{إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} وقال أيضا: {اِصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا} [آل عمران 200/ 3] والله مع الصابرين، والمراد بهذه المعية: النصرة والمعونة.
وأما البطر (الفخر والاستعلاء والتكبر) والمراءاة فهما مرض خطير ينخر في تكوين شخصية الإنسان، ويعجل في تدمير كيان صاحبه.
وأما الصد عن سبيل الله، أي إضلال الناس فهو أشد إثما من الكفر؛ لأن كفر الكافر مقصور على نفسه، والصد يتجاوز الإنسان إلى غيره، وقد تكرر ذم الصد عن سبيل الله في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكان الصدّ ملازما لكفر أهل مكة، كما قال تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ، أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} [محمّد 1/ 47].
ولما كان أبو جهل وعصبته مجبولين على البطر والمفاخرة والعجب، وكان صدهم عن سبيل الله حاصلا في زمان نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم، وذكر الصد عن سبيل الله بصيغة الفعل.
والخلاصة: أمر الله المؤمنين عند لقاء العدو بالثبات والاشتغال بذكر الله، ومنعهم أن يكون الباعث لهم على الثبات هو البطر والرئاء، وإنما الواجب أن يكون الباعث عليه هو طلب عبودية الله تعالى.
وشأن المؤمن إرضاء الرحمن وإظهار العبودية الخالصة لله، وهو هدف القرآن، والمعصية مع الحياء والتذلل والانكسار أقرب إلى الإخلاص من الطاعة مع الافتخار.
وضمانا للإخلاص في طلب مرضاة الله ختمت الآية بقوله: {وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} لأن الإنسان ربما أظهر الإخلاص، والحقيقة بخلافه، فيكون الله أعلم بما في القلوب. وهذا كالتهديد والزجر عن الرياء والتصنع.
وقد احتج نفاة القياس على عدم مشروعيته بآية {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا..} .
لأن القياس يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام بسبب اختلاف الأقيسة، ويردّ عليهم بأنه ليس كل قياس بوجب المنازعة، والآية في أمور السياسة العامة